من دون صفقة، الضربات في غزة ستستمر بلا هدف- والشمال يمكن أن يتدهور إلى حرب شاملة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد أسبوعين تقريباً من المماطلة، وصل يوم أمس الثلاثاء ردّ "حماس" على المقترح الإسرائيلي- الأميركي لصفقة التبادل. وبشكل غير مفاجئ، لا تزال "حماس" تطالب بوقف الحرب بشكل كامل في قطاع غزة، وبضمانات خارجية بأن إسرائيل ستلتزم ذلك- ويبدو أنها لن تحصل على هذا المطلب. الرد من غزة يعرقل التوصل إلى صفقة في الوقت الذي تشهد الجبهة اللبنانية تصعيداً إضافياً، بعد أن قامت إسرائيل باغتيال مسؤول كبير في حزب الله. رداً على ذلك، قام التنظيم الشيعي بقصف الجليل وبحيرة طبرية بكثافة.
- على مدار الأيام الأخيرة، قام المسؤولون الأميركيون، وبينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بتسريب أخبار متفائلة بشأن الصفقة في غزة. لقد أثنوا على الليونة التي أبدتها إسرائيل في مقترحها الأخير الذي عرضه الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه يوم 31 أيار/مايو، والذي يحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، منذ ذلك الوقت، التهرب من عدد من الصيغ الموجودة فيه؛ وحمّلوا "حماس" المسؤولية عن كل ما يخص استمرار الدفع بالصفقة،على أمل الحصول على ردها.
- بعدها أتى الجواب الذي جرّ وراءه الخلافات المعروفة. إسرائيل سارعت إلى الإعلان أن "حماس" ردت رداً سلبياً على خطاب بايدن. أمّا "حماس" فادّعت في ردها أن: ردنا كان إيجابياً، المشكلة هي في الرد الإسرائيلي. وبحسب "حماس"، فإن الحركة لم ترفض الاقتراح، إنما طالبت بتوضيحات. ويبدو أننا في داخل دوامة من الوقت تكرر نفسها كل بضعة أشهر. بلينكن الذي ذهب إلى قطر، بعد زيارته لإسرائيل، يميل إلى الموقف الإسرائيلي. وقال اليوم إن "حماس"، بدلاً من أن تقول كلمة واحدة، وهي نعم، انتظرت وقتاً طويلاً، ثم طالبت بتغييرات كبيرة. لذلك، يُطرح السؤال عمّا إذا كانت الحركة صادقة، بحسب ما قاله وزير الخارجية بلباقة كبيرة، على الرغم من الظروف.
- جوهر الخلافات ذاته كما جرى في الجولات السابقة، يتعلق بطلب قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار، بأن يكون تحرير الرهائن على مرحلتين، ويؤدي إلى إنهاء الحرب، وفي الأساس، إلى بقاء حُكمه في القطاع. ولا يبدو أن نتنياهو سيستجيب له، ولذلك، ستستمر الحرب. وفي هذا الوقت، ستستمر "حماس" في التمسك بمطالبها والانسحاب والضمانات. وفي ظل التصريحات الإسرائيلية الكثيرة بأن الاتفاق لن يصمد وقتاً طويلاً، فمن غير المستهجن ألّا تكون "حماس" مستعدة لقبول صيغ أميركية ضبابية.
- في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم أمس، تم شرح خلفية موقف السنوار. مراسلو الصحيفة الذين أشاروا إلى أنهم راجعوا عشرات الرسائل بين السنوار وقيادة "حماس" في الخارج (لم يشيروا إلى كيفية وصول هذه المراسلات إليهم)، يصفون رضى قائد الحركة في قطاع غزة عن وضع الحرب. ويقول السنوار في رسالة إلى الوفد المفاوض من "حماس": "دفعنا الإسرائيليين بالضبط إلى المكان الذي أردنا أن يكونوا فيه". وبحسب الصحيفة، فإن السنوار في المراسلات التي يرسلها من الأنفاق يُظهر "برودة ولا مبالاة بشأن حياة الإنسان" في الجانب الغزي أيضاً.
- ويقارن ما بين مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في الحرب (بحسب معطيات "حماس") وبين القتلى في حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا في خمسينيات القرن الماضي، ويصف ذلك بالقول إنه "تضحية مطلوبة". وفي نظره، إن بقاءه في قيد الحياة وبقاء حُكمه في نهاية الحرب، هما بمثابة نصر على إسرائيل. من جهة، إن نجاحات "حماس" تفوق كل أحلام السنوار- الدعم الذي تحصل عليه الحركة من اليسار والطلاب في الغرب في الوقت الذي تتعرض إسرائيل للهجوم بسبب الدمار والقتل اللذين تسببت بهما في غزة، يبدو أن الأمور تسير بحسب الخطة، في رأيه.
- وبسبب ردّ "حماس"، تشعر إدارة بايدن بالحرج. إحدى أدوات الضغط الأخرى هي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي صوّت يوم الإثنين على مسودة قرار يدعم الاقتراح الذي قدّمه الرئيس بايدن. ومن هنا، يمكن المضيّ قدماً نحو فرض الاتفاق على الطرفين من خلال فرض عقوبات - لكن العقوبات تؤثر أساساً في إسرائيل. إسرائيل أيضاً أمام معضلة: في الأسابيع المقبلة، تُستنفد العملية العسكرية في رفح. يبدو أن الولايات المتحدة لا تزال تعارض الاحتلال الكامل للمدينة، وحتى الآن، يستجيب نتنياهو لمطالبها. السؤال هو ماذا ستفعل إسرائيل بعد أن ينهي الجيش عمليته البرية المكثفة في مناطق القطاع كله تقريباً، من دون أن يحسم المعركة ضد "حماس"، وأيضاً لا يبدو أن هناك صفقة في الأفق.
