الادعاء الصهيوني الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية
تاريخ المقال
المصدر
- عقب أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، صار جزء كبير من الإسرائيليين، بل أيضاً ربما أغلبهم، يعارضون إقامة دولة فلسطينية، حتى لو كان ذلك في إطار صفقة شاملة، وهذه ردة فعل مفهومة بعد "الفظائع" التي ارتكبتها "حماس"، على الرغم من أن تأييد حل الدولتين قد أصابه تراجُع حتى قبل ذلك. وفي هذه الأثناء، تواصل الحكومة الإسرائيلية رفض إقامة الدولة الفلسطينية التي تعتبرها "هدية للفلسطينيين". حسناً، إن إقامة دولة فلسطينية هي أمر جيد للفلسطينيين، لكنها لا تقل أهمية بالنسبة إلى الإسرائيليين، على افتراض أنها ستقوم بصورة متدرجة، وفي ظل توفر معايير أمنية كافية، وهناك عدة أسباب للأمر.
- من الناحية الديموغرافية: وحدها الدولة الفلسطينية هي التي ستضمن المحافظة على إسرائيل بأغلبية يهودية وذات طابع ديمقراطي. ويوجد اليوم نحو 4.8 مليون فلسطيني في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب 2.1 مليون عربي آخرين من المواطنين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وقبالتهما هناك نحو 7.2 مليون يهودي. فإن لم نمنح الفلسطينيين الحقوق المدنية، فسنبقى دولة يهودية، لكن دولتنا ستتوقف عن كونها ديمقراطية في مرحلة ما، وإذا منحنا الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة حق التصويت، وواصل هؤلاء النمو الديموغرافي بوتيرة أسرع من وتيرة نمو اليهود، فسوف نفقد الأغلبية اليهودية في الكنيست في مرحلة ما، وفي كلتَي الحالتين، فإن الوضع القائم يمثل تقويضاً للسمة الأساسية لإسرائيل.
- العدالة: لا ينبغي لنا أن نحكم شعباً آخر لا نتشارك معه التاريخ أو الدين أو الثقافة. وكما نلنا الحق في تقرير المصير والكرامة الوطنية، فإن الفلسطينيين يستحقون ذلك أيضاً. صحيح أنهم يملكون قدراً من السيطرة على شؤونهم، لكن إسرائيل تواصل تشغيل مكون من مكونات السيطرة الكبرى على حياتهم، وصحيح أن الفلسطينيين، للأسف، لم يكونوا حكماء بما يكفي لاستغلال فرص إقامة دولة لهم في الماضي، لكن ربما تكون الأوضاع قد نضجت لذلك اليوم.
- تخصيص الموارد: إن طاقات إسرائيل، وجنودها، ومواردها المالية، محدودة، والصواب هو أن يتم تحويلها إلى الحاجات الكثيرة داخل حدود إسرائيل، وحماية حدودها، لا إلى فرض السيطرة على السكان الفلسطينيين، أو تطوير وحماية المستوطنات.
- مكانتنا الدولية: سيؤدي إنهاء الصراع مع الفلسطينيين إلى القضاء على أحد أهم عوامل مناهضة إسرائيل، وسيضمن استمرار الدعم الأمني، والاقتصادي، والسياسي الأميركي، وهو دعم ضروري لضمان استمرار وجودنا في ضوء التهديد الإيراني، وفي ضوء التهديدات بصورة عامة.
- عوائد السلام: ستتم مكافأة الموافقة الإسرائيلية على إقامة دولة فلسطينية بتطبيع مع السعودية، وأغلبية الدول العربية والإسلامية. وستكون للأمر عوائد اقتصادية، ونفسية، وأمنية هائلة بالنسبة إلى إسرائيل، وتشمل هذه العوائد أيضاً النشاطات المشتركة مع الفلسطينيين في مجال الهاي تيك. لقد أدركتُ خلال عملي في هذا المجال على مدار سنوات طويلة أن في إمكان الإسرائيليين والفلسطينيين العمل معاً، بصورة بنّاءة ومتناغمة، من أجل تحقيق أهداف مشتركة.
- تقليل عدد الضحايا: إن مقتل نحو 1600 إسرائيلي (أغلبهم من الشباب)، إلى جانب آلاف الجرحى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ناهيك بالضحايا الغزيين، هو تذكير لنا بوصية الحؤول دون قيام مزيد من الحروب.
- يطرح معارضو الدولة الفلسطينية حججاً قوية، يجب الرد عليها. أولاً؛ يجادل أحدهم في أن إنشاء دولة فلسطينية الآن يعني مكافأة لـ "إرهاب" "حماس"، لكن دولة بقيادة السلطة الفلسطينية، مع عدم سيطرة "حماس" على غزة، والتزام الجانب الفلسطيني (والإسرائيلي) بإنهاء الصراع هو عكس انتصار "حماس". لدينا، نحن الإسرائيليين، عادة مؤسفة؛ إذ إنه عندما يكون هناك هدوء، لا نرى سبباً لتقديم تنازلات، وعندما يندلع العنف، نجادل في أنه لا ينبغي الاستسلام لـ"الإرهاب". إذاً، فما هو الوقت المناسب لصنع السلام بالضبط؟ من الأفضل أن نركز على مصالحنا ونستكشف دائماً الفرص لمستقبل أفضل، والتي ربما لم تكن موجودة من قبل.
