التطبيع مع السعودية مهم لإسرائيل، لكن ألّا يكون ثمنه التنازل عن الانتصار في غزة
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • من المفترض أن يزور مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إسرائيل خلال نهاية الأسبوع. القضية المركزية التي يريد التحدث عنها هي طرق منع استمرار الحرب في غزة، مع التشديد على رفح ومحور فيلادلفيا، وفي الواقع، كيف تستطيع الولايات المتحدة منع إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب، حسبما أقرّها "الكابينيت"، بعد "مذبحة" السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
  • يأتي سوليفان، بصفته مبعوث الرئيس بايدن، وطبعاً، لا تحرّكه المصالح الإسرائيلية، إنما المصالح الأميركية، تحضيراً للانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر.
  • جزء كبير من خطوات الإدارة التي اتخذتها، مؤخراً، ترمي إلى تحقيق هذا الهدف: منع إسرائيل من إنهاء الحرب بانتصار في غزة، وإعادة الرهائن، في مقابل "تحلية" على شكل تطبيع مع السعودية، واتفاق "حلف دفاعي" أميركي - إسرائيلي. هذه الطريقة لا تتماشى مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً أن جزءاً من هذه التفاهمات يأتي على حساب منع إيران من المضيّ في المسار النووي.
  • أحد أساسات الأمن القومي الرئيسية لإسرائيل، هو أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها، من دون مساعدات خارجية، وضمنها مساعدة الولايات المتحدة.
  • لا شك في أن اتفاق التطبيع مع السعودية يُعتبر خطوة ذات أهمية فائقة، تبرّر المخاطرة من أجل عدم تفويت الفرصة، لكن ليس بأيّ ثمن. التفاهمات التي يدفع بها سوليفان بهدف الوصول إلى اتفاق، بعد الزيارات الكثيرة التي قام بها وزير الخارجية بلينكن للسعودية، تطرح أسئلة جوهرية عن أساسات الأمن القومي الإسرائيلي، والثمن الذي يطلبه الأميركيون من إسرائيل في المقابل.
  • هذا كان موقفي قبل الحرب، وبات أقوى بعد الرغبة الأميركية في ربط التطبيع والحلف الدفاعي (الذي كان إشكالياً من البداية)، بالموافقة الإسرائيلية على "الهزيمة" في غزة.
  • هذا بالإضافة إلى أن الموضوع الفلسطيني الذي لم يكن مهماً إلى هذا الحد، بالنسبة إلى السعوديين قبل الحرب، باستثناء الدفع الأميركي، الآن، تحوّل إلى الموضوع المركزي الذي لن توافق السعودية على التطبيع من دونه. التنازلات في هذا الموضوع المهم، وضمنها فكرة إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة في إطار "اليوم التالي للحرب"، ستكون خطأً سيزيد الطين بلة.
  • على الأقل، هناك تحسُّن في الموقف السعودي من الموضوع النووي، وخصوصاً في مجال المطالبة بتخصيب اليورانيوم على أراضي المملكة. المطلب الأصلي كان ناجماً عن الاتفاق السيئ الذي سمح للإيرانيين بالتخصيب الذاتي وإدارة أجهزة الطرد المركزي. يمكن تفهُّم موقف السعوديين، لكن الموافقة عليه ممنوعة. هذه المشكلة أزيلت موقتاً، بعد الأنباء التي تشير إلى موافقة السعوديين على تخصيب اليورانيوم في الأراضي الأميركية في المرحلة الأولى، وبصورة أساسية بسبب الحاجة إلى طرح الموضوع الفلسطيني، لأنه أكثر أهميةً، والإدراك أن الاتفاق السعودي- الأميركي لن يحصل على دعم في الكونغرس، من دون دعم إسرائيل.
  • وفي المقابل، إن التحديات إزاء إيران لم تتغير. فسلوكها العدائي ورغبتها في الحصول على سلاح نووي يجعلانها الأزمة المركزية لإسرائيل. الآن، يجب أن ينصبّ التركيز على إبطاء تطوير السلاح، أو إيقافه كلياً، وكذلك إضعاف النظام، لكن لا يجب النوم خلال الحراسة. الولايات المتحدة تدفع إلى ترتيبات في مقابل إيران، بحيث يعمل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ممثلاً لها. لا يزال رافايل غاروسي سياسياً يسعى للفوز بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو يدرك جيداً مَن الذي يمكن أن يساعده على تحقيق ما يصبو إليه. يجب النظر بعين الشك إلى الخطوات التي يقوم بها، وأقواله في السياق الإيراني، فكما يبدو، هو يساعد الأميركيين من خلف الكواليس، بهدف التوصل إلى اتفاق.
