أمل سياسي أخير
تاريخ المقال
المصدر
- الوضع العنيف مستمر في قطاع غزة، وتتدهور القدرة على توفير المساعدات الإنسانية وتوزيع الغذاء. تُدار غزة كما أديرت الصومال في أفضل الحالات. وقد نهب الناس معظم المساعدات الإنسانية، باستثناء ما قامت حركة “حماس” بالسيطرة عليه وتحويله إليها. هناك قطاعات كبيرة من السكان تعاني جرّاء نقص في الخدمات الأساسية، والأمم المتحدة نفسها تلقي بمسؤولية الفوضى المتزايدة بين سكان القطاع، البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة، على كاهل إسرائيل لأنها القوة المحتلة.
- لا يوجد شيء مجاني في هذه الحياة. إن وهم نتنياهو بشأن إمكان السيطرة على الوضع المتدهور، من دون اتخاذ قرارات حاسمة، هو وهم سخيف. كما أن اعتقاده أن الوضع في غزة بهذه الصورة، لن يرتد عليه سلباً، وعلى رؤوس كبار ضباط الجيش، بدعاوى إضافية في محكمة لاهاي، بما يشمل الدخول إلى جميع القوائم السوداء الخاصة بالأمم المتحدة، وما يرافق ذلك من عقوبات، واستنكارات دولية، وقطع للعلاقات، وتسريع لدعم إقامة دولة فلسطينية، هو اعتقاد لا يستند إلى الواقع. وكل هذا بدأ يحدث فعلاً، وهذه العملية ستستمر في التسارع.
- يواصل الجيش الإسرائيلي العمل بالطريقة نفسها في غزة، بسبب "شطحات" بن غفير وسموتريتش، إذ يتنقل جنودنا في أزقة رفح، بحثاً عن النصر. لا يمكن اعتبار احتلال رفح نصراً تكتيكياً له أهمية، إذ إن لواء رفح، في أغلبيته، لا يقاتل، وتمكن من الانسحاب إلى خارجها، وسيعود إليها مع اللاجئين العائدين. أمّا الأنفاق التي تم تفجيرها، فسيُعاد تأهيلها بعد خروج الجيش، وجميع غنائمنا من السلاح وما هدمناه من أنفاق لا يساوي الأثمان التي اضطرت إسرائيل إلى دفعها في مقابل مهاجمة رفح: تعميق أزمة الثقة مع الولايات المتحدة، تعكير العلاقات مع مصر التي من المشكوك فيه أنها ستتعاون معنا في حاجتنا إلى مراقبة محور فيلادلفيا، إلى جانب تحويل الاهتمام والموارد من الميدان الرئيسي في الشمال المحترق إلى الزاوية الجغرافية الأبعد عنه. الزاوية الجغرافية الأقل أهميةً، بما لا يقاس، من ذلك الميدان.
- بحسب نتنياهو، إن إطالة أمد الحرب من المفترض أن تحسّن موقفنا على طريق النصر المؤزر، فانظروا، يا للعجب! ها نحن نقاتل منذ تسعة أشهر. هذه أطول الحروب في تاريخنا ضد "أضعف أعدائنا وأقلّهم منزلة". وها نحن نشهد، ليس فقط النصر الذي يتباعد، بل مكانة إسرائيل الآخذة في التدهور.
- إنجازاتنا العسكرية تُمحى شيئاً فشيئاً، وحركة “حماس” تصمد وتحول طرائق عملها بالكامل إلى حرب عصابات، ورفح هي الشاهدة على أن الاستحكام والدفاع عن الأرض فقدا معناهما، وأن "الإرهاب" صار متنقلاً. لا تعاني حركة “حماس” نقصاً في وسائل "الإرهاب" بطريقة تحول دون قتالها ضدنا بهذا الأسلوب أعواماً طويلة مستقبلاً.
- السنوار يشجع التصعيد في الشمال كثيراً. وحلمه بنشوب حرب إقليمية صار أقرب من ذي قبل، وفرصة التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى ثانية تتضاءل. وفي تقديره، الوقت يعمل لمصلحته. ولذا، لا نراه يسارع إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار، وأيّ إنجاز إضافي في المفاوضات مع إسرائيل سيتم استبداله بمطلب إضافي، وهكذا دواليك. السنوار ليس لديه أيّ اهتمام الآن بمنح إسرائيل الجائزة المتمثلة في المخطوفين، ولا بوقف التصعيد في الشمال، أو في الضفة الغربية.
