التصويت بشأن قانون الاستمرارية(1) خطوة أولى في إطلاق صفقات نتنياهو للتهرب من المسؤولية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • سرعان ما تلاشت تداعيات انسحاب رئيس المعسكر الرسمي الوزير بني غانتس من الحكومة، مع ظهور حدث سياسي جديد: التصويت ليلة الاثنين على "قانون الاستمرارية" الذي يهدف إلى قوننة الحيلة التي يمارسها نتنياهو بشأن تمرير قانون يتعلق بتجنيد الحريديم. المفارقة هي أن مشروع القانون هذا، الذي تم تمريره بالقراءة الأولى(2) خلال ولاية الحكومة السابقة، عارضه في ذلك الوقت كلٌّ من نتنياهو نفسه والأحزاب الدينية.
  • يكاد يكون من غير الضروري ذكر ذلك: لكن، بالنظر إلى خطورة ما يحدث، قد يكون من الواجب علينا التذكير به: هذا المشروع الذي يعتزم نتنياهو تمريره، لا يتلاءم مع حاجات الجيش بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إذ تتحمل فئة من المواطنين عبئاً لا يطاق، يتمثل في أشهر الخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية، وأحياناً، يعرّض هؤلاء حياتهم وأرزاقهم واستقرارهم الأسري للخطر، في حين أن المجتمع الحريدي معفى من هذا العبء. إن تطبيق "قانون الاستمرارية" على القانون القديم يمثل الخطوة الأولى والضرورية لبدء صفقة نتنياهو الهادفة إلى تجنّب القيام بخطوة جدية لوقف تهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية، وفي الوقت نفسه، يحافظ على شركائه الائتلافيين الأقرب.
  • في الأشهر الأخيرة، وفي ظل آلام الحرب والموت والحزن، تعالت أصوات قوية، على ما يبدو، في داخل حزبَي الليكود و"الصهيونية الدينية" ضد محاباة الحريديم، وضد تخليد الظلم المتمثل في عدم تقاسُم الأعباء في هذه المرحلة العصيبة. لقد صرّح كلٌّ من يولي إدلشتاين، وموشيه سعادة، وعميحاي شيكلي، ودان إيلوز، وتالي غوتليب، وأوفير سوفير (بيد أن هؤلاء ليسوا سوى غيض من فيض من أعضاء في الائتلاف عبّروا عن معارضتهم القانون البهلواني الذي قد ينجح، في أحسن الحالات، بتجنيد أقل عدد ممكن من الحريديم من أجل استمرار إرث التهرب من الخدمة العسكرية وقوننته). لقد تراجع هؤلاء عن موقفهم كما عودونا، أمّا وزير الدفاع يوآف غالانت، فقد صرّح بأنه لن يشارك في هذه الخطوة، ولذا، سيصوت ضدّها منذ البداية.
