أنحن حقاً على مسافة رمية حجر من النصر المؤزر؟ حادثة معسكر بيت ليد تكشف أننا على مسافة رمية حجر من الحرب الأهلية
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • ها قد انقلب السحر على الساحر، ومن زرع الريح يحصد الآن إعصاراً، ومن ركب على النمر، يجد نفسه اليوم وجبة عشاء له، والمرء حينما يطلق جنياً من قمقم، فإنه يفقد السيطرة عليه.
  • لطالما تباهى نتنياهو قائلاً إننا على مسافة رمية حجر من النصر المؤزر، وها قد اكتشفنا أمس أننا على مسافة رمية حجر من حرب أهلية، حينما اجتاحت الجموع، التي كان بعضها مسلحاً، قاعدة عسكرية؛ فقد اقتحم أعضاء كنيست قاعدة عسكرية، وهدرت مجموعات على تطبيقَي واتساب وتليغرام مؤيدة لنتنياهو دم ممثلة العسكرية العامة، ونشرت فتوى ضدها، وطالبت بطردها إلى غزة.
  • كل ذلك يجعل نصر الله، والسنوار، وأمثالهم بلا أهمية كبيرة، ولو كنت أنا عضواً في حزب الله، لَكنت سأخرج اليوم إلى عطلة صيفية كاملة، كما فعل أعضاء الكنيست، لأن اليهود هم من سيقومون بتفكيك دولتهم.
  • لقد زُرعت بذور ما يحدث اليوم في قضية أليئور أزاريا [الجندي الإسرائيلي الذي قام بإعدام الشهيد الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في مدينة الخليل بدم بارد، وتجنَد نتنياهو ومعسكر اليمين الإسرائيلي بأجمعه للدفاع عنه]؛ ففي قضية أزاريا، صدرت قرارات التسلسل العسكري القيادي الكامل ابتداء من قائد الفصيل في الميدان، مروراً بقائد الكتيبة، ثم قائد اللواء، ثم قائد الفرقة، ووصولاً إلى رئيس هيئة الأركان، بضرورة التحقيق مع الجندي الذي أطلق النار على رأس "مخرب" مصاب وجريح. وفي ذلك الحين، طُلب إلى رئيس الوزراء إصدار بيان دعم للجيش لتهدئة الأمور. أمّا نتنياهو، فقد فهم الحدث، وأصدر بيان دعم للجيش، وكان ذلك يوم خميس، وثم جاء السبت، وقضى نتنياهو عطلة مع العائلة، أثار خلالها ابنه ضجة، وقلب مزاج والده، الذي سارع إلى الاتصال بوالد أزاريا وغيّر موقفه؛ إذ وقف رئيس وزراء إسرائيل ضد جيش الدفاع الإسرائيلي، وبعد ذلك، سمعنا الجماهير تصرخ في وجه رئيس هيئة الأركان حينها: "غادي، غادي (أيزنكوت)، احذر، رابين في قبره يبحث عمن يسليه"، فانكسر كل شيء في تلك اللحظة.
  • بعد ذلك، جرى تعيين بن غفير وزيراً للأمن القومي، وأُعطي المسؤولية عن الشرطة والأمن القومي، بينما أُعطي سموتريتش، صاحب نظرية الحسم، مفاتيح الضفة الغربية. لا عجب إذاً من أن عضو الكنيست تسفي سوكوت [العضو في حزب بن غفير] كان أول من اقتحم قاعدة سديه تيمان، فقد حقق حلماً شخصياً، إذ تمكن، أخيراً، من دخول قاعدة عسكرية للمرة الأولى في حياته، وذلك بعد رفض الجيش تجنيده بسبب "عدم ملاءمته للجيش." يا إلهي! كيف يدور الزمن؟ الآن صار سوكوت، بنفسه، يتهم الجيش بأنه "غير ملائم للجيش"؛ أو بعبارة أُخرى، لا تتناسب معايير المجرمين الخارجين على القانون مع فتيان التلال والبلطجية الجهلة الذين يتجمعون حوله. لقد صرنا نحتاج، بصورة عاجلة، إلى جيش آخر، لكننا، في هذه الأثناء، لدينا ميليشيات. 
