إسرائيل لا تملك رداً على انتقال حزب الله إلى استخدام الأسلوب الروسي في الشمال
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- شهدنا في الأسابيع الأخيرة هجوماً مكثفاً بالمسيّرات في الشمال، الأمر الذي أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالأملاك والأرواح، وإلى حرائق ضخمة. أحد أسباب نجاح حزب الله في مهاجمة إسرائيل هو عدم استخلاص المؤسسة الأمنية الدروس المطلوبة من حرب روسيا - أوكرانيا. منذ عامين، تتعرض منظومات الرقابة والتحكم والرادارات وبطاريات الدفاع الجوي في أوكرانيا لهجوم لا يتوقف.
- الروس يتعلمون باستمرار من ردّ المنظومة الدفاعية الأميركية ونقاط ضعفها، ويزيدون، بالتدريج، في نسبة ضرباتهم لأهداف اختاروا مهاجمتها. يتضح أن حزب الله ينتهج أسلوب عمل مشابه في مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية. بناءً على ذلك، يجب أن تكون الخلاصة الإسرائيلية أن روسيا وإيران وحزب الله يشاركون فيما بينهم التكنولوجيا المتقدمة والمعلومات التكتيكية التي راكموها، وخصوصاً من الحرب في أوكرانيا، وهم يطبّقون دروس القتال هناك في ساحاتهم.
- يقوم الروس في العامين الأخيرين بشنّ هجمات على أوكرانيا بواسطة أعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية من أنواع مختلفة، وصواريخ أرض - أرض دقيقة، بينها صواريخ "هايفر" الصينية وصواريخ بحر
- - أرض تطلَق من منطقة البحر الأسود، وصواريخ جو - أرض، وقنابل ذكية تُطلقها طائرات حربية وقاذفات روسية. ويبدو من مخزون العتاد العسكري أن نسبة النجاح الكبيرة في القتال في أوكرانيا تعود إلى المسيّرات التي تملك قدرة عالية على المناورة، ولا يمكن للرادارات كشفها، ويحدَّد مسار تحليقها مسبقاً لدى إطلاقها.
- يجري تشغيل هذه المسيّرات بالاستناد إلى معلومات استخباراتية دقيقة عن تضاريس المنطقة، وعن النقاط العمياء في منظومة الدفاع الجوي الأوكراني، التي تجري مراقبتها باستمرار بواسطة أقمار التجسس ووسائل الدفاع الجوي المختلفة. لقد حوّل الروس قنابل الطائرات العادية إلى قنابل ذكية موجهة من خلال ربطها بنظام GPS، الذي يجعل من الممكن إطلاقها من مسافة عشرات الكيلومترات نحو الأهداف، من دون تعريض الطائرات التي تحمل هذه القنابل للخطر. والمقصود عملية إنتاج رخيصة الثمن، نسبياً، تتسبب بضرر كبير في أوكرانيا، ولا تكلف الجيش الروسي كثيراً.
- ... واستناداً إلى الاستراتيجيا الروسية، فإن عمليات الهجوم في العمق تجري من خلال هجوم تشارك فيه مئات المسيّرات، وفي مقابل إطلاق أنواع مختلفة من الصواريخ. ويفترض الجيش الروسي مسبقاً سقوط 90% من المسيّرات التقليدية الرخيصة الإنتاج، لكنهم يرسلون 50% من المسيّرات "الذكية" التي تحلّق وفق خطة طيران جرى إعدادها مسبقاً، بينما تكون منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية مشغولة بصورة أساسية بمواجهة المسيّرات "الغبية". وفي الواقع، إن الجزء الأكبر من المسيّرات التي تُطلَق لا يكون هدفها الهجوم والتدمير، بل إفساح المجال للصواريخ والمسيّرات "الذكية" التي تُطلَق في الوقت عينه، وتتمكن من التسلل ومهاجمة الهدف. أساس استخدام المسيّرات في القتال الجبهوي هو الهجوم وتدمير قوات مدرعة تتحرك في الميدان. يبدو أن حزب الله انتقل إلى استخدام التكتيك الروسي في أوكرانيا، ومن الواضح أن إسرائيل، حتى الآن، ليس لديها الرد الجيد على مثل هذا النوع من القتال.
