إسرائيل تعتمد على بند واحد لحل المعضلة، لكن للولايات المتحدة و"حماس" تفسيرات أُخرى
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • تكشف خريطة الطريق لإنهاء الحرب في غزة، التي قدّمها الرئيس الأميركي استناداً إلى اقتراح إسرائيلي من أجل التوصل إلى اتفاق لتحرير المخطوفين، الطريقة المختلفة جداً التي يرى فيها كل من الأطراف أهدافه وهامش المناورة الذي لديه.
  • وفي إمكان "حماس" أن تسجل لنفسها إنجازاً مهماً؛ إذ نجحت في إقناع الإدارة الأميركية بأن تطلب من إسرائيل وقف الحرب مع بقائها في الحكم في غزة، وهذا هدف مركزي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وفي ضوء ذلك، تقدّر الحركة أن فرصها لتفرض هذا الأمر على إسرائيل ازدادت عبر نشر فيديوهات عن المخطوفين، ومواصلة عملياتها "الإرهابية" في الميدان. ولقد تحقق هذا الإنجاز بفضل توجُه الرئيس جو بايدن، الذي يرى في إنهاء معاناة سكان غزة وتحرير المخطوفين وتحسين فرص انتخابه مجدداً أهدافاً عليا، واعتقاده أن إخضاع "حماس" هو هدف من الصعب جداً تحقيقه. ولقد بذل بايدن جهداً كبيراً من أجل إقناع المواطنين الإسرائيليين بتأييد توجهه، مستنداً إلى افتراض أن قوة "حماس" تضررت كثيراً، وهي غير قادرة على استعادتها، بالإضافة إلى أنه ادعى أن خريطة الطريق يمكن أن تؤدي إلى التهدئة في الشمال، وتحسين مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وتعزز قدرتها على مواجهة التهديد الإيراني.
  • ومع ذلك، فليس هناك في إسرائيل من يؤمن حقاً في أن "حماس" الجديدة، الضعيفة، ستوقف سعيها لتحقيق هدفها الأعلى (تدمير إسرائيل)، وستتخلى عن التزامها تحقيق ذلك بواسطة "الإرهاب". إن الحكومة الإسرائيلية وأغلبية الجمهور الإسرائيلي مستعدتان للدفع قُدُماً بالمرحلة الأولى من صفقة المخطوفين، مع الأثمان الباهظة لتنفيذها، ومناقشة المرحلة الثانية والثالثة، لكن الكل يرفض مطالبة "حماس" والإدارة الأميركية بأن يكون شرط ذلك وقف الحرب والقبول باستمرار حُكْم "حماس".
  • إن إسرائيل رسمياً متمسكة بوعودها تحرير المخطوفين وتحقيق سائر الأهداف الأصلية للحرب، ومنها القضاء على "حماس" عسكرياً وحكومياً، والتأكد من أن غزة لن تشكّل قاعدة لـ "الإرهاب" في المستقبل. وإن مصطلح "وقف دائم للنار" يمكن أن يشكّل غموضاً بنّاءً، ويسمح للطرفين بالتقدم في تنفيذ الاتفاق، بينما يظل كل واحد منهما متمسكاً بتفسيره الخاص، وبتطابُق الصفقة مع أهدافه. ومع ذلك، فإن التشابه بين تفسير "حماس" وتفسير الإدارة الأميركية لهذا المصطلح يحد من قدرة إسرائيل على ادعاء أن المقصود ليس وقف الحرب.
  • وفي حالة كهذه، ما الذي يتعين على إسرائيل أن تفعله في ضوء التقاطع الظاهري للمصالح بين "حماس" والإدارة الأميركية، ومحاولة إجبار إسرائيل على وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها؟
  • في مرحلة أولى، وبينما لم تقبل "حماس" الاقتراح الشفهي، وتصر على الحصول على صيغة صريحة بشأن وقف الحرب وخروج الجيش الإسرائيلي من القطاع كله، وليس فقط من المناطق السكنية، فإنه من المهم زيادة المجهود القتالي، والتركيز على مهاجمة كبار مسؤولي "حماس"، وعلى رأسهم يحيى السنوار، واستكمال الهجوم على لواء رفح، والاستمرار في المساعي لإنقاذ مزيد من المخطوفين.
