أين "الأمهات الأربع" في حرب غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في حرب غزة، يظهر صمت المعارضة إزاء أهداف الحرب وطريقة إدارتها، والمطالبة العامة والفاشلة بتحرير المخطوفين هي المعارضة الوحيدة. ويظهر أيضاً غياب الاحتجاج النابع من الفراغ الذي يخلّفه وراءهم الذين قتلوا والذين سيقتلون، ويمكن لاحتجاج كهذا أن يشكّل تحدياً لاستمرار القتال. وقد برزت ظواهر كهذه في "عائلة قلعة الشقيف" في حرب لبنان الأولى [1982]، و"أهالي ضد الصمت" في حرب الاستنزاف في لبنان حتى الانسحاب سنة 1985، وحركة "الأمهات الأربع" التي ظهرت بعد كارثة اصطدام الطوافتين العسكريتين (1979) وساهمت في الانسحاب، وأخيراً حركة "أسرى" التي قامت سنة 2004 احتجاجاً على التضحية بالجنود في قطاع غزة، والتي لا لزوم لها.
  • ومن الصعب أن نتوقع أن تتطور مشاعر الحزن على القتلى، وأن تولد حركة احتجاج في اللحظة التي يُطلب فيها من الجمهور تأييد الحرب التي تُعتبر حرباً وجودية. حتى معسكر الوسط - اليسار يريد أن يُظهر وطنيته كي لا يُتهم بالمسؤولية عن "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر بسبب احتجاجه ضد الانقلاب الدستوري. لكن يوجد هنا عامل أساسي، وهو التركيبة الاجتماعية لسلاح البر.
  • إن احتجاجات العائلات الثكلى التي تشكل تحدياً لاستمرار الحرب يمكن أن تنمو أساساً وسط الطبقة الوسطى العلمانية، وهذا هو القاسم المشترك للحركات التي برزت في الماضي، وهذه طبقة ذات موارد، وتتمتع بالشجاعة الأيديولوجية الملائمة، لكن الوجود النسبي لهذه الطبقة في سلاح البر المقاتل تراجع، ويظهر هذا أيضاً في أعداد القتلى؛ فبينما كان هذا العدد يوازي الثلثين في حرب لبنان الأولى [1982]، أصبح يوازي الثلث في العملية البرّية في غزة.
  • ومن شأن تقلُص حجم هذه الطبقة في خريطة الضحايا أن يُضعف الاحتجاج، وقد رأينا ذلك في حرب لبنان الثانية التي كان قد برز فيها تراجُع للطبقة بصورة أقل، لكن حينها، برزت طلائع الاحتجاج من داخل مجموعات اجتماعية متعددة، ومتماهية مع اليمين، ولم يشكل الاحتجاج تحدياً لأهداف الحرب، بل للطريقة الفاشلة لتنفيذها. واليوم أيضاً يتطور الاحتجاج من داخل اليمين، ويبرز في الرسائل العنيفة لجنود الاحتياط [الإشارة إلى الفيديو لجنود في الاحتياط يهددون بعصيان الأوامر إذا أمرهم غالانت وقف القتال]، وفي احتجاج الأهالي ضد المخاطرة بحياة أبنائهم بحجة الأخذ في الاعتبار حياة المدنيين في غزة وممتلكاتهم.
  • ولم تُسمع تقريباً أصوات احتجاج من اليسار، لكن الأوضاع يمكن أن تتغير مع إطالة أمد الحرب على الرغم من الفشل والشك في أنها تخدم مصالح غير سليمة. فهل من المعقول بين عشرات الأهالي من الطبقة الوسطى العلمانية، لا يزال هناك مكون مهم ينتمي إلى النخبة المثقفة والمتعلمة في إسرائيل من الذين فقدوا أبناءهم، ومن الذين فهموا أن صمتهم حتى الآن أدى إلى قتل لا لزوم له للجنود من دون الحديث عن القتل الجماعي في الطرف الثاني؟
  • هل يوجد بينهم من يفهم أن الحرب من دون هدف سياسي مصيرها الفشل والتضحية بالمستقبل؟ ربما يوجد بينهم مَن يهاجم خطيئة الصمت التي سمحت للقيادة بالتعامل مع حياة الجنود كمورد متاح وغير مكلف، وخصوصاً عندما تستطيع القيادة الاعتماد على أنه بالنسبة إلى العائلات المتدينة وعائلات المهاجرين والعائلات من الطبقات الدنيا يُعد موت العسكري مصدراً للفخر وليس للمعارضة؟
  • هذه الأسباب تضع مسؤوليات أكبر على مجموعة النخبة في إسرائيل، ففي نظام التجنيد الإلزامي، على الجميع أن يؤدوا خدمتهم العسكرية من أجل أبنائهم وبناتهم، ومن أجل أبناء الفئات الاجتماعية الأُخرى التي تقبل الموت في الخدمة العسكرية بتواضع وفخر.