إطار المفاوضات قائم، والمضمون ينتظر إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن البحث عن دلائل تُشير إلى نجاح اغتيال محمد ضيف تعدّى حدود المجرّة. هل حقيقة أن "حماس" لم تطلق الصواريخ على إسرائيل رداً على موته تشير إلى أن الحركة تنوي إخفاء موت الضيف؟ أم هو فعلاً لا يزال حياً، ولذلك لا يوجد مبرّر لإطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ فالخبرة تُشير إلى أن الأمر في غزة هو كما لبنان، ففي كل مرة تم فيها اغتيال مسؤول كبير جداً، أطلقت "حماس" الصواريخ؛ وماذا لو كانت "حماس" قد غيّرت فجأة من طريقة ردها؟ هل المنع الذي فرضته "حماس" على سكّان المواصي بِمَنْعِهِم من نشر أسماء القتلى نتيجة القصف الإسرائيلي يهدف إلى إخفاء موت الضيف، أم العكس هو الصحيح؟ وهل تستمع "حماس" أصلاً لأقوال الخبراء في إسرائيل وتستنتج كيف عليها أن تتصرّف من أجل إخفاء الحقيقة؟
- إلاّ إن القضية المركزية والمهمة الآن ليست إذا ما كان الضيف حياً أم ميتاً، إنما مصير المفاوضات التي تُعرَّف في إسرائيل على أنها "مفاوضات تحرير المخطوفين" ولدى "حماس" والوسطاء - قطر ومصر وأميركا – معرّفة بـ"مفاوضات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب."
- إن المستويات السياسية والعسكرية التي تحدّثت مع الصحافيين تشدّد على أن التقديرات قبل اتخاذ القرار باغتيال الضيف كانت أن الاغتيال لن يوقف المفاوضات فقط، بل أيضاً سيزيد الضغط على السنوار بعد أن يفقد شريكه ويشعر بالعزلة ويتخوّف على حياته. وفي الوقت ذاته، كان هُناك عدم وضوح بشأن مصير صفقة التبادل، وكانت حاضرة خلال اتخاذ القرار والأيّام التي سبقت القصف، وإن عدم الوضوح الذي تمت إزاحته جانباً عند وصول الفرصة الاستخباراتية والعمليّاتية لا يزال ذاته، ومنذ ذلك الوقت لا جواب نهائي بشأن وضع الضيف.
- ومن جانبها، جاءت ردود "حماس" حتّى الآن متضاربة، وبحسب مسؤول "كبير جداً" في الحركة اقتبسته وكالة الأنباء الفرنسية، فإن "الضيف يتمتع بصحة جيدة، إلاّ إن المفاوضات مع إسرائيل ستُجمّد بعد محاولة الاغتيال التي قُتل فيها أكثر من 100 شخص." وبعد ذلك بوقت قصير، أنكر عزت الرشق، المسؤول في "حماس" ويعيش في الدوحة ومسؤول عن قضايا الإعلام في الحركة، هذه التصريحات، وأوضح أن الحركة لم تقرّر وقف المفاوضات. وأمس، أضاف المسؤول في "حماس"، محمود مرداوي، أن "الحركة لن تمنح نتنياهو مهرباً من المفاوضات. ’حماس‘ عبّرت عن ليونة، وإسرائيل هي من تتهرّب من إمكان التوصّل إلى اتفاق."
- وهناك مسؤول آخر في "حماس"، لم يصرّح باسمه، قال للموقع السعودي "الشرق" إن "الكرة موجودة الآن في ملعب الوسطاء، فإما أن يوقفوا الحرب، وإمّا أن يفرضوا على نتنياهو المسؤولية عن استمرارها عبر مجلس الأمن، وإمّا أن يوقفوا المساعدات العسكرية." وهذا الموقف الذي يُطرح بِصِيَغٍ شبيهة أيضاً من جانب مسؤولين آخرين في "حماس يرسم رؤية "حماس" بشأن تجديد المفاوضات بعد محاولة الاغتيال أيضاً، ويبدو أنه سيكون ذاته أيضاً في حال اتضح أن الاغتيال قد نجح.