- يزعم البعض أيضاً أن هدف الفلسطينيين هو تدمير الدولة اليهودية، وأن إقامة دولة فلسطينية تعني صواريخ على مطار بن غوريون و"إرهابيين" في تل أبيب، ويقول هؤلاء أيضاً: "لقد انسحبنا من غزة، وحصلنا على ’حماس‘ و7 تشرين الأول/أكتوبر، فماذا لو سيطرت ’حماس‘ على الدولة الجديدة؟"، لكن إسرائيل ستوافق على دولة فلسطينية فقط في إطار اتفاق يقلل من هذه المخاطر، ويتضمن شروطاً تعزز - ولا تقلل – الأمن؛ إنشاء الدولة على مراحل على مدى عدة سنوات، مع سيطرة الجيش الإسرائيلي وحده أو بصورة مشتركة خلال الفترة الانتقالية. هذا بالإضافة إلى دولة جديدة منزوعة السلاح، بآلية مراقبة دولية فعالة. فضلاً عن إصلاحات في السلطة الفلسطينية، وانتخابات لا تشارك فيها سوى الفصائل التي تعترف بإسرائيل وتلتزم اتفاق السلام.
- لا يمكن إنكار حقيقة أن الدولة الفلسطينية تنطوي على مخاطر على إسرائيل، لكن هذا ينطبق أيضاً على الوضع الراهن، كما بات واضحاً لنا، مجدداً، في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ إذ لم تفلح سياسة إدارة الصراع في منع الانتفاضات و"الإرهاب" وهجمات الصواريخ. ومن شأن إنشاء دولة فلسطينية أن يقلل من الدافع إلى "الإرهاب"، والاحتلال الذي لا نهاية له لن يضمن السلام والأمن، إنما استمرار العزلة الدبلوماسية والعنف الأبدي. وبدائل "الدولة الواحدة" قد صارت أقل واقعية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر مما كانت عليه من قبل.
- وهناك من يجادل أيضاً في أن الأرض التي ستُقام عليها دولة فلسطينية وَعَدَنَا بها الرب، وأن آباءنا وأجدادنا مدفونون هناك. صحيح أن التخلي عن أجزاء كبيرة من الضفة الغربية سيكون مؤلماً حقاً، لكن لا توجد قيمة أهم في اليهودية من حياة الإنسان، ولا حتى أرض الميعاد، ونحن مأمورون، في اليهودية، بالسعي لتحقيق السلام.
- بالإضافة إلى ذلك، يجادل البعض في أن إقامة الدولة الفلسطينية غير ممكنة عملياً في ظل وجود نحو 450,000 مستوطن في الضفة الغربية (باستثناء أولئك الموجودين في القدس الشرقية)، ولن يكون من الممكن إخلاء المستوطنات، وفي أي حال، لن يصوت الإسرائيليون لحكومة تتنازل عن الأرض. ومع ذلك، فمن الممكن صوغ اتفاق سلام يتضمن تغييرات في الحدود بحيث يتم دمج معظم المستوطنين داخل حدود إسرائيل، وسيتم إخلاء باقي المستوطنات في مقابل تعويض، أو نقلهم من جانب الجيش والشرطة الإسرائيليَين، أو العيش تحت الحُكم الفلسطيني. وغني عن القول إن الشرط الضروري هو تغيير الحكومة؛ فالقيادة الجديدة الملتزمة بالسلام ستكون قادرة على التأثير في استعداد الجمهور لقبول التنازلات. تذكروا مناحيم بيغن في سيناء وأريئيل شارون في غزة.
- من الواضح أنه ستكون هناك حاجة إلى مفاوضات بشأن عدة قضايا ذات عيار ثقيل، منها: التغييرات الحدودية، ونزع السلاح، والمستوطنات، واللاجئون، والمرحلة الانتقالية، والترتيبات الأمنية، وإجراء تغييرات على السلطة الفلسطينية، والقدس. كما أن علينا أن نتأكد مما إذا كان الفلسطينيون أصلاً مستعدين للقيام بالتنازلات المطلوبة من أجل التوصل إلى معاهدة، وربما تفشل المفاوضات مجدداً، ونحن نأمل ألاّ يحدث ذلك، لكن إبداء الإسرائيليين استعدادهم للموافقة على تحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية سيساعد في تغيير السردية، ويضمن استمرار دعم الولايات المتحدة، ويساهم في تحسين مكانتنا الدولية، بل أيضاً ربما يؤدي إلى معاهدة سلام مع السعودية.