ثمن غياب الحسم في غزة ندفعه أيضاً في الضفة الغربية
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • يشير تقرير الهجمات "الإرهابية" في الضفة الغربية لسنة 2023، الصادر عن مركز مئير عميت لشؤون الاستخبارات والإرهاب، إلى زيادة كبيرة في عدد الهجمات ونوعيتها، بالإضافة إلى ارتفاع في عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين مقارنة بالعام الفائت. وتمثلت أغلبية الهجمات في عمليات إطلاق نار نُفذت على الرغم من الحضور الواسع لقوات الجيش في الميدان، وعلى الرغم من العدد الكبير لمن تم اعتقالهم أو اغتيالهم، ومن العديد من جهود إحباط العمليات الكثيرة والناجحة.
  • وتعيش إسرائيل حربَ "إرهاب" في الضفة الغربية منذ آذار/مارس 2022. وبعد نحو 4 أشهر من الاحتواء والمراوحة، وفي الوقت الذي ترسخت فيه جنين كمركز رئيسي لـ"الإرهاب"، أطلق الجيش في 3/7/2022 حملة "بيت وحديقة"، ومنذ انطلاقها، اتسع نطاق القتال، إذ باتت قوات الجيش تدخل بوتيرة عالية مخيمات اللاجئين في كل من جنين، ونابلس، وأريحا، وطولكرم.
  • ومنذ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، قام الجيش الإسرائيلي بتوسيع نشاطاته في الضفة الغربية من أجل ضرب خلايا "حماس"، وإحباط الهجمات والتنظيمات "الإرهابية"، ومنع تحوُل الضفة الغربية إلى ميدان قتال واسع ونشيط جديد. إن الدعم العميق الذي يسود أواسط الشعب الفلسطيني لحركة "حماس" و"المجزرة" التي ارتكبتها، يشكّل بنية تحتية نفسية ومعنوية تشجع الهجمات أكثر، وهكذا، على سبيل المثال، فقد تحولت طولكرم مؤخراً إلى مركز بارز للهجمات، إلى جانب التنظيمات والخلايا المسلحة في المدينة ومخيم نور شمس، ويتضح أن عدد هجمات إطلاق النار من المدينة القريبة من جدار الفصل في اتجاه بلدات خط التماس الإسرائيلية القريبة من الجدار، على غرار "بات حيفر"، قد كَبُرَ.
  • ولا يقتصر الأمر على أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة غير قادرة أو راغبة في محاولة مواجهة الخلايا في المدن الواقعة تحت سيطرة السلطة، بل أيضاً إن أعضاء في هذه الأجهزة، في كثير من الأحيان، يشاركون في الهجمات. إن زيارة أبو مازن التاريخية لجنين، التي أطلق خلالها وعودَه باستعادة الحوكمة في المدينة، قد صارت عبرة وأضحوكة، وكانت تعبيراً إضافياً عن عجز السلطة الفلسطينية التي يستند بقاؤها عملياً إلى نشاطات الجيش الإسرائيلي في جميع مراكز "الإرهاب" في الضفة الغربية، وخصوصاً في المواقع الأكثر بروزاً، كجنين، التي زارها أبو مازن، وطولكرم.
  • وكان أحد أهداف يحيى السنوار التي دفعته إلى مهاجمة سكان المستوطنات المحيطة بغزة إثارة موجة ضخمة من شأنها أن تجر حزام النار الذي بنته إيران حول إسرائيل إلى عمل واسع النطاق. وقد شكل فلسطينيو الضفة الغربية جزءاً من هذا الحزام الناري، إذ تم، بجهود إيرانية متصلة، تهريب وسائل قتالية كثيرة عن طريق الحدود الأردنية بصورة خاصة، ولم ينجح السنوار في مسعاه؛ فالواقع في الشارع الفلسطيني المفتقر للطاقة لم يؤد حتى الآن إلى اندلاع انتفاضة شعبية بالسمات التي عرفناها سابقاً في الانتفاضتَين الأولى والثانية. وعلى الرغم من ذلك، فليس هناك خلاف بشأن ارتفاع مستوى حوافز المنظمات "الإرهابية"، ابتداء من كتائب شهداء الأقصى التابعة لـ "فتح"، وصولاً إلى حركتَي الجهاد الإسلامي و"حماس". وهذه المنظمات تحظى بتشجيع من إيران التي تواصل تحويل الأموال والوسائل القتالية، بينما قيادة "حماس" في قطاع غزة وخارجه (كتركيا) تواصل، بصورة شديدة النشاط، التركيز على إنشاء البنية "الإرهابية" وتوجيهها في جميع أرجاء الضفة الغربية.
