التخوف الذي دفع إلى تصريحات غالانت، والمعركة بشأن "اليوم التالي للحرب" مع نتنياهو ووزراء اليمين
تاريخ المقال
المصدر
- الجدل بين وزير الدفاع يوآف غالانت والمؤسسة الأمنية من جهة، وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من جهة أُخرى، والذي ظهر إلى العلن أمس (الأربعاء)، مصدره التباين في وجهات النظر الأيديولوجية والعسكرية؛ لا يريد نتنياهو، لأسباب أيديولوجية، وأيضاً بسبب وجهة نظره الاستراتيجية، إشراك السلطة الفلسطينية في غزة، كبديل من سلطة "حماس". وهو يدّعي أن السلطة تشكل تهديداً لإسرائيل، مثل "حماس" تقريباً، وأنها تتخذ مواقف معادية لإسرائيل، لذلك، هو "غير مستعد لاستبدال ’حماستان’ بـ’فتحستان’". في المقابل، تدّعي المؤسسة الأمنية أن إشراك السلطة الفلسطينية، بقيادة أبو مازن وحركة "فتح" التي يترأسها، هو في الواقع، الخيار المعقول والوحيد، ولا بديل منه سوى سلطة "حماس". والحقيقة هي أن نتنياهو وغالانت لا يذكران خيارَين آخرَين غير استمرار سلطة "حماس"، أو سلطة بديلة بمساعدة السلطة الفلسطينية.
- ثمة خيار آخر هو حُكم عسكري إسرائيلي في القطاع. ومعنى ذلك سيطرة مدنية لإسرائيل على القطاع، بحيث تكون هي المسؤولة عن اقتصاد ورفاه سكانه، وعن سلطة إنفاذ النظام هناك. هناك خيار رابع، هو عدم سيطرة أيّ طرف، لتسود الفوضى، وفق النسخة الصومالية، والتي تؤدي إلى عودة "حماس" لملء الفراغ الناشىء في نهاية المطاف، وتوسُّل السكان إلى قيادة "حماس" لإنقاذهم. ومن الواضح تماماً أن نتنياهو وغالانت والمؤسسة الأمنية يرفضون، رفضاً قاطعاً، أيّ خيار يؤدي في النهاية إلى استمرار سيطرة "حماس" المدنية على القطاع.
- لكن نتنياهو، بخلاف غالانت والمؤسسة الأمنية، لا يستبعد إمكان قيام حُكم عسكري إسرائيلي في القطاع لفترة زمنية قصيرة، يدير فيها حياة المواطنين، إلى أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من تفكيك "حماس"، عسكرياً ومدنياً، بصورة نهائية. حينها، تحلّ محلّ الجيش الإسرائيلي قوة عربية - أميركية تستخدم جهازاً مؤلفاً من موظفين غزّيين ليسوا من مؤيدي "حماس". يوجد العديد من الموظفين، هم في معظمهم، من أتباع أبو مازن، وعرفات سابقاً، والسلطة الفلسطينية تدفع لهم رواتبهم.
- إلى جانب ذلك، نتنياهو محقّ في القول إنه لا توجد جهة عربية، لا في الإمارات، ولا في السعودية والأردن، أو مصر، مستعدة لحكم غزة، ما دام لم يتم القضاء على "حماس" بصورة نهائية. لذلك، وعلى الرغم من أن نتنياهو لا يذكر هذا مباشرة، فإن ما يريده، إلى جانب استمرار القتال ضد "حماس"، هو قيام حُكم عسكري إسرائيلي في القطاع. وسيبقى هذا الحكم حتى القضاء تماماً على "حماس"، حينها، تدخل إلى غزة قوة عربية - دولية من أجل إدارة شؤون المدنيين وفرض القانون والنظام، بما يشبه قوة حفظ السلام في منظمة الدول الأفريقية، والتي تعمل في عدد من الدول الأفريقية، منها ليبيريا.
- ما لا يقوله نتنياهو، يقوله وزير المال بتسلئيل سموتريتش علناً، وهو أن الحكم العسكري في القطاع لن يكون لفترة قصيرة، وسيفتح الباب أمام الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة من جديد، وخصوصاً في "غوش قطيف" التي أُخليت خلال عملية الانفصال عن غزة في سنة 2005. ذات مرة، قال نتنياهو في مقابلة مع تلفزيون أجنبي إن إسرائيل لا تريد السيطرة على القطاع، لكنه لم يكرر هذا القول كثيراً. أمس، تحدث عن ذلك، بتحفُّظ، مع شبكة "السي أن بي سي"، بقوله: "عندما ينتهي الجزء المكثف من الحرب، نحن بحاجة إلى إعادة الإعمار التي يمكن إجراؤها بمساعدة لاعبين مهمّين في المجتمع الدولي". وأضاف: "أودّ رؤية حُكم مدني في غزة، مترافق مع مسؤولية عسكرية إسرائيلية". ومعنى هذا الكلام أن المسؤولية الأمنية الشاملة ستبقى في يد إسرائيل لضمان أمنها، ومنع مجموعات "إرهابية"، مثل "حماس"، من تنظيم صفوفها من جديد. إن السبب الذي يمنع نتنياهو من قول هذا بصورة قاطعة وواضحة في مرات كثيرة، هو الضغط الذي يمارسه عليه وزراء حزبَي "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية"، الذين يطالبون بالعودة إلى الاستيطان في قطاع غزة. وهم يريدون القيام بذلك على رماح الحكم العسكري.
