فانتازيا السنوار، كابوس خامنئي، والمنطقة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

– الموقع الإلكتروني
المؤلف
  • يدّعون في إسرائيل، وبحق، أن "إيران في كل مكان". "الأخطبوط" الإيراني يعزز حلقة الخنق. على مدار عقود من الزمن، تعمل الجمهورية الإسلامية على جهدين أساسيين: الأول هو الدفع قدماً بالمشروع النووي، وتخصيب اليورانيوم وإمكان تحويل النووي إلى عسكري، من خلال بناء قدرات سلاح ملائمة؛ أمّا الثاني فهو إقامة وبناء وتسليح شبكة من الأذرع المنتشرة التي تتشكل من جيوش تابعة لها في المنطقة، في الأساس عبر "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري.
  • تريد إيران توسيع تأثيرها الإقليمي وتقوية المحور الشيعي في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه، تريد القيام بذلك من خلال ابتعادها، هي نفسها، عن الحرب. المنطق الإيراني يدّعي أن اللحظة المناسبة ستأتي، ومن خلال القدرة على تهديد استراتيجي من جهة، ومن جهة أُخرى، "حلقة الخنق"، ستتمكن من أن تصبح قوة إقليمية عظمى، تستطيع إبعاد كل لاعب منافس، حتى إنها تستطيع مواجهة إسرائيل مباشرة. هذان الجهدان، النووي وأيضاً "حلقة الخنق" تعززا وأصبحا أكثر قوةً ونضجاً- ويمنحان إيران وأذرعها (حزب الله، الحوثيون، الميليشيات الشيعية في العراق، وغيرها) ثقة عالية بالنفس.
  • أحد الأذرع الصغيرة غير الشيعية هي "حماس"، التي تعتبر نفسها جزءاً من المجموعة، وتتمتع بدعم معين من الإيرانيين في السنوات الماضية. قائد "حماس" يحيى السنوار أراد تقريب الخلاص، ورأى أن هناك فرصة متمثلة بالضعف الإسرائيلي- وتصرّف. الفانتازيا الاستراتيجية، بالنسبة إليه، كانت أن ينضم المحور الشيعي وأذرع إيران، وحتى إيران نفسها، إلى المعركة الإقليمية الواسعة، وتبقى إسرائيل في حالة ضعف.
  • ما حدث أننا نهضنا، وبايدن قال Dont، وتم (موقتاً؟) منع نشوب حرب إقليمية شاملة، على الرغم من أن الأذرع الأُخرى انضمت، بالتدريج، كـ"جهد ثانوي"، إلى المواجهة. وذلك رغبةً في إحكام خناق الحلقة، وأيضاً التعبير عن دعم (معين) مشروع الأذرع الخاص بها، وتعمل إيران بشكل غريب، بعكس منطقها الخاص. بدأ الإيرانيون بالعمل من أراضيهم علناً، ويدعمون الفلسطينيين من قلب طهران. الرئيس الإيراني المنتخب، وفور تسلُّمه المنصب، صرّح بأنهم يدعمون النضال الفلسطيني ضد العدو الصهيوني. الرئيس  الإيراني الإصلاحي مسعود بازشكيان كتب لأمين عام حزب الله أن "حركة المقاومة" الشيعية في الشرق الأوسط لن تسمح لـ"السياسة الإجرامية" الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بالاستمرار.
  • بهذه الأفعال، تقرّب إيران الحرب من أراضيها. هل هذا ما قصده الفرس؟ إيران لم تكن مستعدة لتجاهُل اغتيال مسؤول إيراني كبير في قلب دمشق، وحاولت في نيسان/أبريل وضع معادلة جديدة، من خلال ضربة واسعة من أراضيها، عندما أطلقت مئات الصواريخ في اتجاه إسرائيل. لقد تم الرد على المعادلة، بحسب مصادر أجنبية طبعاً، عبر عملية عسكرية ضربت إيران نفسها. كانت عملية رادعة محدودة، وفيها رموز، وها نحن في معادلة متبادلة جديدة، بالعبرية والفارسية.
  • بعدها جاء اغتيال هنية، القائد السياسي الفلسطيني الذي كان ضيفاً في طهران، ويتردد كثيراً على إيران، واعتقد مع مضيفيه أنه سيكون لديه حصانة في العاصمة الإيرانية. الاغتيال ترك الفرس أمام معضلة- كيف سيكون الرد الإيراني، وهذه المرة، سيكون منسقاً مع أذرع إيران، وهو ما يمكن أن يدفع إلى ردّ إسرائيلي وأميركي، و"جرّ" القتال إلى طهران، مع إمكان إلحاق ضرر حقيقي بالسيادة الإيرانية، وقدراتها، وأيضاً مفاعلاتها النووية. حتى كتابة هذه السطور، لم يأتِ الرد بعد، لا من إيران، ولا من حزب الله في الشمال، أو الحوثيين في اليمن، وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر وارد طبعاً.