  • وفي المقابل، وعلى الرغم من كل التوترات السياسية، فمن المهم تعزيز الوحدة الضرورية في هذا الواقع المعقد الناشئ، فالتفكك المنتظر لحكومة الطوارئ يُضعف موقف إسرائيل في مواجهة الولايات المتحدة و"حماس".
  • ولقد أثبتت إسرائيل عبر اقتراحها استعدادها لدفع ثمن باهظ من أجل تحرير المخطوفين، وبسرعة، لأنه أمر مهم، في ضوء الحاجة إلى منع حدوث توتر لا حاجة إليه مع الإدارة الأميركية. وعلى إسرائيل استخدام ذلك كأداة في مواجهة الأميركيين والساحة الدولية بصورة عامة، لكن في الوقت عينه، يجب أن توضح أن هذا الأمر لا يعني أنها مستعدة للقبول بالمس بمصالحها الأمنية، وأنها تقبل بالدعابة التي أطلقها الرئيس الأميركي، والتي تقول إن المقترح هو إسرائيلي.
  • وإذا قبلت "حماس" بالمقترح وبدأ التفاوض على المرحلة الثانية، فستضطر إسرائيل إلى التمسك بمطالبها، سواء تلك التي تحظى بدعم أميركي، وفي طليعتها تحرير المخطوفين، أم تلك التي لا تحظى بهذا التأييد، كتجدد المعركة للقضاء على "حماس" في نهاية مرحلة وقف إطلاق نار طويلة، واستمرار السيطرة العملانية على الميدان، ومواصلة السيطرة على محور فيلادلفيا، وإمكان إقامة إدارة بديلة من "حماس" أو إدارة مدنية إسرائيلية لوقت محدود. يجب على إسرائيل أن تشرح للإدارة الأميركية أن أي تنازُل عن هذه النقاط معناه نجاح خطة معركة "حماس" التي كانت أساس هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وستكون لذلك عواقب خطِرة، ليس فقط على المواجهة مع "حماس"، وعلى المنظومة الفلسطينية، وفي مواجهة إيران والذين يدورون في فلكها في شتى أنحاء الشرق الأوسط، بل أيضاً على مكانة إسرائيل والولايات المتحدة في العالم، وعلى أمن الدول الغربية بصورة عامة.
  • ومن أجل التخفيف من مرارة المقترح وإقناع الإسرائيليين به، تجنّب بايدن ذكر حل الدولتَين، الذي لا يتوافق مع بقاء "حماس" في الحُكم في غزة، لكن هذا ليس كافياً، لأن من الواضح أن هذا هو هدفه. وعلاوة على ذلك، فقد كان على بايدن أن يقدّم موقفاً واضحاً وحازماً أكثر فيما يتعلق بالمواجهة مع إيران وطموحاتها الإقليمية في المجال النووي، وبزيادة توجه المحاكم الدولية والدول التي تحكمها أحزاب يسارية في تأييد الفلسطينيين والمس بشرعية إسرائيل. ولا يقف بايدن على رأس المعركة ضد هذه التهديدات، وعملياً يمنع تعبئة غربية أكثر التزاماً في مواجهة إيران، وهو بذلك يُضعف فرص إقناع الجمهور الإسرائيلي بتأييد اقتراحه.
  • إن المكان الذي تستطيع فيه إسرائيل تقديم موقفها من دون مشكلة مع البيت الأبيض هو الخطاب الذي سيلقيه رئيس الحكومة أمام الكونغرس، بعد دعوته من جانب الحزبَين في هذا التوقيت الحساس، وهذه فرصة لا تُفوَّت من أجل شُكْرِ الولايات المتحدة على دعمها إسرائيل، وللحديث عن الرؤية الإسرائيلية لمستقبل العلاقات مع الفلسطينيين والمنطقة من وجهة نظر نتنياهو، ومدى تعقيد السياسة الإسرائيلية، وعرض التهديدات التي تواجهها إسرائيل، ومنها السردية الفلسطينية الملتزمة بمحاربة الصهيونية والقضاء عليها، والتهديد الإيراني، ودحض الاتهامات التي لا أساس لها التي وراء التحركات ضد إسرائيل، والتي تؤثر أيضاً في الرئيس بايدن.

 

 

المزيد ضمن العدد