على الرغم من الأحداث في غزة، فإن الجبهة الأكثر إثارة للمخاوف هي الجبهة الشمالية
تاريخ المقال
المصدر
- إن الضغط الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي حالياً في غزة ليس عشوائياً؛ إذ تسعى إسرائيل بواسطته لتحقيق إنجاز مزدوج: الأول، هو استكمال تفكيك كتائب "حماس" وضرب قدرات الحركة وبناها التحتية بأكبر قوة ممكنة. والثاني، الدفع قدماً، عبر هذا الضغط، بمفاوضات الصفقة، وصولاً إلى تحرير عدد من المخطوفين الذين تحتجزهم "حماس".
- وبعكس تقرير غير صحيح نشرته صحيفة سعودية أمس، فإن الصفقة لا تزال مطروحة، ولم ترفض "حماس" المقترح الإسرائيلي حتى الآن كما زُعم، لكنها أيضاً لم توافق، كما أنها تدرك الثناء الذي حصلت عليه إسرائيل في العالم عبر المقترح الذي قدّمته، وتشعر بالضغط الدولي الذي يمارَس عليها للموافقة على المقترح (وخصوصاً من جانب مصر وقطر). ويمكن افتراض أن السنوار وشركاءه يتخوفون من أن يشكّل رفضهم ضوءاً أخضر لإسرائيل للاستمرار في ضرب غزة.
- لذلك، فإن التقدير في إسرائيل هو أن "حماس" سترد كعادتها: "نعم، لكن." وإذا فعلت ذلك، فستبدأ المفاوضات بين الأطراف (في الدوحة أو القاهرة)، إذ ستُطرح كل المسائل التي تتطلب قرارات صعبة: من وقف الحرب، وصولاً إلى قائمة الأسرى الذين سيُطلق سراحهم.
- أمس، قالت مصادر إسرائيلية مطلعة على تفاصيل المفاوضات إنه، بعكس كلام جزء من الوزراء، فإنه لا مجال لتحرير كل الأسرى في الصفقة، وأيضاً لا يمكن التوصل إلى صفقة مجاناً، أي من دون أن تدفع إسرائيل ثمناً بإطلاق سراح أسرى مهمين. وتضيف المصادر أن الحجة القائلة إن الضغط العسكري يدفع بفرص تحرير المخطوفين، وهي حجة موجودة في أساس العمليات الحالية، لم تتحقق حتى الآن، وفي الواقع، وبعد إعلان موت 4 مخطوفين في الأَسْرِ هذا الأسبوع، ازداد التخوف من أن العمليات بصورة خاصة تعرّض حياة المخطوفين للخطر.
- إن الضغط العسكري يدفع "حماس" إلى ادعاءات، جزء منها معروف؛ الادعاء التلقائي أن المبنى الذي هوجم في مخيم النصيرات للاجئين كان يسكنه مدنيون وليس "مخربون" كما ادعى الجيش الإسرائيلي، وقد طغى كما هو متوقع على الرأي العام العالمي، ووضع إسرائيل مرة أُخرى في موقع دفاعي. وفي الأشهر الأخيرة، يعمل الجيش الإسرائيلي وفق توجيهات عمل متشددة، لكن يبدو أنه في الساعات الحاسمة الحالية يتعين عليه أن يكون أشد حذراً من قبل، كي يتيح المجال لاستنفاد فرص الصفقة.
- لكن "حماس" أيضاً تحاول العمل بوسائل أُخرى؛ فمن جهة، هناك عودة إلى إطلاق الصواريخ على غلاف غزة، ومحاولة تسلل "مخربين" أمس للمرة الأولى إلى الأراضي الإسرائيلية. وقد جرت عملية التسلل من منطقة رفح كي تثبت أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة غير مجدية، كما لم تُستكمل فيها إقامة منطقة أمنية فاصلة في عمق كيلومتر داخل أراضي غزة، تكون خالية تماماً من المنازل والأشجار، ويُمنع دخول الفلسطينيين إليها. وقد نجح الجيش في القبض على الخلية، ودفع الثمن بمقتل أحد متتبعي الأثر، لكنه أثبت لسكان الغلاف الذين يتخوفون من العودة مجدداً إلى منزلهم أن أطواق الحماية التي اتُخذت حالياً ناجعة في منع عمليات التسلل.
- وإن تركيز الاهتمام على الجبهة الجنوبية يحوّل الاهتمام عن الجبهة الأكثر إثارة للقلق؛ لبنان، إذ أرسلت القيادتان، الأمنية والسياسية، تهديدات فحواها أن الاستعدادات للحرب قد استُكملت، لكن ثمة شك في أن تكون إسرائيل جاهزة لقرار كهذا، ليس فقط لأن أهداف الحرب التي وضعت في 8 تشرين الأول/أكتوبر لم تتغير، وبينها منْع توسع حلقة الحرب إلى الساحة الشمالية، بل أيضاً لأنه لم يتم حتى الآن التوصل إلى تأييد دولي، وخصوصاً أميركي، الذي هو شرط أساسي لحرب عنيفة ودموية كهذه، يمكن أن تحدث في لبنان.