- عدم وجود صفقة، وفي الوقت نفسه، استمرار وعود نتنياهو الفارغة بالنصر المطلق، سيضغطان على الجيش للاستمرار في قصف غزة من دون هدف استراتيجي في الأفق. هذا الوضع سيعرّض حياة الرهائن في غزة للخطر- لا يوجد احتمال حقيقي لإنقاذهم جميعاً، مثلما حدث في عملية الإنقاذ المذهلة لأربع رهائن في النصيرات يوم السبت الماضي. ولذلك، يبدو أيضاً أن القتال في الشمال سيستمر، لأن أمين عام حزب الله حسن نصرالله صرّح بأنه لن يوقف إطلاق النار إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق في القطاع.
على شفا كسر القواعد
- حالياً، الوضع في الشمال يتدهور أيضاً. يوم أمس، اغتالت إسرائيل طالب عبدالله، قائد وحدة "النصر"، الذي قُتل مع ثلاثة مقاتلين من الحزب في بلدة جويا، شرقي مدينة صور. عبدالله الذي يوازي منصبه منصب قائد فرقة في الجيش، هو القتيل ذو الرتبة الأعلى في الحزب في الحرب، إلى جانب قائد وحدة "الرضوان" وسام الطويل الذي قُتل في عملية مشابهة تُنسب إلى الجيش في يناير/ كانون الثاني الماضي.
- حزب الله ردّ بإطلاق نار كثيف جداً، وأطلق أكثر من 200 قذيفة منذ ساعات الصباح على الجليل الغربي وطبرية. لم يُبلّغ بشأن وقوع مصابين، وهددت وسائل إعلام مقربة من حزب الله بأن للأمر تتمة. إنه تطرُّف في أسلوب "معادلات الرد" التي يتبناها حزب الله منذ سنوات، لكن لا يبدو أنه يوجد كسر لقواعد اللعبة كلياً من طرف الحزب. ومن المحتمل أنه يريد استهداف مسؤول إسرائيلي كبير بعملية انتقامية.
- استراتيجية إسرائيل في مواجهة حزب الله عالقة منذ وقت طويل، إذ يوجد كثير من الإنجازات التكتيكية المتراكمة التي لا ترقى إلى مستوى تفوّق حقيقي في القتال. اغتيال عبد الله يعكس طريقة عمل معروفة: يكون هناك فرصة عملياتية واستخباراتية، ويتم اتخاذ القرار بشأن الاغتيال من دون البحث في الأبعاد الاستراتيجية. في مطلع نيسان/أبريل، اغتالت إسرائيل الجنرال الإيراني حسن مهدوي في دمشق، وهو ما دفعها إلى مواجهة غير مسبوقة مع إيران، إذ تم إطلاق نحو 330 صاروخاً ومسيّرة من إيران وشركائها. هذه المرة، إيران ليست في الصورة، لكن يمكن أن يحدث تصعيد إضافي في مقابل حزب الله.
- من المهم معرفة ما إذا كان هناك مسار تفكير استراتيجي قبل القرار، وأن ما يجري ليس حالة تهوّر مرة أُخرى. الجيش محبط ويتلقى كثيراً من الانتقادات، ثم يتخذ خطوة ناجحة عملياتياً، لكنها يمكن أن تقرّبنا من الحرب، ويبدو أنها جرت من دون بحث عميق في نتائجها من طرف المستوى السياسي. وفي الوقت نفسه، هناك ضغط جماهيري وإعلامي على الحكومة لتجعل خطواتها أكثر تطرفاً في الشمال بسبب الدمار الكبير هناك، وعدم وجود حلّ لأزمة نحو 60 ألفاً من النازحين من منازلهم، واستمرار القتال من دون نتيجة في الأفق. هذه الظروف يمكن أن تدفع الأطراف إلى الانجرار إلى حرب شاملة.
صورة النصر
- لا يمكن عدم الإشارة في النهاية إلى الفجوة التي لا تُحتمل بين الوضع المعقد للحرب والعبء الكبير والخطِر الملقى على أكتاف الجنود النظاميين والاحتياط، وبين تصرّف أعضاء الائتلاف. فجر يوم أمس، صادق الكنيست بأغلبية 63 نائباً ضد 57 نائباً، على الدفع بمشروع قانون يهدف إلى السماح باستمرار تهرُّب الحريديم من الخدمة العسكرية. ومن بين جميع أعضاء الائتلاف كان يوآف غالانت الوحيد الذي حكّم ضميره، وتجرأ على التصويت ضد المشروع، بعكس موقف "الليكود" والحكومة.
- ابتسامة نتنياهو في نهاية فوزه بالتصويت ستُحفظ كإحدى أهم صور الحرب. الغضب الجماهيري وفي شبكات التواصل الاجتماعي كبير جداً. ما لا يحدث حالياً هو ترجمة هذا الغضب إلى احتجاجات فعالة، أو خطوات سياسية يمكنها تحقيق أيّ شيء. ومستقبلاً، إن خطوات الحكومة ستضرّ بالجهود الحربية. كثيرون من المواطنين والجنود لن يستطيعوا تجاهُل سلوك الحكومة، وهم يعلمون بأنها تكذب عليهم وتخدعهم، وتتخذ خطوات تخدم مصالح جمهور لا يشارك في تحمُّل العبء الأمني.