  • لا تزال التفاصيل المتعلقة بالتحقيق الذي أثار العاصفة غير واضحة بعد. لربما حدث خطأ تكتيكي، أو كان هناك نقص في التعامل الحساس مع القضية، لكن هناك طرق مشروعة للاحتجاج، وهناك طرق مشروعة للتحقيق في الأمر، كما هناك اللجنة البرلمانية لشؤون الخارجية والأمن. دولتنا لديها مؤسسات، وفيها تسلسل قيادي، ونظام لاتخاذ القرارات، ورقابة قضائية على كل شيء، بما في ذلك رقابة قضائية على قرارات الجهاز القضائي نفسه.
  • أمّا يولي إدلشتاين، الذي انضم، مع الأسف، إلى الجموع التي اقتحمت الحواجز العسكرية وهي ترتدي الشباشب، فسيعقد اليوم جلسة خاصة للجنة الشؤون الخارجية والأمن، التي هي المنصة المناسبة لإجراء تحقيق نظامي في هذه الأمور. وهناك بون واسع بين هذا، واقتحام قاعدة عسكرية، وهدر دم ممثلة النيابة العسكرية العامة، والتحريض الأرعن ضد كل ما يمكن أن يمثل الجيش والدولة. إن الهوة بين الأمرين شديدة الاتساع.
  • تقع قاعدة سديه تيمان، التي يتم فيها احتجاز مقاتلين من كتائب القسام، تحت مراقبة دولية دقيقة، وقد نُشرت فعلاً تحقيقات كبيرة بشأن ما يحدث في هذه القاعدة في وسائل الإعلام الرئيسية. إن إسرائيل مستهدَفة الآن من جانب اثنتين من الهيئات القضائية الدولية الكبرى التي تنظر في قرارات بشأن إصدار أوامر اعتقال بحق إسرائيليين، كما أن المحاكم الدولية تدعو إلى وقف الحرب، وعلى وشك إصدار موقف بشأن جرائم الحرب. في ظل هذا الوضع، فإنكم لن تجدوا في العالم بأسره مدعياً عسكرياً عاماً لن يأمر بإجراء تحقيق إذا ما وصلت إليه معلومات، على غرار المعلومات التي وصلت إلى اللواء يفعات تومر - يروشالمي [ممثلة النيابة العسكرية العامة]، فإسرائيل هي دولة قانون، ومؤسساتها، بما فيها الجيش، تعمل وفقاً للقانون. وهذا هو سبب نجاتنا منذ سنة 1948، على الرغم من أننا نجثو منذ سنة 1967 على ملايين البشر من أبناء شعب آخر تحت وطأة حكمنا العسكري (وهذا هو التوصيف الحقيقي لما نقوم به، طالما لم نقم بضم الضفة الغربية).
  • كل الحجج المقدمة أعلاه لا تهم الجموع التي خرجت إلى الشوارع أمس، فحينما تقول لهم إن قائدهم، المسيح المخلّص، نتنياهو، هو الذي لم يجرؤ على المساس بـ"حماس"، ولم يجرؤ على قتال حزب الله على مدار عقدين من الزمن، فسيدّعون أنه "لم يكن يملك دعماً لفعل ذلك." والآن، يقوم هؤلاء بكل ما يمكنهم القيام به من أجل جعل دولة إسرائيل دولة منبوذة من دول العالم كما لو كانت مصابة بالطاعون. ولكي نفقد ما تبقى لدينا من شرعية دولية للقتال من أجل استقلالنا ودفاعاً عن حياتنا، فإن جميع من يهتفون في الشوارع اليوم بهتاف "الموت للعرب" بحماسة لا نهاية لها، يقومون بكل ما يمكنهم القيام به لجعلنا "نشبه هؤلاء العرب" إلى أقصى حد، ومن دون أن يدركوا حتى أنهم يقومون بذلك.
