في ظل عدم وجود شرعية دولية وجيش منهك، فإن نشوب حرب واسعة النطاق في لبنان سيدفع إسرائيل إلى الهاوية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- مع بدء الشهر التاسع للحرب، من الصعب الحديث عن أخبار جيدة في الأفق، فسلسلة المحادثات التي جرت في الأسابيع الأخيرة مع مسؤولين رفيعي المستوى في المؤسسة الأمنية أظهرت مزيداً من المؤشرات التي تدل على أن إسرائيل في مواجهة إخفاق ذريع متعدد الأبعاد. فعلى المستوى الاستراتيجي؛ نحن عالقون في كل الجبهات، كما أن الجبهة الأكبر والأخطر بينها (في مواجهة حزب الله في لبنان) توشك أن تندلع منها حرب واسعة، إذا حدثت، فستلقي بظلها على كل ما حدث سابقاً. ويبدو أن الاتصالات بشأن صفقة المخطوفين مع "حماس" تواجه أزمة، بعد أن بدا للوهلة الأولى أن خطاب الرئيس الأميركي بايدن ربما سينجح في إخراج العجلة من الوحل. صحيح أن العمليات العسكرية في قطاع غزة تتمركز الآن في رفح وفي مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، وتُكَبِّدُ "حماس" ثمناً، لكنها لا تتقدم نحو الانتصار في الحرب في الأفق المنظور.
- وقد شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً في الشمال، ونشبت، يوم الاثنين، حرائق هائلة في كريات شمونة وفي الكيبوتسات المجاورة، جرّاء إطلاق حزب الله صلية من الصواريخ والمسيّرات من جنوب الحدود. وبعد يومَين، بادر الحزب إلى شن هجوم بالمسيّرات على قوة من الاحتياطيين كانت تنتشر في منطقة مفتوحة بالقرب من القرية الدرزية حرفيش، وهو ما أدى إلى مقتل جندي وجرح عشرة آخرين.
- وكما هو الأمر في الأفلام الأميركية القديمة، فإن إسرائيل وحزب الله يلعبان لعبة "مَن يستسلم أولاً؟" وربما الكليشيه القديم القائل إنه ليست لدى الطرفَين مصلحة في اندلاع حرب شاملة لا يزال صحيحاً، لكنهما يمكن أن يصلا إلى هناك نتيجة خطأ في الحسابات. وكما في غزة، كذلك على الحدود مع لبنان، لم تنجح إسرائيل في ترجمة الكم الكبير من الإنجازات التكتيكية إلى نصر استراتيجي. وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، اتخذ في بداية الحرب قراراً بالمشاركة في الجهد الحربي في الشمال، وجذب قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي إلى الشمال، وبهذه الطريقة، ساعد "حماس" في غزة، من دون الانجرار إلى مواجهة شاملة. وبعد انهيار وقف إطلاق النار الأول في كانون الأول/ديسمبر، أعلن عودة المواجهات، وأنه سيوقف النار فقط عندما تنتهي الحرب في غزة.
- ويكفي ما فعله حتى الآن؛ إذ قام بإبعاد 60,000 إسرائيلي عن منازلهم على طول الحدود، وتسبب باستمرار الخسائر في الشمال، وقام بإطلاق عشرات الصواريخ والمسيّرات يومياً، كي يزيد من إحباط الناس والضغط على الحكومة كي تتحرك. وهكذا، وُلدت الفكرة التي لا تزال قيد الدرس في القيادتَين الأمنية والسياسية، وهي زيادة الهجمات بصورة كبيرة على حزب الله على أمل دفعه إلى وقف النار، وتجنُب الحرب الشاملة.
- لكن المؤيدين لهذه الفكرة فشلوا في تفسير السبب الذي يدفعهم إلى اعتقاد أن حزب الله سيتراجع، وأن إسرائيل لا تزال قادرة على الاستمرار في مهاجمة الحزب من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب.
- ويريد بعض وزراء الليكود واليمين المتطرف الذهاب إلى أبعد من ذلك، وشن هجوم شامل على حزب الله. وفي الأسبوع الذي تحل فيه الذكرى 42 لحرب لبنان الأولى [1982] الفاشلة، يبدو أن هؤلاء الأشخاص لم يتعلموا شيئاً من التجربة الإسرائيلية الأولى لفرض نظام جديد في لبنان. وبالنسبة إلى البعض من هؤلاء، فإنه من الضروري قصف إيران الآن، والقضاء على التهديد النووي هناك، ومن الواضح جداً أنه ليست لديهم أي فكرة عن الوضع الحقيقي للجيش الإسرائيلي وقدراته.
- ربما تجد إسرائيل نفسها في حرب لا تحظى بشرعية دولية (تبددت بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر في ضوء الأحجام الهائلة للدمار والقتل التي تركناها في غزة)، ومن دون تأييد أميركي حازم، ومع جيش منهك ومتعب، يكافح من أجل المحافظة على بقائه، والحصول على إمدادات منتظمة بالسلاح وقطع الغيار.
- وهذا الأسبوع، زار وفد برئاسة مدير عام وزارة الدفاع اللواء في الاحتياط، إيال زامير، واشنطن للبحث مع البنتاغون ووزارة الخارجية الأزمة الناشئة جرّاء قرار بايدن قبل نحو شهر عرقلة شحنة 3500 قذيفة دقيقة لسلاح الجو. وتتحدث وزارة الدفاع عن إحراز تقدُم إيجابي، لكن المشكلة لم تحل بعد.
- قبل كل شيء، وعلى الرغم من التلميحات التي ينشرها المعلقون، يبدو أن الجمهور لا يستوعب الفارق بين صواريخ حزب الله وما تتسبب به، وصواريخ "حماس". وفي الأيام الأولى للحرب، قُتل 20 مواطناً إسرائيلياً بالصواريخ التي أُطلقت من القطاع، وهذه الكارثة غابت عن الوعي في ظل المشاهد غير المسبوقة "للمذبحة" في مستوطنات الغلاف ومعسكرات الجيش الإسرائيلي. لكن عدد الصواريخ التي أطلقتها "حماس" في اليوم الأول كان قرابة 5000 صاروخ، وحزب الله قادر على أن يفعل ذلك لمدة شهر أو أكثر، وبالعديد من الصواريخ الثقيلة والبعيدة المدى والدقيقة.
- من الممكن جداً أن من يتحدث عن عشرات الآلاف من الضحايا في الجبهة الداخلية في الحرب مع حزب الله يبالغ في تقديراته (كل شيء مرتبط بمدى انصياع المواطنين إلى توجيهات قيادة الجبهة الداخلية الدفاعية) لكن في جميع الأحوال، ستواجه مدن الشمال والوسط تهديداً لم تشهد مثله في الماضي من حيث الحجم والقوة. ونأمل أن يكون حزب الله أيضاً مدركاً للخطر الكبير، وحجم الضرر الذي سيلحق بالدولة اللبنانية وبناها التحتية والمدنيين، وأن يؤدي ذلك إلى ضبط سلوك قيادة الحزب. وبخلاف الانطباع الناشئ نتيجة التقارير الأخيرة، فإنه من الصعب القول إن القيادة الإسرائيلية تتوجه نحو القتال في الشمال، ومع ذلك ثمة خطر من أن يؤدي الاستعراض المبالَغ فيه لقدرات الجيش الإسرائيلي إلى نتيجة عكسية من تلك المنتظرة، وأن يُقرب الحرب الشاملة.