- لذا، يتعين على إسرائيل شراء وتشغيل آلاف المدافع الحديثة المضادة للطائرات (ليس بالضرورة أن تكون متعددة الفوهات وموجهة بالرادارات)، المجهزة برؤية ليلية متطورة، وبكثير من الذخيرة التي يمكن إطلاقها طوال ساعات. ويجب نشر بطاريات دفاع جوي على طول الحدود مع لبنان، مع كثير من المدافع المضادة للجو، تكون موزعة على مناطق تفصل بينها مئات الأمتار المربعة، بحيث لا تعطل إصابة مدفع واحد تغطية المضادات الجوية في تلك المنطقة.
- ... يجب استخلاص الدروس من الحرب في أوكرانيا وتطبيقها على الساحة الشمالية: من المؤكد أن مسيّرات حزب الله وصواريخه ستتوجه في وقت قريب إلى مهاجمة الجبهة الداخلية، بينما يتقدم الجيش في داخل لبنان. لذلك، يجب الانتقال إلى منظومة تحكُّم برية متحركة، تشمل رادارات مراقبة جوية منتشرة على نقاط مراقبة صغيرة وكثيرة متصلة فيما بينها، لكن لديها قدرة مستقلة على العمل في الميدان.
- ثمة شك في أن الانتقال إلى استخدام الطائرات الحربية سيكون أكثر نجاعةً، لأنه سيكون من السهل مهاجمتها. لقد كان هذا من الأسباب التي جعلت طائرات الإطفاء غير قادرة على العمل بحُرية في إطفاء الحرائق التي اندلعت على الحدود الشمالية قبل أسبوعين.
- يجب تحصين المواقع العسكرية بصورة مكثفة، بما في ذلك مهاجع الجنود والمطابخ، وحتى الحمامات، التي تحولت إلى هدف مفضل لحزب الله، وهي أهداف شرعية واستراتيجية، بالنسبة إليه. ويجب تحصين الدبابات بصورة مكثفة ضد الهجوم بالصواريخ والمسيّرات من كل النواحي. ومنظومة "بساط الريح" ليست كافية.
- يجب الإعداد لهجوم مستقبلي ضد حزب الله يقوم به سلاح المشاة، من خلال التقدم بمجموعات صغيرة من المقاتلين، وبمساعدة كثيفة، بقدر الممكن، من سلاح المدفعية، ومن الحوامات الصغيرة التي تنقل صورة جبهة القتال في الميدان.
- الهجوم بالدبابات ضد حزب الله، مستقبلاً، من دون اختراق للجبهة بواسطة سلاح المشاة وتنظيف المنطقة، على الأقل، على عُمق خمسة كيلومترات بواسطة المدفعية وسلاح الجو، سيكون مدمراً للقوة المهاجمة.
- يجب ألّا ننسى أن الهجوم الإيراني ضد إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات، في نيسان/أبريل، كان مطابقاً للعقيدة الروسية. لذلك، يمكن التقدير أنه من وجهة النظر الإيرانية، كان هجوماً ناجحاً، كونه الهجوم الأول الذي دخل حيز التنفيذ. يتعين على المؤسسة الأمنية أن تسأل نفسها، كيف سيكون الهجوم الإيراني الثاني والثالث؟ ومن المحتمل ألّا يكون لدى إسرائيل ردّ على الهجمات المتكررة على مطارات سلاح الجو، وعلى مراكزه للمراقبة.
- هجوم إسرائيلي على بيروت يعني هجوماً من حزب الله على مدن كبرى في إسرائيل، وضمن هذا السياق، يمكن الافتراض أن الهجوم بالمسيّرات الإيرانية ضدنا كان فقط لكشف منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي. كما يمكن التقدير والاستعداد لأن الهجمات الإيرانية المقبلة، إذا حدثت، فستكون بأساليب هجوم مختلفة، ولديها أهداف متعددة في إسرائيل.
- لهذا، يجب إعداد الجمهور الإسرائيلي لمواجهة حرب من هذا النوع، وهذه الحرب ستكون طويلة لأنه من الصعب تحقيق حسم عسكري سريع في ظل هذه الظروف. الحرب في الشمال تتطلب منا طول نفَس، ووحدة، وحصانة قومية كبيرة، وإدراكاً عاماً أن مثل هذه الحرب سيضرب الجبهة المدنية الإسرائيلية بقوة. ويتعين على المؤسسة الأمنية استنتاج الخلاصات المطلوبة من الحرب في أوكرانيا وتطبيقها فوراً، قبل توسُّع الحرب في الشمال.