نتنياهو يسعى نحو الحل الذي طالما أسعفه: حل الكنيست والاحتكام إلى الانتخابات
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يقترب بنيامين نتنياهو بسرعة حثيثة من استلال سلاحه السرّي والصدئ لاحتواء الأزمات السياسية؛ حل الكنيست وتبكير موعد الانتخابات. هذه هي الورقة الوحيدة التي ظلت في يده من أجل تحقيق هدفين عاجلين: وقف إطلاق النار مع "حماس"، الذي نطلق عليه، نحن الإسرائيليين، اسم "صفقة تبادل أسرى"، وإعاقة القرار الذي يبدو أن المحكمة العليا ستتخذه، والذي سيُلزم الحكومة تجنيدَ الحريديم، أو على الأقل تمرير قانون يلزمهم التجند [مستقبلاً].
- أمس، قام القاضي نوعَم سولبرغ، الذي يُعد رمز التيار اليميني في المحكمة العليا، بتسديد ضربة إلى الائتلاف الحكومي الذي يُدعى بأنه تحالف كل اليمينيين، ولم يترك تساؤله بشأن الحد المتدني لحصة التجنيد (التي تبلغ 3000 شاب من الحريديم هذا العام) أي مجال للشك في موقفه من موضوع التجنيد. وكان القاضي اليميني قد قال في المداولات: "لقد شعرت بالخيبة الشديدة من هذا الرقم.. كنت أتمنى أن يكون أكبر بـ 3 أو 4 أضعاف"، وهكذا، فقد ضرب نقطة الضعف الأكثر حساسية لدى نظام نتنياهو؛ دعم رفض الحريديم للخدمة في الجيش في عز حرب مستمرة، يُقتل ويُجرح فيها كل يوم جنود من العلمانيين، والمتدينين القوميين، والدروز، والبدو. إن كلمات سولبرغ الحادة التي عبّرت عن الموقف السائد في صفوف الفئات السكانية التي تتجند دوّت في مواجهة صرخات "نموت ولا نتجند" التي أطلقها شخص حريدي في قاعة المحكمة، بَيْدَ أن تصريح القاضي لم يفلح في إسكات متظاهري "التيار المقدسي" [مجموعة حريدية تعد من التيارات الأكثر تطرفاً في المجتمع المتدين الإسرائيلي، انشقت من التيار الديني اللتواني سنة 2012، وعُرِفَت عنها معارضتها الشديدة والعنيدة للتجنيد. وتفيد إحصاءات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بأن عدد مؤيديها بلغ نحو 60,000 رجل، وأنها تشكل نحو 6.5% من قوة الحريديين في إسرائيل] الذي قدّم إلينا عرضاً تقديمياً عن الاحتجاجات العنيفة التي ستندلع إذا تم إرسال أوامر التجنيد إلى المدارس الدينية.
- ولا أحد، ولا حتى الساحر السياسي نتنياهو، يمكنه العثور على إجابات لسؤال القاضي، وربما لن يتمكن أحد من العثور على أي صيغة مقترحة للقانون من شأنها أن تضمن بقاء الأحزاب الحريدية المتطرفة في الائتلاف؛ أي صيغة تبقي الإعفاء من تجنيدهم على حاله، إلى جانب الإبقاء على تمويل المدارس الدينية التي تمثل مناطق لجوء للهاربين من الخدمة العسكرية، وفي الوقت ذاته، تهدئة الغضب الشعبي على تهرُب الحريديين من الخدمة العسكرية، وهو غضب يتغلغل عميقاً أيضاً في القاعدة اليمينية والقومية الداعمة لنتنياهو. من المؤكد أن لا أحد يمكنه صوغ قانون من هذا النوع في عز حرب، في الوقت الذي باتت فيه أيام الدورة البرلمانية الصيفية للكنيست على وشك الانتهاء.
- إن حل الكنيست سيؤجل مشكلة تجنيد الحريديم حتى السنة المقبلة، ويلقي بعبء المسألة على كاهل الحكومة المقبلة، في ظل أوضاع أُخرى. حتى قضاة المحكمة العليا الأكثر نشاطاً [المنتسبون إلى التيار الليبرالي، الذي يؤمن بضرورة قيام المحكمة بدور أكبر، مقارنة بالتيار المضاد الذي يمثله القضاة اليمينيون المحافظون] لن يمكنهم إجبار حكومة انتقالية، تتشكل استعداداً للانتخابات، على الترويج لتشريع دستوري يغير التراتبيات الاجتماعية الراسخة. وهكذا، فسيكون في إمكان نتنياهو مجدداً تحويل قرار المحكمة إلى نكتة، وإلى طائرة ورقية يطوّح بها، فتحط بدقة شديدة في كومة القمامة التي ألقى إليها بقرارات المحكمة العليا السابقة المتعلقة بتجنيد الحريديين.