  • من الصعب القول إن غالانت فوجئ عندما اكتشف أنه تُرك وحيداً في اللحظة الحاسمة. وفي مرحلة ما، فكر نتنياهو في تحويل التصويت المتعلق بمشروع القانون هذا، ليصبح مقترحاً بشأن حجب الثقة عن الحكومة، فيحرج غالانت، الوزير فيها. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن الرجل لم يكلف نفسه عناء التحقق مما إذا كان أيٌّ من زملائه في الائتلاف سينضم إليه ويؤيد موقفه. وغالانت، مهما قلنا عنه، فإنه لُدغ من الجحر نفسه أكثر من مرة: ففي آذار/مارس 2023، أطلق أشخاص، مثل آفي ديختر ونير بركات تصريحات تتعلق بأهمية التشريع بالتراضي [مع المعارضة والجهاز القضائي] فيما يتعلق بالانقلاب على النظام، وبعد إقالة غالانت [وهي إقالة استمرت بضع ساعات، ثم تراجع نتنياهو عنها نتيجة الاحتجاجات التي انطلقت إلى الشوارع]، سارع هؤلاء إلى المطالبة بالجلوس على مقعده في وزارة الدفاع. وهكذا، من الصعب القول إن غالانت يفترض أن ما سيحدث في حزيران/يونيو 2024 سيكون مختلفاً كثيراً عمّا حدث في السابق.
  • كيف يبرر أبطال الليكود، الذين يدّعون الكفاح من أجل الجنود، قيامهم بالتصويت لمصلحة خطة نتنياهو والحريديم؟ لقد تضمّنت ورقة المضامين الليكودية [إحاطات تشمل نقاطاً رئيسية بشأن موقف سياسي ما، توزَّع داخل الليكود ليتبناها أعضاء الحزب والمقربون منه] التي أصدرها ديوان رئيس الوزراء، من دون أن تغفل استخدام مصطلحات، على غرار "القيم الأخلاقية الكبرى"، لترددها مجموعة من الببغاوات بالقول إن مشروع القانون "تقني فقط". وفي حالات أُخرى، تمت الإشارة إلى مشروع القانون بصفته "فرصة" لبدء الحديث عن قانون تجنيد الحريديم، كما أن هناك مَن أبدعوا في صفوف الليكود ليضيفوا نهاية مسلية لحديثهم: "سنخوض معركة تجنيد الحريديم الكبرى في وقت لاحق".
  • يقول مصدر في المؤسسة الأمنية: "المضحك هو أن يولي إدلشتاين يقول إنه سيزيد في فاعلية مشروع القانون لدى مناقشته داخل لجنة الشؤون الخارجية والأمن، وهو يقول أيضاً إن الأحزاب الحريدية ستقتل المشروع في تلك المناقشات"، ثم يلمّح المصدر الأمني إلى الخديعة الكبرى التي يقوم بها نتنياهو، بأسلوبه المميز: ضرب الأطراف ببعضها، ثم كنس المعضلة ووضعها تحت السجادة
  • منذ كانون الثاني/يناير 2023، عندما هاجم ياريف ليفين النظام القضائي، وأصدر "التعديل القضائي"[الذي يطلق عليه معارضو الحكومة اسم "الانقلاب القضائي"، والذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مدار العام الذي سبق معركة طوفان الأقصى]، بات هناك نوع من التوقع السخيف الذي يعلّق الآمال على قيام أحد أعضاء الكنيست الليكوديين بإنقاذ الأمة، ويقف ضد الائتلاف الحكومي المريع. وبعد كل هذا الوقت الطويل، والأحداث الشديدة الخطورة التي مرت منذ تأليف الحكومة الأسوأ في تاريخ إسرائيل، بات لزاماً علينا البدء بمحاولة الإقلاع عن مثل هذه الآمال.

