صفقة المخطوفين تفرض إيجاد حل للسيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قال محافظ شمال سيناء، عبد الفتاح الحرحور، في كانون الثاني/يناير 2015: "من أجل إقامة منطقة محايدة على طول الحدود بين غزة وسيناء يجب نقل مدينة رفح كلها من مكانها"، وذلك عندما قررت مصر تنفيذ المرحلة الثانية من إخلاء رفح من أجل توسيع المنطقة الأمنية التي أقامتها على طول الحدود، من كيلومتر واحد إلى ثلاثة كيلومترات.
- ولقد كانت هذه عملية سريعة وقاسية، وشكّلت جزءاً من الحرب التي خاضتها مصر ضد التنظيمات "الإرهابية الإسلامية" في سيناء التي اتخذت من سيناء ملجأ لها وتعاونت مع "حماس" في قطاع غزة. وكانت الأوامر التي صدرت حينها واضحة وقاطعة، بينها إجلاء ونقل عشرات الآلاف من سكان رفح المصرية، وهدْم آلاف المنازل، وقطْع واقتلاع كل المحاصيل الزراعية، وطرْد منظم للسكان إلى منطقة العريش، والتعويضات التي حصل عليها هؤلاء السكان لم تكن تكفي لدفْع إيجار منزل هناك، وهدْم آلاف الأنفاق وإغراق عدد منها بمياه الصرف الصحي. لكن كل هذا لم يوقف تماماً المعابر تحت الأرض لتهريب البضائع والسلاح والبشر بين سيناء وغزة.
- وبعد مرور عقد، طُرحت من جديد على النقاش مسألة "إغلاق" المعبر بين مصر وغزة، وهذه المرة بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح ومحور فيلادلفيا. لكن مقارنة بالعامَين 2014 و2015، فإن العلاقات بين مصر وإسرائيل تراجعت إلى مستوى خطِر، وهذا ناجم أساساً عن سيطرة إسرائيل على معبر رفح، ورفْضها السماح لممثلين عن السلطة الفلسطينية بإدارة الجانب الغزي من المعبر. ولقد طُرح موضوع المعبر ومحور فيلادلفيا على النقاش في اللقاءات التي جرت في الأول من أمس في القاهرة بين رئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس الاستخبارات المصرية، عباس كامل، ومسؤولين رفيعي المستوى آخرين. ووفقاً لتقارير عربية، فقد أبدت مصر استعدادها للتفكير في إقامة جدار فصل أمني بين سيناء وغزة "فقط بعد انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا"، كما قيل إن مصر ستعرض في وقت قريب خطة مفصلة لحل مشكلة فيلادلفيا والسيطرة على معبر رفح.
- وكانت إسرائيل، التي لم تنجح حتى الآن في إيجاد بديل متفق عليه لإدارة المعبر، قد اقترحت قبل أسابيع أن يقوم ممثلون عن السلطة الفلسطينية بتشغيل المعبر، لكن ليس بصفتهم الرسمية، إنما كموظفين في منظمات إغاثة دولية، وعارضت السلطة الاقتراح، وأصرت على أن المعبر هو أرض فلسطينية، وأنها "صاحبة الأرض"، وهي لا تنوي التصرف بطريقة سرية والاختباء وراء صفات أو تعريفات هدفها إخفاء الهوية الرسمية للممثلين عنها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جهود إسرائيل لتجنيد ممثلين من غزة، من أبناء العائلات الكبيرة في القطاع، بينهم مَن تعاون مع إسرائيل في الماضي البعيد، وُوجهت بجدار من الرفض، وظلت فكرة إدخال شركة خاصة، على ما يبدو أميركية، لإدارة المعبر حبراً على ورق.
المخطط الفلسطيني – الأوروبي
- يتحدث المخطط عن إحياء اتفاق المعابر الموقَع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سنة 2005، وقد نص الاتفاق على أن يتولى إدارة المعبر موظفون من السلطة بإشراف ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، وبالتنسيق مع مصر، و"إشراف" إسرائيلي عن بُعد. وقد نوقش هذا الإمكان قبل قرابة شهرَين، عقب إقرار وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن بروكسيل أعطته صلاحية فحص هذا الحل الذي تدعمه مصر، لكن بوريل كان واضحاً بأن هذا الحل لا يمكن تنفيذه إلاّ بعد وقف الحرب، وهو مرتبط باتفاقات مع السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل التي شاركت في اتفاق المعابر الأصلي.
- وبينما نقاش السيطرة على الجانب الغزي من معبر رفح يخضع للتحفظات التي فرضها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الناجمة عن قيود سياسية تمنعه من التعاون مع السلطة الفلسطينية، فإن السيطرة على محور فيلادلفيا هي مسألة عسكرية أساساً، ومن الممكن التوصل إلى حل متفق عليه يضمن منْع التهريب عبر المحور، لكن تجربة الماضي ليست مشجعة؛ ففي سنة 2009، شيدت مصر جدار فصل بينها وبين غزة، بتمويل ورقابة أميركية وفرنسية، واعتُبر هذا الجدار فولاذياً لا يُقهر، وبحسب التفاصيل التقنية، فقد استُخدمت في بناء الجدار صفائح فولاذية غُرست بعمق 20 - 30 متراً تحت الأرض، والأنبوب الذي يربط الجدار بالبحر كان معداًّ لضخ المياه من وقت إلى آخر لمنْع حفْر الأنفاق من جديد، بالإضافة إلى معدات إلكترونية حساسة، وكاميرات، وأجهزة لكشْف الصوت، وكان من المفترض استدعاء قوات الأمن المصرية كلّما ظهرت محاولة لاختراق الجدار، لكن بعد أقل من عام من الانتهاء من بناء الجدار، تحدّثت البي بي سي عن نجاح عمال حفر من غزة في اختراق الجدار الفولاذي بواسطة أجهزة تلحيم قوية، وبناء نفق يعبره.
- وبعد الحرب في غزة، بدأت مصر في بناء جدار جديد خوفاً من محاولة مئات الآلاف من الغزيين الفرار من القطاع إلى سيناء، لكن يبدو أن هذا الجدار قصير للغاية، وليس مؤهلاً لمنْع عبوره من تحت الأرض. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تلاشى في هذه الأثناء تهديد الفرار الجماعي من غزة، وخصوصاً بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على محور فيلادلفيا الذي كان يعمل كـ "حارس حدود" عملياً، ويمنع الخروج من غزة، على الأقل من فوق الأرض. لكن وفقاً لكلام مصدر إسرائيلي مقرب من النقاشات مع مصر، فإن المشكلة الأساسية ليست تقنية فقط.
- ويوضح هذا المصدر: "حتى لو أبدت مصر مرونة في موقفها ولم تصرَّ على أن يجري بناء الجدار الجديد فقط بعد انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، فإن هناك حاجة إلى إيجاد تسوية سياسية - عسكرية تسمح لقوات إضافية دولية، وخصوصاً أميركية، للقيام بجولات لمراقبة الحدود بين غزة ومصر." لكن حتى الآن، فإن مصر تتحفظ على رقابة كهذه، وتعتبرها انتهاكاً لسيادتها، ولا تثق بقدرتها على القيام بالمهمة.
- لكن الحديث عن الانسحاب من محور فيلادلفيا لا يمكن تأجيله، لأنه جزء لا يتجزأ من الشروط التي وضعتها "حماس" لاتفاق إعادة المخطوفين، بالإضافة إلى وقف كامل لإطلاق النار ومناقشة وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.