  • إن استمرار القتال في غزة، وشعور الجمهور الفلسطيني بالإنجاز المتمثل في صمود "حماس" في وجه الجيش الإسرائيلي، يشجع العناصر "الإرهابية" في الضفة، وينبع هذا التشجيع أيضاً من الفجوة الناشئة بين إسرائيل من جهة، وحليفتها الولايات المتحدة ودول أُخرى في العالم من جهة أُخرى. وهكذا أيضاً، تستمر حرب الاستنزاف على الحدود الشمالية، في الوقت الذي يقوم فيه حزب الله بتوسيع نيرانه، ويُظهر التزامه مساعدة الفلسطينيين طالما الحرب في القطاع مستمرة. وكل تلك العناصر تشكّل تشجيعاً وتحفيزاً لكل الخلايا "الإرهابية" في الضفة الغربية. إن فكرة تعدُد الجبهات وتوحيدها، بصفتها ناظماً موجهاً لاستراتيجيا "حماس"، ربما تتشكّل أمامنا الآن، حينما تدرك هذه المنظمات "الإرهابية" في الضفة، بمساعدة وإسناد إيرانيَين، أن اللحظة أصبحت سانحة، وتعمل على استغلالها.
  • إن منسوب الهجمات وخطورتها، إلى جانب ضعف السلطة الفلسطينية، من شأنهما أن يؤديا إلى انقلاب الموازين لدى العاملين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وتأجيل العملية العسكرية، الذي يمس باستمرارية الجهد والضغط العسكري في قطاع غزة، بسبب الضغوط الأميركية على إسرائيل، إلى جانب استمرار النشاط في رفح خلال هذه الأيام، يؤثران بصورة مباشرة في زيادة حدة الهجمات "الإرهابية" في الضفة الغربية.
  • وفي ضوء ما تقدم، فإن هناك حاجة إلى إجراء تغييرات في سياسات عمل الجيش الإسرائيلي واستعداداته للتصعيد؛ فإلى جانب استمرار الجهد الاستخباري والعسكري من أجل الضرب المتواصل للخلايا "الإرهابية"، فإنه يجب تحسين الاستعداد لإمكان تنفيذ محاولات كبرى للقيام بعمليات في المستوطنات القريبة من الجدار، على غرار مستوطنات "بات حيفر"، و "كوخاف يائير"، وغيرها.
  • ولهذا الغرض، يجب اتخاذ العديد من الإجراءات؛ أولاً، تعزيز الاستعدادات الدفاعية داخل المستوطنات عبر زيادة عدد فرق التأهب العاملة فيها، واستعداد القوات العاملة للتصدي لنشاطات تحدث من دون إنذار. ويمكن إتمام الأمر بواسطة بناء تصوُر دفاعي في جميع المستوطنات الموجودة على خط التماس، وهذا التصور هو أمر يجب أن تدعمه الجهات الأمنية بواسطة الأيدي العاملة، والوسائل القتالية، والتدريبات. ثانياً، يجب النظر في إقامة منطقة عازلة أمنية شبيهة بتلك التي تُقام في قطاع غزة، وتهدف منطقة عازلة كهذه، ستقام قريباً من البلدات وشرقي جدار الفصل، إلى منْع اقتراب الجهات المعادية في اتجاه الجدار من الأماكن التي توجد فيها منازل فلسطينية قريبة من الجدار. ويجب العثور على الحل العملياتي والقانوني لإخلاء هذه المنازل من أجل إنشاء المنطقة العازلة المطلوبة.
  • إن إقامة المنطقة العازلة قبالة المستوطنات يجب ألاّ تتلخص في تجريف الأرض من النباتات وإخلائها من البشر وتسويرها؛ فإلى جانب كشط المنطقة المطلوبة، يجب الاستعداد بواسطة وسائل مراقبة وكشف مبكر، وتشغيل قوات من الجيش أو حرس الحدود، وإعادة تعريف أوامر إطلاق النار. هذا كله من شأنه أن ينشئ منظومة دفاعية محسنة، تشوش جهود الاقتحام والاستيلاء على البلدات اليهودية القريبة من الجدار، وتحسن أوضاع أمن السكان في تلك البلدات.
  • علينا أن نتذكر أن سيناريو مرعباً، على غرار سيناريو 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولو على نطاق أصغر، في المكان الحساس لإسرائيل المقابل للضفة الغربية، وفي منطقة مليئة بالبلدات العربية، من شأنه أن يوسع نطاق الاشتباك بسبب انضمام جهات متطرفة من "عرب إسرائيل" إلى القتال، وهذا ما يجعل إسرائيل قريبة جداً من الوقوع في فخ من شأنه تغيير واقع إسرائيل بأَسْرِه.
 

المزيد ضمن العدد