تحليل جيوسياسي لآثار هجمات الحوثيين على التجارة الخارجية الإسرائيلية

فصول من كتاب دليل اسرائيل

المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف

التداعيات اللوجستية للهجمات في مضيق باب المندب

  • أدت الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التي تمر عبر باب المندب إلى إجبار معظم شركات الشحن العالمية العاملة على خطوط الملاحة الممتدة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، أي الخطوط التجارية الواصلة بين آسيا وأوروبا، على الإبحار حول إفريقيا بدلاً من تقصير الطريق عبر قناة السويس. ووفقاً للمنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة (IMO)، فقد انخفضت حركة المرور في قناة السويس بنسبة 70٪ في الفترة الممتدة بين كانون الأول/ديسمبر 2023، وآذار/مارس 2024، مقارنة بالمتوسط الشهري في الفترة الواقعة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2023. ويُعد استعراض بيانات عبور السفن في قناة السويس مؤشراً جيداً نسبياً لقياس بيانات عبور السفن في مضيق باب المندب، لكن يجب أن نتذكر أن هناك أيضاً تجارة محلية قائمة بين دول البحر الأحمر لا تمر عبر المضيق أو قناة السويس. كما أن هناك تجارة تغادر البحر الأحمر وتمر عبر قناة السويس في طريقها إلى أوروبا، كتصدير النفط من الموانئ الواقعة على الساحل السعودي للبحر الأحمر.......
  • في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قبل بدء الهجمات الحوثية، كانت تكلفة شحن حاوية من الصين إلى البحر المتوسط تبلغ نحو 1400 دولار، وارتفعت في ذروتها في نهاية كانون الثاني/يناير إلى نحو 6400 دولار، ثم استقرت في نهاية آذار/مارس 2024 عند نحو 3800 دولار. وللمقارنة، فقد ارتفعت تكلفة شحن الحاوية إلى نحو 20,000 في ذروة أزمة كورونا. وتعكس التغيرات في أسعار الشحن زيادة (طفيفة كما هو موضح) في التكاليف الفعلية لشركات الشحن، إلى جانب تسعير عدم اليقين السياسي من جانب السوق، وكذلك استغلال الفرصة من جانب شركات الشحن لرفع الأسعار التي سيتم تقبُّلها بِفَهْم من جانب العملاء، ومن جهة أُخرى الاستقرار المتدرج للسوق في الوضع الجديد (new normal).

تقدير آثار هجمات الحوثيين في التجارة الخارجية الإسرائيلية

  • من أجل تقدير هذه الآثار، يجب استخلاص نسبة التجارة البحرية الإسرائيلية التي تمر عبر باب المندب. إن نسبة التجارة الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي كبيرة نسبياً، وتصل إلى أكثر من 60%، لكن جزءاً كبيراً من هذه التجارة هو تصدير الخدمات وجزء كبير آخر (من حيث قيمته المالية) يتم نقله عن طريق الجو. وهناك أقسام كبيرة أُخرى من التجارة البحرية تُدار مع الولايات المتحدة وأوروبا وأسواق أُخرى.

تحليل تفصيلي

  • إن حصصاً كبيرة من التجارة البحرية الإسرائيلية مع آسيا تأتي في حاويات، وفي الواقع، فإن مصدر نصف الواردات البحرية من آسيا هو الصين، ومعظمها منتوجات استهلاكية، وهناك بضعة استثناءات هنا كاستيراد السيارات، التي تصل إلى إسرائيل في سفن مخصصة لنقل السيارات، وكذلك استيراد الماشية الحية (الأغنام والأبقار، التي تصل أساساً من أستراليا). وفي الأوضاع العادية، تمر سفن الحاويات القادمة من الشرق عبر قناة السويس وتفرغ حمولتها في موانئ البحر المتوسط ​​الإسرائيلية (موانئ منطقة حيفا وأشدود). أمّا في ميناء إيلات، فلا يتم تفريغ الحاويات مطلقاً، لكن يتم استيراد السيارات والماشية الحية أحياناً عبره. ويجب أن نتذكر أن النقل البري من إيلات إلى وسط البلاد مكلف، لذلك في بعض الأحيان يقوم مستوردو السيارات، على سبيل المثال، بتحمُل تكاليف مرور سفينة سيارات عبر قناة السويس (ودفع التكاليف المرتفعة الموصوفة المتعلقة بالمرور) بدلاً من تفريغ السيارات في ميناء إيلات ونقْلها بواسطة شاحنات سحب خاصة لنقل السيارات إلى وسط البلاد، لمسافة تزيد على 300 كيلومتر.
  • ويتم تصدير الفوسفات من مصانع البحر الميت عبر ميناء إيلات، إذ يتم تصدير نحو مليونَي طن سنوياً من هذه المادة. وإذا كانت التكلفة المتوسطة لنقل حاوية من الصين إلى البحر المتوسط ​​ارتفعت بنحو 5000 دولار في الربع الرابع من سنة 2023 مقارنة بالسعر قبل الحرب، وكانت مستقرة عند مستوى جديد يبلغ أكثر من السعر قبل الحرب بنحو 2500 دولار خلال الأرباع الثلاثة التالية من سنة 2024، فإنه يمكن تقدير أن التكلفة الإجمالية للاقتصاد الإسرائيلي لاستيراد عدد الحاويات نفسها التي تصل إلى نحو 200 مليون دولار سنوياً.

