الرد الإسرائيلي على الحملة السياسية والقانونية التي تشنها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • تقوم السلطة الفلسطينية بتحريك حملة سياسية وقانونية في المؤسستين القانونيتين الدوليتين محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وعبر منصات قانونية دولية أُخرى، من ضمنها مؤسسات الأمم المتحدة، تركز على توجيه الاتهامات لإسرائيل وقادتها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. رداً على ذلك، قررت الحكومة الإسرائيلية تحضير سلة عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، كما تفكر الحكومة في الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية مع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية مؤخراً.
  • صادق مجلس الحرب الإسرائيلي، بتاريخ 27/6/2024 ، على سلة من العقوبات ضد السلطة الفلسطينية، والتي تشمل: قوننة خمسة بؤر استيطانية غير قانونية، هي "أفيتار" و"سديه إفرايم"، و"أدورايم"، و"حيليتس"، و"غفغات أساف"؛ إلى جانب المصادقة على إضافة 5000 وحدة سكنية جديدة إلى المستوطنات القائمة فعلاً، وفرض العقوبات على مسؤولي السلطة، ومن ضمنها تقييد تنقلاتهم، بما يشمل إلغاء تصاريح الـVIP الخاصة بهؤلاء المسؤولين ومنع خروجهم من البلد، و"إنفاذ القانون بشأن جرائم التحريض"، وطرد مسؤولين، وفرض قانون منع البناء ضد المباني غير القانونية في المناطق B، إلى جانب هدم المباني التي بُنيت في مواقع حفريات أثرية والمناطق الطبيعية في صحراء يهودا (وهي منطقة خاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية. وكون هذه الأراضي هي محميات طبيعية تعهد الفلسطينيون عدم البناء فيها).
  • وفي مقابل رزمة العقوبات التي تمت المصادقة عليها، أفادت تقارير بأن سموتريتش، الذي يشغل منصبَي وزير المالية، والوزير في وزارة الدفاع، قرر الإفراج عن أموال المقاصة التي تقوم إسرائيل بجبايتها من أجل السلطة الفلسطينية، والتي قام بتأجيل إرسالها إلى السلطة على مدار الشهرين الماضيين. ولا تشمل الأموال المفرَج عنها الأموال التي تُحوَّل إلى قطاع غزة (والتي تبلغ 40% من مجمل أموال المقاصة، إذ يتم البحث عن دولة ثالثة تحل محل النرويج لإيداع المال لديها في حساب ائتمان، لكي تتحول إلى محطة لتحويل المبلغ إلى القطاع)، كما ستُحسم من مجمل أموال المقاصة المبالغ التي تقوم السلطة بدفعها لـ"المخربين" [رواتب عائلات الأسرى، والأسرى المحررين، وعائلات الشهداء والجرحى]. تؤدي هذه الخطوات، شيئاً فشيئاً، إلى تقليص الفارق بين مداخيل السلطة ومصاريفها، ويُحتمل أن يكون قد تم أخذ إنذار البنك الدولي بعين الاعتبار، والذي حذّر من أن استمرار تجميد تحويل أموال المقاصة للسلطة قد يؤدي إلى انهيارها. في هذا السياق، أفادت وسائل الإعلام، الأسبوع الماضي، بأن نتنياهو أوضح أن "انهيار السلطة الفلسطينية لا يصب في مصلحة إسرائيل في الوقت الراهن، وأن هناك حاجة إلى الدفع قدماً بأعمال تؤدي إلى استقرار السلطة، من أجل تلافي وقوع تصعيد في الضفة الغربية".
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن إلحاق الضرر بصلاحيات السلطة وقدرتها على العمل، وإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية في الوقت نفسه، هو أمر سيُفسّر، دولياً، بأنه خطوة إسرائيلية هادفة إلى عرقلة أي خيار للتسوية السياسية المستقبلية، وبصفته سعياً لهدم السلطة. وبالتأسيس على هذا الفهم، فمن المتوقع أن تعترف دول أُخرى بالدولة الفلسطينية، وتوفر الدعم للسلطة على المستويَين الاقتصادي والسياسي، إلى جانب زيادة تشديد حلقة العزلة الدولية ضد إسرائيل. كما من المتوقع أن يرتفع عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد إسرائيل أمام المحاكم القانونية الدولية.