لا طوق نجاة

  • لم يخلّف انسحاب بني غانتس من الحكومة أصداء هائلة لأن هذا القرار تم طبخه على نار هادئة على مدار أسابيع، أو حتى أشهر. يقول مصدر مطّلع في حزب المعسكر الرسمي: "ها هم الليكوديون يقومون فجأة برفع رايات الوحدة، بعد أن حرصوا طوال أشهر على بثّ الشعور بأنه غير مرغوب فينا في الحكومة". هذا التصريح جاء تعليقاً على نداءات أطلقها وزراء في الحكومة قبيل الانسحاب، هم الوزراء ذاتهم الذين بذلوا كل ما في وسعهم في بداية الحرب، من أجل تقليل احتمالات ضم حزب المعسكر الرسمي إلى الائتلاف الحكومي. أمّا الآن، فإن أعضاء حزب المعسكر الرسمي يعتزمون الانضمام إلى التظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحكومة. يعلم هؤلاء بأنه لن يكون مرغوباً في وجودهم في الشوارع، لكن علينا أن نتذكر أن الجمهور الذي يستهدفه الحزب هو غير أولئك المحتجين في الشوارع.
  • في غضون ذلك، يتبادل أعضاء الحكومة طرفة مفادها أن الشمس أشرقت صبيحة اليوم التالي لانسحاب غانتس، لكن كثيرين منهم باتوا يخافون من فقدان الحد الأدنى من الشرعية الشعبية (وهي شرعية كانت في أدنى مراتبها، أصلاً، لكنها ظلت تدور كيفما اتفق، تحت ظل دخان المعارك، وفي ظل اندماج غانتس وأيزنكوت في الحكومة، إلى أن وصلنا إلى هذه الحال). تدّعي مصادر في الليكود أن نتنياهو يحاول، من أجل تخفيف تأثير بن غفير وسموتريتش عليه، أن يغازل جدعون ساعر [الليكودي المنشق الذي أقام حزب "اليمين الرسمي"]، إذ يفيدون بأنه اقترح عليه شغل مقعد في مجلس الحرب. هذا المجلس "سيتفكك إذا لم ينضم ساعر إلى الحكومة"، بحسب تصريح أحد وزراء الليكود. ويضيف الوزير أن "ليبرمان بات متأكداً من أنه أصبح رئيس حكومة [بالاستناد إلى نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو ما يغنيه عن الانضمام إلى الحكومة الراهنة]، أمّا ناخبو لبيد فلن يسمحوا له بالانضمام إلى الائتلاف، وبني غانتس ترك الائتلاف أيضاً، لذلك، فإن الخيار الوحيد المتبقي أمام نتنياهو، لكي يكسب شرعية أوسع في صفوف الجمهور الإسرائيلي، هو استقطاب ساعر. فإن لم ينجح نتنياهو في مساعيه، سيبقى مع الحكومة 64 [مقعداً مؤيداً لحكومة نتنياهو] حتى الموت".
  • أمّا ساعر، فينفي وجود اتصالات بينه وبين نتنياهو، والحقيقة هي أنه على امتداد حرب الليكود [التي أدت إلى انشقاق ساعر]، جرى الادعاء في العديد من المناسبات أنه يُجري مفاوضات مع نتنياهو، وأنه في طريقه إلى الانضمام إلى الحكومة، مع أن الرجل كان أول مَن انسحب منها. وعلى الرغم من الأماني التي يمنّي الليكوديون أنفسهم بها، فمن الصعب جداً الاعتقاد أن أيّ عضو من أعضاء كتلة التغيير سابقاً، وبصورة خاصة الذين ينتمون إلى اليمين، ممن يسعون لتشكيل ائتلاف يثير قلق نتنياهو بشدة، سيقدم طوق نجاة لحكومة بن غفير، حكومة المتهربين من الخدمة العسكرية، حكومة الجناة، والزعران الصغار والضعفاء، الذين يحملون عار أسوأ كارثة حدثت في تاريخ إسرائيل.

___________

[1]  يشير مصطلح "قانون الاستمرارية" إلى آلية قانونية تسمح للحكومة بمواصلة العمل وإدارة شؤون الدولة حتى في حالات الأزمات أو الطوارئ، مثل الحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو وفاة رئيس الوزراء. في هذه الأيام، تصدّر مصطلح "قانون الاستمرارية" عناوين الصحف الإسرائيلية في معرض الحديث عن خيارات عمل الحكومة الإسرائيلية في ظل مخاطر ظهور أزمة ائتلافية، وهناك آراء مختلفة بشأن الحاجة إلى تطبيقه وكيفية القيام بذلك. [المترجم]

[2]  دستورياً، يجب أن تخضع القوانين والتشريعات المقترحة في الكنيست لثلاث قراءات يتم التصويت عليها، ويجري بعد القراءتين الأولى والثانية إدخال تعديلات إلى مقترح المشروع، ليأخذ صفة النفاذ بعد التصويت عليه بالأغلبية، أخيراً، في القراءة الثالثة. [المترجم]