التأثيرات في واردات السيارات

  • صارت سفن نقل السيارات تتجنب المرور عبر مضيق باب المندب، ففي سنة 2022، استوردت إسرائيل نحو 340,000 سيارة، منها 166,000 (49%) عبر ميناء إيلات. ومن الممكن أن سيارات إضافية قد تم استيرادها من آسيا عبر مينائَي حيفا وأسدود، لكن الإحصاءات غير واضحة في هذا الشأن. وإذا كانت سفينة السيارات قادرة على نقل نحو 4500 سيارة، فيمكن تقدير أن ميناء إيلات قد استقبل نحو 35-40 سفينة سيارات سنة 2022، أي نحو 50 مليون دولار إضافية كتكلفة للاقتصاد نتيجة الرحلات حول إفريقيا لهذه السفن. لذلك، فإن التكلفة الإجمالية للاقتصاد من استيراد الحاويات والسيارات عبر الطريق حول إفريقيا تصل إلى نحو ربع مليار دولار سنوياً.

التأثيرات في الصادرات

  • في سنة 2022، تم تصدير نحو 455,000 حاوية، منها نحو 30,000 حاوية إلى آسيا. ووفقاً للحساب أعلاه، فإن التكلفة الإجمالية للاقتصاد الإسرائيلي لتصدير الكمية نفسها تصل إلى نحو 75 مليون دولار سنوياً. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تأثر تصدير الفوسفات من ميناء إيلات، إذ إن تصدير هذه المادة إلى أسواق آسيا تتم، في الأوضاع العادية، عن طريق نقْل الفوسفات في شاحنات خاصة من مصانع البحر الميت إلى ميناء إيلات، ومن هناك يتم تحميلها على سفن وتصديرها إلى الشرق، وخصوصاً إلى الهند. ويتم من ميناء إيلات تصدير قرابة مليونَي طن سنوياً من الفوسفات. فإذا توقف نشاط ميناء إيلات، فإنه يجب على شركة الفوسفات الإسرائيلية تصديره عبر ميناء أسدود، وعبر الطريق الذي يمر حول إفريقيا. وإذا كانت سفينة الصب تحمل نحو 40,000 طن (Dead Weight–DWT)، فستحتاج إلى نحو 50 سفينة بتكلفة إضافية تُقَدَّر بنحو 50 مليون دولار. ويجب ملاحظة أن الفوسفات يُعَدُّ سلعة أساسية (commodity)، وبالتالي، فإن زيادة تكاليف النقل حول إفريقيا يمكن أن تضر بتنافسية شركة ICL في أسواق الفوسفات في الشرق.
  • وبناء عليه، فإن التكلفة الإجمالية للاقتصاد من تصدير الحاويات والفوسفات عبر الطريق حول إفريقيا تتراوح بين 100 و150 مليون دولار سنوياً، وتصل التكلفة الإجمالية للاقتصاد (صادرات وواردات) إلى نحو 350 - 400 مليون دولار سنوياً.

التأثيرات الأُخرى

  • بالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية الواسعة، هناك تأثيرات أُخرى صغيرة، لكنها مهمة للتجارة الخارجية للبلد. ويتمثل التأثير الأول في التوقف الفعلي لنشاط ميناء إيلات (بما في ذلك تصدير الفوسفات كما هو موصوف أعلاه)، والثاني يتمثل في التأثير المباشر في شركات الشحن الإسرائيلية، أو التي لها علاقة مباشرة بإسرائيل.
  • ولقد شلت الهجمات الحوثية على حركة الشحن في مضيق باب المندب، تماماً، نشاط ميناء إيلات، وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير بشأن نيات بفصل أكثر من نصف عمال ميناء إيلات، وإذا هذا، فإن ضرراً اقتصادياً كبيراً سيلحق بمئات العمال، بالإضافة إلى الضرر الاستراتيجي الممكن الناجم عن فقدان القدرة التشغيلية للبوابة الجنوبية للبلد. ولقد تمت مناقشة هذه المسألة في اللجنة الاقتصادية البرلمانية في الكنيست، في معرض مناقشة سؤال ما إذا كان على الدولة إعادة شراء الميناء بعد أن تم بيعه في إطار الخصخصة.

تأثيرات في شركات الشحن الإسرائيلية

  • لا تمثل شركات الشحن الإسرائيلية قطاعاً متطوراً مقارنة بالشركات العالمية، إذا ما استثنينا شركتَين رئيسيتَين لهما صلة مباشرة بإسرائيل، هما شركة "تسيم" (ZIM) وشركة "XT" (سابقاً شركة الأخوين عوفر). وهناك أيضاً سفن مملوكة لرجال أعمال إسرائيليين، على غرار سفينة "Galaxy Leader". ولقد حولت هذه الشركات مسارات سفنها من الخطوط التي تمر عبر المضيق، وربما يكون لذلك تأثير اقتصادي فيها، كما يمكن أيضاً أن تقلص فرص التعاون لشركة "تسيم" في إطار التحالفات الإقليمية، وخصوصاً بعد الانتهاء المتوقع لاتفاقية "2M" في كانون الثاني/يناير 2025. وعلى سبيل المثال، ففي كانون الثاني/يناير 2024، تم الإبلاغ عن أن التغييرات المرتبطة بمسارات شركة الشحن الصينية "COSCO" بسبب الأزمة في البحر الأحمر قد أثرت في تعاوُن شركة "تسيم" مع الشركة. ويجب أن يُشار إلى أن معظم إيرادات شركة "تسيم" لا تأتي من أنشطة تجارية مرتبطة بإسرائيل، إنما من الأنشطة العالمية.

______

1- المقال هو أجزاء من دراسة أطول يمكن الاطلاع عليها باللغة العبرية على الرابط التالي: https://www.inss.org.il/he/strategic_assessment/houthi-attack-economy/