- نتنياهو لا يدعمهم، لا علناً، ولا من وراء الكواليس. لكنه لا يريد التشاجر مع الكتلة الدينية – القومية في الحكومة، وفي "الكابينيت"، والتي تطالب بحكم عسكري، ليس لأسباب موضوعية عسكرية، بل كي تعبّد الطريق أمام عودة الاستيطان إلى قطاع غزة.
- وزير الدفاع، والمؤسسة الأمنية كلها، وأيضاً الوزيران غانتس وأيزنكوت، ووزراء آخرون أعضاء في الائتلاف، وحزب "يوجد مستقبل"، يعارضون عودة الاستيطان إلى قطاع غزة بشدة، لكن معارضتهم لحُكم عسكري إسرائيلي في القطاع في "اليوم التالي للحرب" ناجمة عن اعتبارات أمنية واقتصادية، وليس فقط بسبب معارضتهم المشروع الاستيطاني في غزة. لقد أجرت المؤسسة الأمنية حساباتها، ووجدت أن إقامة حُكم عسكري تستوجب سيطرة دائمة على القطاع، حتى بعد الانهيار الكامل للقوة العسكرية لحركة "حماس"، وسيتطلب ذلك وجود فرقتَين عسكريتَين بصورة دائمة، وفي ضوء تقديرات الجيش، إن القتال في القطاع سيستمر بقوة مختلفة، على الأقل نصف سنة أُخرى. ولا يمكن قيام الحكم العسكري إلّا بعد خمود المعارك فعلاً. وما يجري الحديث عنه هو آلاف الجنود والموظفين الذين سيضطر الجيش إلى إبقائهم في القطاع طوال أكثر من عام.
- وهذه القوة ستكون ثابتة في أغلب الأحيان، وستتعرض للهجمات والخسائر، من دون الحديث عن تكلفة القتال التي قد تبلغ عشرات الملايين يومياً. علاوةً على ذلك، ستتحول دولة إسرائيل، قانونياً، إلى دولة احتلال في غزة، وبموجب القانون الدولي، يجب على هذه القوة تأمين الحاجات المعيشية وغيرها من الخدمات والحاجات، فضلاً عن تمويل التعليم والصحة. والعبء الذي سيقع على عاتق الاقتصاد الإسرائيلي جرّاء السيطرة على 2.6 مليون غزّي، يمكن أن يؤدي في الظروف الحالية إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلي. وسنصبح تابعين تبعية كاملة للإرادة الحسنة لدول الخليج الغنية، وللولايات المتحدة، من أجل تمويل ما سيُعتبر احتلالاً إسرائيلياً لقطاع غزة...
- يبقى السؤال: لماذا اختار غالانت أمس الإدلاء بهذا التصريح الذي ينشر غسيل "الكابينيت" الوسخ أمام الجمهور. السبب المُلح هو أعضاء "الكابينيت" من حزبَي "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية"، الذين يضغطون على رئيس الحكومة، بتأييد من بعض وزراء الليكود، من أجل إقامة حُكم عسكري في غزة الآن. لم يستجب نتنياهو لطلبهم، حتى الآن، لكنه يتخوف من قول "لا" بوضوح.
- يتخوف غالانت وغانتس من أن يتمكن بن غفير وسموتريتش، بعد وقت قصير، من فرض رغبتهما على نتنياهو، وإجباره على تأييد مطلبهما، وإقامة حُكم عسكري إسرائيلي. كما يتخوف غالانت والمؤسسة الأمنية من أن يؤدي هذا إلى استهلاك كل موارد إسرائيل، ويأتي على حساب الاستعداد للمواجهة مع إيران، ومع حزب الله في لبنان. لذلك، يصرّ غالانت على إحباط هذه الخطوة بفضحها في مهدها، قبل فوات الأوان.
- ومن المثير للانتباه أن غالانت، الذي يعارض قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، اختار التوقيت الحالي للكشف عن الخلاف الخطِر مع نتنياهو واليمين الراديكالي في الائتلاف، كي يفهم الجمهور أن الحكومة الحالية تُلحق ضرراً بالغاً، المرة تلو الأُخرى، بالمصالح الأمنية لدولة إسرائيل. والأسوأ أنها تطيل أمد الحرب، وتجعلها دائمة في الواقع الإسرائيلي. ويبدو أن غالانت وغانتس يعارضان هذا الخط السياسي للائتلاف الحالي، ومن المحتمل تقديم استقالات في وقت قريب.