حل الدولتين يمكنه أن ينتظر، هناك قضايا أكثر إلحاحاً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • لقد سبّب زعيم حزب العمل، يائير غولان، الذي قاد مؤخراً عملية إقامة حزب "الديمقراطيين" عبر توحيد حزب العمل مع حركة ميرتس، خيبة أمل لِدان دارين في ثلاثة موضوعات: الاتحاد بحد ذاته مع ميرتس، والحزب الذي تبخر بحسب كلامه، وعدم وجود فائدة قط من التعاون معه، وإعلان إجراء انتخابات تمهيدية، والذي في رأيه هو أسلوب انتخابي فاسد، ومن الأفضل البحث عن بديل له، وغموض غولان بشأن "العلاقة مع الجيران"، فتساءل دارين: "هل فعلاً غولان مع إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية في نهايته؟" ("هآرتس" 9/7)
  • على افتراض أن دارين عدّد خيبات الأمل من غولان من الأسهل إلى الأصعب، فالأكيد أن قضية "الجيران" هي الأكثر أهمية في نظره، ويجب التطرق إليها بطريقة خاصة. وفي البداية، يجب أن نقول إن غولان شخصية سياسية يسارية بارزة، وهو يؤمن بوضوح بالفصل المتفق عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ودولتَين قوميتَين. وهذه النقطة المركزية جرى توضيحها جيداً في البند 3.6 من اتفاق الوحدة بين العمل وميرتس، والذي جاء فيه: "... سنسعى لحل النزاع استناداً إلى حل الدولتَين لشعبَين: دولة إسرائيل وإلى جانبها دولة فلسطينية منزوعة السلاح."
  • وعلاوة على ذلك، فمن المهم والضروري الإشارة إلى أنه بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر في العام الماضي، فإن الطريق إلى حل الدولتَين، الذي لم يكن قابلاً للتحقيق قبل "المذبحة"، تراجع إلى الوراء كثيراً، وهناك عدد كبير من الإسرائيليين فوجئ بأنه في مقابل كونه معتبراً من جانبهم بأنه حياة معقولة للفلسطينيين، فإن هؤلاء ردوا الجميل بـ"عمليات قتل وحشية"، واستيقظوا من "وَهْمِ السلام"، وَهُمُ الآن يعتقدون أن اللغة الوحيدة التي يجب التحدث فيها مع الفلسطينيين هي لغة القوة والعنف.
  • ومع ذلك، وفي ظل الصحوة المزعومة، وفي ظل حكومة الخراب الكهانية التي يرى أعضاؤها في تداعيات "المذبحة" معجزة تتيح لهم فرصة لتحقيق حلمهم الكابوسي بخلاص أرض إسرائيل في مقابل تدمير شعب إسرائيل، فإن مسيانية المستوطنين تترسخ أكثر فأكثر في قلب الخطاب الإسرائيلي.
  • ولقد جرى استبعاد برنامج رافيف دروكر من القناة 14 [المعروف بموافقه النقدية إزاء نتنياهو]، بينما اعتُبر صوت الناطق بلسان اليمين القومي الديني، عميت سيغل، صوتاً رصيناً ومعتدلاً وعاقلاً. وبصورة مشابهة أيضاً، فإن التصريحات الهذيانية لعضو الكنيست، ليمور سون هار - ملك [حزب قوية يهودية]، والتي قالت فيها إن شبان التلال هم المدافعون عن الوطن، وهذا الكلام الذي كان يُعتبر في الماضي على هامش الخطاب السياسي، أصبح اليوم طبيعياً ويعبّر عن الروح الصهيونية.
  • في مواجهة هذا كله، فإن المهمة الأولى التي يواجهها يائير غولان و"الديمقراطيون" هي حرب أيديولوجية لا هوادة فيها ضد القومية الاستيطانية والقومية الكهانية، من أجل دفعها خارج الحدود الشرعية للخطاب الإسرائيلي والصهيوني.
  • هذه الحرب يجب خوضها على كل الجبهات الإعلامية الحديثة، والتي تتجدد بصورة مستمرة أمام أعين الإسرائيليين العاديين، من أجل أن نثبت للجمهور الإسرائيلي بصورة ملموسة وليس بالشعارات العامة كيف ولماذا الإصرار على "الصراع على البلد" من المتوقع أن يعرّض للخطر أمن وسلامة دولة إسرائيل، ويشكّل خطراً حقيقياً على جوهر وجود إسرائيل كدولة لليهود.
  • أمّا المهمة الثانية التي لا تقل إلحاحاً عن المذكورة سابقاً، والتي تنتظر غولان وحزبه، فهي مهمة تخليص إسرائيل من بنيامين نتنياهو، وطرْده نهائياً من الحياة السياسية وترميم منظومة الحكم ومؤسسات الدولة التي انهارت وفسدت أو باتت على حافة الانهيار نتيجة الفساد واستخدامها من أجل صمود رئيس الحكومة قضائياً وسياسياً في السلطة. وهذه مهمة وطنية وجودية يجب عدم الاستخفاف بأهميتها، لأن المقصود هو ضرورة إدخال الدولة إلى غرفة العناية الفائقة بسرعة من أجل إنقاذ حياتها بعد أن تعرضت لإساءة ممنهجة ومستمرة.
  • ومن المهم هنا التصدي لكلام المهادنين الدائمين الذين يدعون إلى وقف "شيطنة" نتنياهو ويتحدثون عن مزايا خطاب المصالحة "البناءة"، وهؤلاء المهادنون لا يتمتعون بفهم عميق للتاريخ. أكثر من مرة في تاريخ البشرية برز التأثير الحاسم لشخصية واحدة في مصير الشعوب، ونتنياهو هو ظاهرة تاريخية من هذا النوع، وهو يقف في تاريخ الشعب اليهودي في صف واحد مع تيودور هرتسل ودافيد بن - غوريون، لكن بصورة معاكسة: فقد قام هؤلاء بدور حاسم في قيام الوطن الحديث لشعب إسرائيل، بينما نتنياهو هو العنصر المفسد والمدمر لوجود الشعب اليهودي بأحجام كونية. ومن هنا الأهمية الكبرى لإزالة آفة نتنياهو من جسد دولة اليهود، ومن أجل ذلك، يتعين على حزب "الديمقراطيين" التعاون مع كل الأطراف في المنظومة السياسية التي تعي الخطر الذي تتعرض له الدولة والشعب من هذا الرجل ومن محيطه، وخصوصاً مع جهات في اليمين التي ليست مع بنيامين نتنياهو.
  • وهذا التعاون الذي هدفه إنقاذ الدولة حرفياً يضع جانباً في الوقت الحالي السعي لتسوية سياسية مع الفلسطينيين. ففي نهاية الأمر، ومن أجل تقسيم البلد إلى دولتَين، يجب أن يستمر وجود دولة إسرائيل، الأمر الذي ليس أكيداً ما دام نتنياهو وعبّاد شخصه يدفعون بقوة وبصورة مرعبة نحو تفكيك المشروع الصهيوني.
  • إن مهمة القضاء على الكهانية، وعلى البيبية [نسبة إلى بنيامين نتنياهو] في دولة إسرائيل وفي المجتمع الإسرائيلي هي في صلب جدول أعمال اليسار الصهيوني بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. والمقصود هنا عمليتان داخليتان؛ يهودية وإسرائيلية، الغرض منهما إصلاح المنظومة الداخلية القومية اليهودية والإسرائيلية، ولا علاقة لهما مباشرة بقضايا "الجيران". وفي الحقيقة، فإن حل الدولتَين، الذي في أي حال لا يظهر في الأفق، عليه أن ينتظر.