  • المطالب التي سيطرحها سوليفان خلال زيارته لإسرائيل تتعلق بوقف العملية في رفح ومحور فيلادلفيا، بحجة الخطر المحدق بالمواطنين هناك، وهذا نموذج من النفاق. "حماس" هي التي افتتحت حملة "القتل والخطف" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهي التي تستخدم المواطنين في غزة دروعاً بشرية بصورة تتناقض كلياً مع القانون الأميركي، إلّا إن الضغوط الأميركية تتوجه ضد إسرائيل فقط، وتترافق أيضاً مع تهديدات بوقف إرسال الأسلحة إلى الحليفة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تشهد حرباً متعددة الجبهات، ستحدد مستقبل إسرائيل في المنطقة (حتى الآن، لم تُنفَّذ هذه التهديدات، ويبدو أنه اتُّخذ قرار تأجيل شحنة سلاح واحدة فقط، لكن اللهجة، بحد ذاتها، إشكالية).
  • استعمال "التحلية" على نمط التطبيع، وبصورة خاصة لدى طرح موضوع الحلف الدفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكن أن يمرّر رسالة خاطئة إلى أعدائنا البعيدين والقريبين، مفادها أن إسرائيل غير مؤمنة بقدرتها على الدفاع عن نفسها. وحتى لو كان التحالف قائماً فقط في مواجهة تهديدات وجودية، فمجرد طرحه اليوم يولّد ضرراً.
  • الحلف الدفاعي لن يمنع إسرائيل من الاستمرار في سياساتها العدوانية، ويمكن أن يتحول إلى سيف يضرّ بالردع الإسرائيلي وحرية العمل.
  • الآن، تربط الولايات المتحدة اتفاق التطبيع مع السعودية وتوقيع حلف دفاعي بوقف القتال في غزة، وبتنازلات بشأن القضية الفلسطينية، وأيضاً بشأن الموضوع النووي السعودي. وفي هذا السياق، يجب التشديد على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إسرائيل لتمرير الاتفاق مع السعودية في الكونغرس (من غير المنطقي أن تكتفي السعودية بقرار رئاسي، لكن يمكن أن تكون هذه هي الطريق التي سيختارونها في نهاية المطاف).
  • التطبيع والحلف الدفاعي يمكن أن يزعزعا الدعم الأميركي لإسرائيل في مجالات محددة، والذي كان مستمراً منذ سنوات، بادّعاء أن الحلف الدفاعي يعوّض ذلك، أو يمكن أن يقلص هذه المساعدات، الآن، أو إضعافها. وتشمل هذه المجالات ورقة تفاهمات واسعة وطويلة (MOU)، واتفاق التفوق النوعي (QME) الواسع النطاق، ونشر منظومات أميركية على نطاق واسع، وتوسيع التعاون التكنولوجي، وغيرها.
  • الآن، التطبيع المطروح أضعف مما كان مطروحاً ما قبل الحرب، والتنازلات التي على إسرائيل تقديمها (باستثناء مسألة النووي السعودي) أكبر كثيراً. وفي هذا السياق، من المهم جداً أن تطرح إسرائيل أمام سوليفان، وبصوت واضح وحاد، سلبيات التطبيع المطروح والحلف الدفاعي، وألّا تندفع إلى التوقيع، وخصوصاً أنه منوط بتنازلات في غزة، وبالقضية الفلسطينية.
  • مستقبلاً، يمكن التوصل إلى صفقة ثلاثية، أميركية - سعودية - إسرائيلية، مع مخاطر محدودة تفتح الباب لعملية مشتركة ضد الخطة الإيرانية، لكن فقط بعد إنهاء الحرب في غزة بنجاح كامل، وإعادة الرهائن، وعودة السكان إلى الشمال بأمان.
 

المزيد ضمن العدد