  • يُشار إلى أن أغلبية العقوبات تمت الموافقة عليها في ظل معارضة المنظومة الأمنية الإسرائيلية لها. وقال وزير الدفاع غالانت إن الإجراءات المتخذة ضد السلطة لها تأثير إيجابي بسيط، يترافق مع مخاطر أمنية كبيرة على صعيد شرعية إسرائيل الدولية في هذه الفترة المعقدة، وعلى الرغم من مقتل أكثر من 500 فلسطيني (الأغلبية العظمى منهم من "الإرهابيين") في الضفة الغربية منذ اندلاع الحرب، فإنه لم تندلع أيّ انتفاضة في أراضي السلطة الفلسطينية، فضلاً عن أن التعبير عن التعاطف مع ما يحدث في قطاع غزة محدود، ويظهر بشكل أساسي في الدعم السياسي لحركة "حماس" (كما يتضح من الاستطلاعات التي أجراها معهد د. خليل الشقاقي). يُضاف إلى ذلك أن أحداث العنف التي مارسها متطرفون إسرائيليون في أرجاء الضفة الغربية لم تؤدّ حقاً إلى مواجهة شعبية مسلحة من جانب الفلسطينيين. كما يشكل التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني أحد أسباب إخفاق "حماس" في تحفيز الجماهير في الضفة على الخروج في احتجاجات شعبية واسعة النطاق. وعلى هذه الخلفية، فإن الإضرار بقدرة السلطة الفلسطينية على دفع رواتب الموظفين في الأجهزة الأمنية سيكون متعارضاً مع مصلحة إسرائيل الأمنية، وسيقلل من دوافعها الضعيفة أصلاً، إلى حد كبير، لتهدئة الشارع والسيطرة على النظام، بل ربما يشجعها على "قلب الطاولة"، أي تحويل سلاح قواتها ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. لذا، تتمثل مصلحة إسرائيل الأمنية في فرض الهدوء والاستقرار الميداني، والحؤول دون وقوع انتفاضة شعبية واسعة النطاق، تُفاقم الحاجة إلى زيادة عديد قوات الجيش الإسرائيلي العاملة في الضفة، وسيكون ذلك، بالضرورة، على حساب قطاع غزة والحدود الشمالية.

إسقاطات تنفيذ العقوبات الإسرائيلية:

  • إن هذه العقوبات رمزية، في معظمها، وتُعتبر إجراءات عقابية، إلى جانب استغلال الحكومة الفرصة من أجل توسيع المستوطنات وقوننتها مع البؤر الاستيطانية غير القانونية. هناك خطر كامن في تطبيق هذه العقوبات، ضرره أكبر من فائدته. فهذه الخطوات لن تؤدي إلى تغيير سياسة المواجهة التي تمارسها السلطة ضد إسرائيل، ولن تقلل من الشرعية الدولية التي تتمتع بها السلطة، والتي تواصل مراكمتها، بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل حق تقرير المصير. ومن الواضح أن العقوبات ستُفسَّر دولياً بأنها عقاب إسرائيلي جماعي، تماماً كما يُنظر إلى الحرب في غزة، بصفتها عقاباً جماعياً للغزيين. كما ستُفسَّر الخطوات الإسرائيلية بأنها تعكس نية القضاء على أيّ إمكان لتحوُّل السلطة إلى عامل مؤثر في إعادة تشكيل الساحة الفلسطينية، أو في الدفع قدماً في اتجاه تسوية سياسية.