  • قررت الحكومة البريطانية، كما نُشر أمس في وسائل الإعلام، فرض حظر على توريد الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل، وتم اتخاذ قرارات مماثلة، أو باتت قرارات مماثلة على وشك الصدور في دول أُخرى. كما لم يفرج الأميركيون بعد عن شحنات الذخائر التي تم تجميد إرسالها إلينا. إن إسرائيل تكافح من أجل كل ذرة شرعية، وتبذل جهداً هائلاً لإظهار الفارق الهائل بين دولة اليهود "الديمقراطية المستنيرة" التي تلتزم قيم الإنسان الأساسية، وبين منظمات "الإرهاب الدموية" التي تسعى لتدميرها. أمّا ما ظل يحافظ لنا على مكانتنا في العالم كدولة قانون، فهي مؤسسات الدولة، واستقلالية أنظمة القانون والعدل والقضاء. أمّا الجموع في الشوارع، فهي تواصل الآن محاولة متابعة الانقلاب النظامي [الذي بادرت إليه الحكومة قبل الحرب] تحت غطاء الحرب، وهم لا يدركون أنهم حينما يكتمل انقلابهم، فسيصبحون وحيدين من دون حلفاء، ولا أسلحة، ولا قنابل، ولا شرعية دولية. هؤلاء سيصبحون دولة يهودا باختصار.
  • لا أقول هنا إن كل شيء آيل إلى خراب محتم، وإنه لا يوجد ما يمكن إصلاحه في هذا البلد. فحقيقة أن "إرهابيي" النخبة القسامية ما زالوا محتجزين في مرافق موقتة ولم يتم تقديمهم إلى المحاكمة، عسكرية كانت أم مدنية، هي أمر غير معقول. فإذا لم تكن هناك تشريعات مناسبة في القانون الإسرائيلي لهذا الغرض، فلماذا لا يصدرون قوانين تضمن ذلك؟
  • سأخبركم السبب؛ إن الائتلاف كان أكثر اهتماماً بتمرير مليارات الشواكل إلى قطاعات ناخبيه، من ميزانية الدولة، وكان أكثر التزاماً باستثمار كل طاقته في تمرير قانون الوظائف الفاسد، أو إعادة الهواتف النقالة الكاشير [الهواتف شبه الذكية التي يستخدمها اليهود المتدينون، تلافياً للفتنة، والتي صدرت أوامر بسحبها من الأسواق لأنها غير قابلة للتتبع، وهو ما يمكن أن يشكل خطراً أمنياً]، لكي يستمر عدد قليل من رجال الأعمال في ابتزاز مئات الآلاف من المستخدمين. ونظراً إلى هذه الانشغالات، فإنه لم يكن لدى الائتلاف وقت للتعامل مع النخبة القسامية.
  • أمّا الآن، وقد وصلنا إلى إيتمار بن غفير، السبب الأساسي للفوضى، فعلينا أن نقول التالي: هذا الرجل هو المسؤول عن مصلحة السجون، وقد تلقى ميزانيات ضخمة لكي يتولى مسؤولية حبس "إرهابيي" النخبة. فلماذا يجب أن يعمل جنود الاحتياط والجنود النظاميون حراساً للسجون؟ من دربهم على الأمر؟ لماذا لا يتصدى هذا الرجل، الذي قضى وقته في الأشهر الأخيرة في توزيع السلاح على كل من يريد، للمهمة التي تم تعيينه فيها، ويهتم بتوفير مرافق مناسبة؟ ليست هناك مشكلة في تمويل هذا الأمر.
  • إسرائيل ليست على شفا الفوضى، إنما هي في معمان الفوضى، ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها عشرات ومئات المواطنين وهم يحاولون كسر بوابات القواعد العسكرية، في الوقت الذي يقف فيه الجنود المرتبكون في الجانب الآخر في محاولة لمنعهم، هي رمز تفككنا.
  • أمّا نتنياهو، الشخص الذي تسبب بهذه الفوضى كلها، فقد نشر أمس بيان استنكار ضعيفاً وركيكاً، يبلغ طوله السطر ونصف السطر. وها هو سيد الفوضى قد بات على مرمى حجر من إنجاز مهمته؛ التدمير النهائي، والكامل، والشامل، للحلم الصهيوني.