حزب الله لن يرتدع بهذه الطريقة؛ لذا، يجب أن يدرك لبنان بأسره أثمان الحرب
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • في هذه الحرب التي نخوضها في قطاع غزة الآن، وتلك الحرب التي نخطط لشنّها على لبنان، هناك تجاهُل شديد الإشكالية لأهم القضايا: تغيُّر طبيعة الحرب. لم تعد الحرب حرباً بين دولتين، بل لم تعد حرباً بين دول ومنظمات"إرهابية كلاسيكية"، مكونة من بضعة مقاتلين يحملون بنادق الكلاشينكوف.
  • إن كلاً من "حماس"، وحزب الله، والحوثيين، لديه جيوش كبيرة تتمتع بموارد تبلغ مليارات الدولارات، تغدقها إيران. لقد تمكنت هذه الجيوش، على مدار العقد الماضي، من سدّ الهوة الرئيسية التي تفصلها عن الجيوش الغربية، بواسطة الأسلحة الدقيقة. هذه الجيوش لديها قدرة عالية على الصمود، وهذا يعود أساساً إلى استخدامها الأنفاق، ومرونتها القصوى المتمثلة في استقلالية الخلايا الصغيرة. هذه الجيوش الكبرى قادرة على التخفي تماماً في أوساط السكان المدنيين، وعملياً، لا يمكن ضربها من دون التسبب بمقتل عدد كبير من المدنيين. علاوةً على ذلك كله، فإن مصادر تجنيد الأيدي العاملة في هذه الجيوش غير محدودة، فكلٌّ من "حماس"، وحزب الله، والحوثيين، والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق، قادر اليوم على توفير رواتب مغرية لا يمكن لأيّ جهة أُخرى أن تقدمها في بلدها.
  • لهذه الأسباب كلها، ولأن هذه الجيوش غير خاضعة لقواعد القتال، فإنه لا يمكن هزيمتها، أو لنقُل أنه لا يمكن هزيمتها بسرعة، وبأثمان منخفضة. إن نقطة الضعف الوحيدة لهذه الجيوش تتمثل في كونها دولة، عملياً، تتهرب من مسؤوليتها السياسية، لكن يمكن فرض مثل هذه المسؤوليات عليها. لقد تحولت غزة، عملياً، إلى دولة في سنة 2005، في حين أن لبنان دولة يتحكم فيها حزب الله منذ سنة 2000.
  • تتمثل خطيئتنا الكبرى والوحيدة في حرب غزة أننا وضعنا كل ثقلنا على الضغط العسكري. لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها هزيمة دولة غزة، كان يجب أن تستند إلى السيطرة على محور فيلادلفيا منذ البداية، وبعد ذلك، فرض حصار تام. إن الادعاءات التي تقول إن الأمر يتعارض مع قوانين الحرب، هي ادعاءات سخيفة، لكن الوقت الآن لا يتيح لي فرصة  التوسع في الحديث عمّا كان يجب عمله قبل ثمانية أشهر.

ضدّ مَن نحارب في لبنان؟

  • الآن، من المهم أن نقوم بالأمر الصحيح في هذه اللحظات على الجبهة اللبنانية. فحالة إسرائيل تشبه حالة ضفدعة أدخلوها إلى مياه فاترة، وقاموا برفع درجة الحرارة في كل ساعة درجة واحدة. تواصل الضفدعة التمتع بالماء، من دون أن تشعر بأنه يتم طبخها، رويداً رويداً. إن أحداث عيد "شفوعوت" (في نهاية الأسبوع الماضي) وما حدث خلال اليوم الماضي يؤكدان مثل هذه الحقيقة.
  • لقد بتنا قريبين من اندلاع حرب شاملة في الشمال. وسؤالنا المركزي هنا، والذي لا يطرحه أحد، لسبب ما، هو: ضد مَن سنقاتل؟ الإجابة التلقائية هي "ضد حزب الله". لكن تلك الإجابة ستمثل خطأً استراتيجياً خطِراً. لا يمكن لإسرائيل أن تهزم حزب الله في وقت معقول في مقابل ثمن معقول. ولذا، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق النصر هي الحرب ضد دولة لبنان بأسرها. إن حزب الله، حاله كحال "حماس"، لا يردعه مقتل مقاتليه، أو ضرب منصات صواريخه. فهو قادر على تعويض هذه الخسائر بسرعة. من ناحية أُخرى، يخشى نصر الله بشدة من حرب تؤدي إلى تدمير دولة لبنان، التي بنى فيها مكانته بصفته وطنياً لبنانياً، وكرئيس حزب لا يهتم بالطائفة الشيعية فحسب، بل بمواطني لبنان ككل. إذا تم ضرب شبكات الطاقة والمواصلات والاتصالات في لبنان، وإذا أصبح وسط بيروت شبيهاً بوسط غزة، عندها سيدرك نصر الله أنه من الأفضل له إنهاء الحرب. من ناحية عسكرية، إن مثل هذه الأهداف سهل التحقّق، ولا يتطلب اجتياحاً برياً معقداً ومخاطرة كبيرة بحياة جنودنا.
  • كان يجب تقديم هذا التفسير العسكري البسيط للأميركيين منذ زمن. وسبب عدم القيام بالأمر، حتى الآن، يتمثل في الغطرسة الإسرائيلية. عندما نقول إننا نملك القدرة على تركيع حزب الله، فسيكون من السهل على الأميركيين (والفرنسيين أيضاً) أن يقولوا لنا أنه إذا تورطنا في حرب شاملة في الشمال، علينا أن نلتزم العمل فقط ضد أهداف حزب الله العسكرية، وعلينا عدم التجرؤ على ضرب دولة لبنان.
  • لا يجب أن يكون تدمير البنى التحتية في لبنان "أضراراً جانبية"، بل نتيجة ضربات إسرائيلية مقصودة ضد دولة معادية، شنّت الحرب ضد إسرائيل، عملياً، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
  • بعد أن يتم تحقيق هذا الهدف، وعندما يهدأ الوضع الأمني، سيكون من اللائق محاولة إقناع العالم الحر بأن الهدوء والأمن في الشرق الأوسط خصوصاً، وفي العالم عموماً، لا يمكنهما أن يسودا في ظل وجود "وحوش" على هيئة الميليشيات المختلفة المؤيدة لإيران، والتي تمكنت من مراكمة قدرات دولة قوية، لكنها غير خاضعة لأيّ أعراف دولية. بالإضافة إلى ذلك، يثبت الحوثيون في اليمن، من خلال الطريقة التي يُربكون  فيها التجارة البحرية، أن المشكلة لم تعد مشكلة إسرائيلية فقط.