  • إسرائيل بحاجة، فعلاً، إلى مواجهة المعركة الدولية التي تقودها السلطة الفلسطينية ضد الشرعية الإسرائيلية واتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. لكن لتحقيق هذا الهدف، من الأفضل التركيز على إلحاق الضرر الدقيق بالمصالح الشخصية للأفراد والمؤسسات المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، والتي تروّج الحملة السياسية والقانونية ضد إسرائيل في المحافل الدولية، وبصورة خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. يجب إعطاء الأفضلية للأضرار التي يمكن وصفها بالسرية، ولا سيما في مجال الأملاك، وفي مجال تجريم تورُّط هؤلاء الأفراد في "الفساد" ودعم "الإرهاب"، من دون إعلانات علنية بشأن إلغاء تصاريح السفر لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية. علاوةً على ذلك، هناك ما يبرر تماماً استمرار حسم أموال المقاصة المخصصة لدفع رواتب إلى أُسر "المخربين" والأسرى الفلسطينيين. يجب أن يُطلب من السلطة دفع رواتب لموظفيها، وخصوصاً أولئك الذين يخدمون في الأجهزة الأمنية، قبل رواتب "المخربين". إن إلحاق مزيد من الضرر بدفع الرواتب للعاملين في الأجهزة الأمنية سيقلل من دوافعهم إلى منع "حماس" من السيطرة على الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، ويزيد في إغرائهم بتلقّي دفعات مالية من إيران ووكلائها في مقابل أعمال "إرهابية".
  • من المرجح أن يؤدي الضرر الواسع النطاق بكبار مسؤولي حركة "فتح"، حتى أولئك الذين لا يشاركون في الحملة الدولية، إلى زيادة الانتقادات الداخلية لأبو مازن وتقويض سياسته، ولا سيما إصراره على منع المصالحة مع "حماس". بعد كل شيء، تتمثل المصلحة الرئيسية لإسرائيل في عدم انضمام "حماس" إلى القيادة الفلسطينية.
  • إن عملية واسعة النطاق لتدمير البنية التحتية والمباني الفلسطينية غير القانونية في المناطق (ب)، المصنفة "محميات طبيعية"، من دون رقابة موازية على عمليات البناء اليهودي غير القانوني، ستُعتبر سبباً يدفع الجهات الدولية إلى اتهام إسرائيل بممارسة سياسة الأبارتهايد، إذ توجد، فعلاً، فجوة هائلة في حجم عمليات الهدم الممارَسة ضد الفلسطينيين، مقارنةً بقوننة عمليات البناء اليهودية غير القانونية
  • من المناسب تجنُّب إلحاق الأذى المباشر وغير المباشر بالسكان الفلسطينيين، كي لا يتم دفعهم إلى ارتكاب أعمال انتقامية "إرهابية وعنيفة"، وتلافي ظهور إسرائيل بمظهر مَن يمارس العقوبات الجماعية. إن زيادة الضغط على الجمهور الفلسطيني، إلى جانب تجاهُل عنف المتطرفين الإسرائيليين ضد السكان الفلسطينيين، وبصورة خاصة في هذه الأيام، على خلفية الحرب في غزة، يمكن أن يؤديا إلى اندلاع انتفاضة شعبية.
  • هناك قضية رئيسية أُخرى تتمثل في تهديد النظام الدولي بعزل إسرائيل. لقد أصبحت العزلة السياسية أكثر واقعيةً وأهميةً. وهي خطر يجب معالجته بالقدر نفسه من الجدية الذي يميز التعامل مع التهديدات العسكرية، وقبل اتخاذ القرارات، يجب فحص آثارها في شرعية إسرائيل ومكانتها الدولية. لقد تضررت شرعية إسرائيل على خلفية الحرب في غزة لثلاثة أسباب رئيسية، هي: 1. عدم إبداء إسرائيل التعاطف، أو الرحمة تجاه المدنيين الفلسطينيين، في حين يُعتبر عملها العسكري "عقاباً جماعياً"؛ 2. عدم قيام الحكومة الإسرائيلية، حتى هذه اللحظة، بتقديم خريطة طريق سياسية وخطة تحدد مقاصدها؛ 3. الرفض الإسرائيلي القاطع لفكرة إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي فهي تعلن نيتها منع الفلسطينيين من ممارسة حقهم في تقرير المصير. هذه هي في الواقع المعايير الثلاثة التي يستخدمها المجتمع الدولي لتقييم أفعال إسرائيل. وكيلا تتفاقم الأمور وتصبح أسوأ، يجب على إسرائيل أن تتصرف بحكمة، وأن تتجنب اتخاذ الخطوات التي من شأنها أن تضرّها. وخصوصاً عندما تكون نتائج العقوبات التي تفرضها إسرائيل على السلطة غير واضحة.
 

المزيد ضمن العدد