- وبحسب هذه الرؤية، فإن "حماس" تنوي الاستمرار في إدارة المفاوضات على أساس أنها ساهمت وقدّمت تنازلات جوهرية عن مطالبها بوقف الحرب وانسحاب الجيش من غزة كشرط في المرحلة الأولى من الصفقة، وهذا التنازل بحسب الحركة يجب أن يقابله تنازُل من طرف إسرائيل والدول الوسيطة، ويتضمن التزاماً مكتوباً. وعلى الرغم من ذلك، فقد وافقت "حماس" كما يبدو على الاكتفاء بالتزام شفوي من جانب الوسطاء بشأن وقف الحرب مستقبلاً. والوضع الآن هو أن المفاوضات لا تزال تدور، لكنها مفاوضات على المفاوضات؛ بما معناه، الأوضاع لتجديد المفاوضات على القضايا الجوهرية التي تتضمن شكل إدارة غزة في كل مراحل الصفقة وما بعدها. وبحسب "حماس"، فإنه طالما إسرائيل ترفض مطلب وقف الحرب الشامل في المرحلة الثانية أو بصورة عامة، وطالما لا تزال غير مستعدة للالتزام ذلك بصورة مكتوبة في كُل مرحلة، فلا يوجد شيء يمكن الحديث عنه.
- ويستند محلّلون عرب إلى محادثات مع "حماس"، فيقدّرون أن الحركة تنتظر نتائج زيارة نتنياهو إلى واشنطن ومحادثاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع المقبل على أمل أن ينجح الرئيس في نزْع تنازلات من نتنياهو تحرّك المفاوضات. حتّى ذلك الوقت، يبدو أن قطر ومصر والولايات المتحدة سيستمرون في المحادثات الدبلوماسية من أجل الإبقاء على إطار المفاوضات فعّالاً، حتّى لو لم يتغيّر شيء جوهرياً. وهناك إمكان آخر يظهر في المقابلات مع قيادات "حماس"، وهو تجميد المفاوضات لوقت محدّد من أجل دفع الرأي العام في إسرائيل وغزة للضغط على نتنياهو والسنوار. وبحسب تحليل جاء في صحيفة "الأخبار" اللبنانية، فإن "الوضع هو أنه لا يوجد أي طرف الآن قادر على الحسم في مقابل الآخر... إسرائيل لا تستطيع الوصول إلى صورة نصر، أمّا ’حماس‘، فتعرف وضع سكّان القطاع الصعب، لكنها تريد الوصول إلى إنجاز حقيقي بسبب حجم الدمار والقتل."
- وبحسب هذا التحليل، فإن إسرائيل تبني على "تعب المجتمع الفلسطيني، وستحاول ابتزازه عبر المساعدات الإنسانية." وبحسب الصحيفة أيضاً، فإن إسرائيل تستمر بجهودها لتشكيل أجهزة فلسطينية غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية تكون مستعدة لتحمُّل المسؤولية عن توزيع المساعدات.
- والتخوّف هو أنه وإن توقّفت المفاوضات، فإن وقْفها يمكن أن يمتد حتّى الانتخابات في الولايات المتحدة، إذ يأمل نتنياهو فوزَ ترامب. وبحسب مصدر إسرائيلي مقرّب من المفاوضات، فإن "أحداً لا يستطيع القول اليوم ’ماذا ستكون سياسة ترامب بشأن الحرب في غزة؟‘، ومن غير الواضح كلياً إن كان سيدعم سياسة نتنياهو. وفي الوقت نفسه، فإن التخوّف في أواسط الدول الوسيطة، كمصر وقطر، هو أن يقوم نتنياهو بإقناع ترامب بقدرة إسرائيل على إخضاع ’حماس‘، وهو ما يمكن أن يجعله يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لزيادة حدّة الحرب في غزة، حينها يمكننا نسيان كُل فكرة صفقة التبادل، والمشكلة أن هناك من يراهن على ذلك." هذه الحسابات غير مخفية عن الدول الوسطاء التي يدير ممثلوها المحادثات الطويلة مع "حماس" في الخارج، لكن من غير الواضح درجة تأثّر يحيى السنوار بـ"تهديد" ترامب.
- وأكثر من الخطورة على حياة الرهائن، فإن التهديد الأكبر الآخر هو أنه كلّما تأخّرت المفاوضات، ازدادت إمكانات توزّع الحرب إلى حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان. وحزب الله، عبر متحدّثين كبار، يوضح أنه ملتزم وقفَ إطلاق النار مع إسرائيل ارتباطاً بوقف إطلاق النار في غزة، وهذا ما يظهر أيضاً في أخبار الموقع الإماراتي "The National News". كما هناك رسائل مشابهة أيضاً نقلها الحوثيون والمليشيات الشيعية في العراق، لكن هذه الالتزامات مرتبطة بقرار يحيى السنوار. أول أمس، تحدّث إسماعيل هنية هاتفياً مع رئيس إيران المنتخب، مسعود فزشخيان، عن الوضع في القطاع، وتشير التقديرات إلى أن إيران أرادت إرسال رسالة إلى السنوار عبر هنية بشأن قلقها من توسعة الحرب في الجبهة اللبنانية.