- نتنياهو لا يستطيع إيجاد طريقه، ويفقد السيطرة على الوضع المعقد. والفيديو الذي نشره هذا الأسبوع يُعتبر خطوة غير مسبوقة وغير مسؤولة حتى بالنسبة إلى مستوى مسؤول مبتدئ من الدرجة الرابعة. والأميركيون المذهولون فهموا، في ضوء ذلك، خطورة وضعه، وهم مطالَبون الآن بمواصلة دعم إسرائيل، ليس بسبب رئيس الوزراء، بل رغماً عنه. إنهم يحاولون الفصل بين أهمية إسرائيل كدولة، والمشكلة الصعبة المتمثلة في رئيس الوزراء الذي يعمل ضد مصالحها. ولحسن حظ الأميركيين، ولحسن حظنا، لدينا وزير دفاع جاد ومسؤول، وهو وحده الذي يثق به الأميركيون.
- إسرائيل غارقة في حرب بلا أيّ هدف. ولا خطة لديها، وليس لديها اتجاهات، وبالتالي ليس لديها أيضاً هدف استراتيجي تسعى للوصول إليه. لا في الجنوب، ولا في الشمال، ولا في أراضيها المحترقة نفسها، وهذا الوضع خطِر للغاية، فإسرائيل تقف اليوم على شفا تصعيد إقليمي تنجرف إليه من دون حسيب ولا رقيب. يُحظر على إسرائيل اتخاذ قرارات من منطلق ضعفها، تدفع بها إلى حرب أُخرى أكثر خطورةً في لبنان.
- من المرجح أن تؤدي الحرب في الشمال إلى التدهور نحو حرب إقليمية شاملة، بمشاركة مباشرة من إيران وجميع الفصائل المؤيدة لها. لقد قطعت إيران منذ فترة طويلة خط الردع، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تمنعها من الذهاب إلى تصعيد في المنطقة هي الولايات المتحدة فقط – إذ يمكن أن يكون بايدن في الجزء الأخير من السباق الانتخابي عدوانياً للغاية تجاهها.
- حالتنا أشبه بالقصة الشعبية التي تحكي حكاية العقرب الذي يلدغ الضفدع الذي قطع به النهر، فاعتبارات البقاء الشخصية لنتنياهو تفوق الاعتبارات الأمنية الخاصة بدولة إسرائيل. إن رغبته في تملُّق ترامب على حساب غرس سكين في ظهر صديقنا الوفي الرئيس بايدن، أو من خلال إلقائه خطاباً مهيناً في الكونغرس، سيؤديان، بلا شك، إلى قطيعة كبيرة في العلاقات في الأوقات التي تحتاج إليها إسرائيل المحترقة. وستصبح مقولة "سنقاتل بأيدينا وأظفارنا" حقيقة، ليس ضد حركة “حماس”، بل ضد ألدّ أعدائنا - إيران؛ حزب الله؛ الحوثيون؛ الميليشيات السورية؛ الجبهة الداخلية في الولايات المتحدة. وتشكل بهلوانيات نتنياهو الشخصية مقامرة خاسرة وغير مسؤولة بأمن دولة إسرائيل. وحتى مَن يفترضون أن بايدن يتحلى بمسؤولية تجاه إسرائيل أكثر من رئيس وزرائها، فلا ضمانة لديهم أن بايدن سيقف إلى جانبنا عندما ينفجر الإقليم، بعد مثل هذا الخطاب المخزي. فكروا فقط فيما كان سيحدث في إسرائيل لو جاء بايدن لإلقاء كلمة أمام الكنيست خلال الانتخابات، بدعوة من زعيم المعارضة لبيد، ليعبّر عن دعمه له. ماذا سيقول نتنياهو في هذه الحالة؟ أقول هذا، مع العلم أننا نحن الذين نحتاج إلى الأسلحة الأميركية الآن، لا العكس.
- لقد ذهب وزير الدفاع غالانت إلى الولايات المتحدة في محاولة لتصحيح التصرف غير المسؤول الذي أقدم عليه نتنياهو، بهدف ضمان استمرار وصول الدعم الأميركي. لكن سيتعين عليه تقديم إجابات عسيرة بشأن توجهات إسرائيل، وسيكون من الصعب عليه شرح ذلك. وبما أنه المسؤول عن إنجازات الحرب، والمطلوب منه العودة من أميركا إلى البلد محملاً بالسلاح والذخائر التي يجب توضيح غرضها، فلا بد من أن يتوصل إلى تفاهُم واضح مع الأميركيين على خطة متفق عليها لإنهاء الحرب بأسلم الطرق. وهذه الفرصة الأخيرة بالنسبة إلى إسرائيل، قبل أن تنجرّ إلى نار إقليمية لا تبقي ولا تذر، قد تؤدي إلى خراب الدولة نفسها. إن رحلة غالانت إلى الولايات المتحدة هي أملنا السياسي الأخير.