سياسة سموتريتش في الضفة الغربية: إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية "حماس"
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

كتب آفي يسخروف: "بعد مرور 8 أشهر على انهيار نظرية "تقوية ’حماس‘ وإضعاف السلطة الفلسطينية" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تواصل الحكومة الإسرائيلية تطبيق السياسة عينها، لكن هذه المرة في نسخة الضفة الغربية، عن طريق اتخاذ هذه الحكومة خطوات أدّت ولا تزال تؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية. والنتيجة المباشرة لهذه العملية ازدياد قوة "حماس" في مدن الضفة الغربية وأطراف أُخرى مدعومة من إيران.

وفي حديث مع الصحيفة، حذّر عدد من المصادر الأمنية الإسرائيلية من أن الذي يقود هذه السياسة الواضحة والمعلنة الرامية إلى تفكيك السلطة الفلسطينية هو وزير المال، بتسلئيل سموتريتش. وبحسب كلام هذه المصادر، فإن سموتريتش "يستغل منصبه كوزير للمال، ومنصبه في وزارة الدفاع، من أجل تطبيق سياسة مقصودة يمكن أن نشهد في نهايتها انفجاراً للعنف في الضفة الغربية. نحن نسير نحو الهاوية بأعين مغلقة."

وأضافت مصادر أمنية أُخرى أن الخطوات التي يقوم بها سموتريتش تلحق ضرراً بقادة السلطة وعناصر الأجهزة الأمنية. واستناداً إلى كلامهم، فإن رواتب هؤلاء القادة وعناصر الأجهزة تبلغ اليوم 40% من رواتبهم العادية جرّاء الخطوات الإسرائيلية. وعلّق أحد المصادر على ذلك: "يمكن أن نفهم كيف أنه حين يخسر العنصر الأمني في السلطة مصدر رزقه سيبحث عن مصدر آخر في أماكن أُخرى. ونحن نشهد في الأشهر الأخيرة كيف تحاول إيران و’حماس‘ إغراق المنطقة بالسلاح والمال، بعد أن أصبح لديهما من يتوجهون إليه."

وتضيف المصادر أنه منذ بداية الحرب، منعت الأجهزة الفلسطينية وقوع عشرات الهجمات ضد أهداف إسرائيلية، كما كشفت وجود سيارتَين مفخختَين في شمال الضفة. ومن مصلحة إسرائيل المحافظة على المعتدلين، ومنع سيطرة المتطرفين على الميدان. وتضيف المصادر: "من غير المقبول أنه بعد الفشل الذريع لسياسة إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية ’حماس‘ أن تستمر هذه السياسة بقيادة وزير المال."

ولم تبدأ سياسة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الرامية إلى إضعاف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس مؤخراً أو عشية الحرب، إنما بدأت عملياً منذ اللحظة التي استلم فيها منصبه كرئيس للحكومة سنة 2009. ومنذ ذلك الحين، قادت الحكومات برئاسته "بنجاح" عملية تهدف إلى منع أي إمكان لتسوية سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. وكان القصد هو إثبات أن السلطة غير مؤهلة لأن تحكم، وأنها ليست الشريك المناسب في مفاوضات السلام.

ومنذ بداية الحرب، ازدادت حدة الخطوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو ما أدى إلى تدهور دراماتيكي في الوضع الاقتصادي للضفة الغربية والسلطة الفلسطينية، وذلك للأسباب التالية:

أولاً؛ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، مُنع دخول العمال الفلسطينيين إسرائيل للعمل، وهذا يعني توقُف القطاع الذي كان يحرّك الاقتصاد الفلسطيني أكثر من أي قطاع آخر، والذي يضم 150,000 عامل فلسطيني. وسمحت إسرائيل بدخول نحو 8000 عامل فقط للعمل في القطاعات التي تُعتبر حيوية (القطاع الغذائي والطبي على سبيل المثال)، كما سمحت لنحو 18,000 عامل بالدخول من أجل العمل في المستوطنات، أي أنها أعطت الأولوية للعمل في المستوطنات. وكانت نتيجة ذلك وجود نحو 120,000 عاطل عن العمل جديد ليس لديه مورد رزق، وبالتالي، لا يمكن أن يساهم هؤلاء في الاستقرار في المناطق. وارتفع معدل البطالة بصورة غير مسبوقة، وبلغ 33% في الضفة. وفي هذه الأثناء، يُعِدُّ "الشاباك" ومنسق أعمال الحكومة في المناطق خطة لعودة متدرجة لهؤلاء العمال للعمل في إسرائيل، لكن تقول مصادر أمنية إن المستوى السياسي ليس مستعداً حتى لبحث في هذه المسألة.

ثانياً؛ انخفضت التجارة في مناطق السلطة الفلسطينية بصورة دراماتيكية، وتراجعت حركة التصدير والاستيراد بنحو 31%، ومعنى هذا ضرائب أقل ونشاط اقتصادي أقل.

ثالثاً؛ قرار سموتريتش قبل شهر ونصف؛ وقف تحويل أموال المكوس الجمركية على المعابر إلى السلطة الفلسطينية، وهي أموال تعود إلى السلطة بحسب اتفاق باريس، وتشكل نحو 70% من ميزانية السلطة الفلسطينية. وقد انخفض هذا المبلغ إلى ربع ما كان عليه عشية الحرب، بسبب التباطؤ الاقتصادي، لكن قبل شهر ونصف، أمر سموتريتش بالوقف الكامل لتحويل الأموال إلى السلطة بحجة أنها تعمل ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.

وتوضح مصادر أمنية إسرائيلية أن سبب وقف تحويل الأموال ليس دفع رواتب إلى عائلات "المخربين"، إنما هو أن سموتريتش، قبل الحرب، قام بحسم الأموال المحولة إلى السلطة بحجة أن السلطة حولتها إلى غزة من أجل تمويل قضايا كالمياه والكهرباء، بحجة أن هذه الأموال حُوّلت إلى "حماس" (هذا في الوقت الذي كانت تسمح فيه إسرائيل لقطر بتحويل الأموال إلى "حماس"). ويضيف المصدر أن هدف سموتريتش ليس تفكيك السلطة، إنما احتلال البلد، وهذا يظهر في مسألة الأراضي الزراعية التي انتشرت كالفطر في المنطقة، وأيضاً رغبته في "إقامة مستوطنات يهودية في قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، والسيطرة على الضفة الغربية."

وتخلص هذه المصادر إلى القول: "إذا أفلست السلطة وتفككت، فإن إمكان عودتها إلى غزة في اليوم التالي سيصبح غير ذي صلة. نحن نعرف جيداً السلطة الفلسطينية وما هي حدود قوتها وبناها التحتية. لكن ما هو البديل؟ هذا السؤال مطروح على كل واحد منا."