- وهناك مكاسب سياسية لنتنياهو كامنة في تبكير الانتخابات على جانبَي الخريطة السياسية: فعلى خلفية الخلاف المتعلق بوقف إطلاق النار في الجنوب، يمكن لنتنياهو أيضاً أن يعرقل التهديدات المتصاعدة من شركاء نتنياهو من يمينه ويساره بشأن الانسحاب من الحكومة، ويلقي بها إلى الكومة نفسها التي سيلقي فيها قرار المحكمة العليا، ولن يتمكن سموتريتش أو بن غفير من إسقاط حكومة انتقالية تصادق على صفقة بايدن - نتنياهو مع "حماس". وفي المقابل، سيلاقي بني غانتس وآيزنكوت مصاعب في التهرب من هذه الحكومة، إذا تبنّت مقترح بايدن وسعت إلى استعادة المختطَفين.
- لقد بات وقف إطلاق النار في الجنوب أمراً شديد الإلحاح، وذلك، بصورة خاصة، من أجل تلافي اندلاع النار في الجبهة الشمالية. ومن الصعب على المرء أن يستنتج من تصريحات الجيش أن لواء غولاني لديه جهوزية كافية لاحتلال جنوب لبنان، أو أن سلاح الجو قادر على تحويل بيروت إلى غزة الثانية، وعلى الرغم من أن الجيش نجح حتى الآن في قتل مئات المقاتلين والضباط من حزب الله في الاشتباكات، فإن هذا الرقم لا يشكّل خللاً كبيراً في التوازن الاستراتيجي. بعد مرور 8 أشهر من القتال في القطاع لم تؤدِ إلى هزيمة "حماس"، فإن الروح القتالية المتبقية في هيئة الأركان، التي من شأنها أن تدفع إلى فتح جبهة إضافية، هي روح تستحق التقدير حقاً نظراً إلى الوضع السائد. لكن نتنياهو بات يدرك جيداً أن الجيش ليست لديه طريقة لهزيمة حزب الله، وأن الحرب الشاملة ضد الحزب ستؤدي إلى دمار واسع النطاق في التجمعات المدنية، ومرافق البنى التحتية، والاقتصاد في إسرائيل، وخراب لبنان لن يعزّي الإسرائيليين، الذين ستتدمر منازلهم ومصالحهم التجارية وسيفقدون أحباءهم، تماماً كما لم يعزِّ الدمار في قرى جنوب لبنان الآن سكانَ الجليل المهجَرين.
- في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل أسوأ اللحظات في تاريخها من جهة مكانتها الدولية (إذ تتعرض لتهديدات بحظر أسلحة أميركية، كما باتت قياداتها السياسية والعسكرية متنازعة فيما بينها)، فإن المبادرة إلى إطلاق حرب شاملة ومدمرة في الشمال لن تضمن سوى كارثة قومية، وستكون فظائع 7 تشرين الأول/أكتوبر هزيلة أمامها. ولذا، فهناك حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار من أجل تنظيم الصفوف، وضمان الهدوء على الجبهة الجنوبية، وإطلاق جهد دبلوماسي لصوغ اتفاق وقف إطلاق نار مع حزب الله. من الواضح أن اليمين المتحمس سينظر إلى موقف كهذا بصفته هزيمة نكراء، وسيعرّض نتنياهو للخطر حينما يحاول بن غفير المزايدة عليه. لكن من الممكن لنتنياهو أن يتحمل هذا الثمن، في مواجهة الضغوط المتفاقمة من جانب بايدن لإنهاء الحملة العسكرية في غزة.
- وأخيراً وليس آخراً، فإن حل البرلمان سيضمن تأجيل المطلب المتصاعد لتعيين لجنة تحقيق رسمي في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي طريقة إدارة الحرب، إذ يمكن للحكومة الانتقالية أن تخفف من حدة التحقيقات، أمّا تبكير الانتخابات، فسيُعد أصلاً اعترافاً من جانب نتنياهو وائتلافه الحكومي الكارثي بأنه ليس في إمكانهم التصرف وكأن شيئاً لم يكن، وفي حالة كهذه، فإن نتنياهو سيحصد مكسباً آخر، وهو قدرته على تعليق اتهام إسقاط الحكومة بناصية المحكمة العليا، وسيقول في حملته الانتخابية المقبلة، كما اعتدنا دائماً: "لو أتيحت لي الفرصة للقضاء على النظام القضائي، لكانت حكومتي الرائعة قادرة على البقاء في الحكم، لينعم جميع مؤيديها بالرخاء."