مصالح متضاربة أيضاً داخل "محور المقاومة"

  • من دون قصد، فانتازيا السنوار وحلمه يتقدمان. إنه ينجح، بالتدريج، في جرّ المنطقة برمتها إلى حرب إقليمية في لبنان واليمن وطهران. هذه ليست فقط فانتازيا "حماس"، بل أيضاً كابوس القادة الإيرانيين- مواجهة مباشرة وفورية إسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة، ضد أذرع إيران، وحتى ضد النظام نفسه، ومفاعلاته النووية.
  • الاستراتيجيا الإسرائيلية حاولت وضع حدود للمعركة من أجل تركيز الجهد في حسم عسكري مع"حماس" وتفكيكها، كجهة حكومية في قطاع غزة. إسرائيل لم تنجح في الضرب في جبهة واحدة وشن معركة شاملة موجهة ضد عدو واحد. إن فتح الجبهة الشمالية واغتيال قادة حزب الله، وإجلاء سكان الجليل،أمور كلها منحت العدو إنجازاً كبيراً، ليس فقط لنصرالله، بل أيضاً للسنوار في القطاع.
  • هل يمكن أن يتحقق حلم السنوار على حساب وكلاء إيران؟ وهل من مصلحة إسرائيل الآن العمل ضد إيران نفسها في المكان الأكثر حساسية ؟ هل ستنجح إسرائيل في "استغلال الفرصة" وبلورة واقع أمني جديد على الحدود اللبنانية ؟ هل يمكن العمل بنجاعة ضد استراتيجيا الأذرع الإيرانية ؟ الجيش والمنظومة الأمنية يعملان منذ أكثر من عقد من أجل إلحاق الضرر بأذرع إيران وسلسلة التزويد، عبر "المعركة بين الحروب"، وتنفيذ عمليات سرية، وتقليص قدرات العدو. هل تحقيق حلم السنوار هو بمثابة كابوس للخامنئي، وأيضاً كابوس للمنطقة برمتها ؟
  • من أجل الامتناع من اللعب لمصلحة السنوار وتحقيق أحلامه، والتعامل مع دول المنطقة، في الوقت نفسه، سيكون من الصواب أن تنهي إسرائيل عملها، أولاً ضد "حماس"، وأن تدفع في اتجاه تحرير الرهائن، وبذلك، تحقق الأهداف المعلنة (وبتأخير كبير). علينا أن نركز على الحسم ضد "حماس" وإعادة النازحين إلى منازلهم وإبعاد حزب الله عن الحدود في الشمال وبدء مسار الترميم والنهوض. الاستراتيجيا الإسرائيلية تقضي بعدم تحقيق أحلام السنوار.
  • الرد الإسرائيلي الصحيح سيكون من خلال توضيح رادع للكابوس الذي سيلحق بطهران وخامنئي، إذا سُمح للسنوار بجرّ المنطقة كلها إلى حرب كبرى. إذا بدا هذا مغرياً من جانب إسرائيل، ففكروا مرة أُخرى. الصعوبة التي نواجهها عسكرياً مقابل العدو الأضعف في المنطقة "حماس"، والتعقيد المستمر في مواجهة العدو القريب في الشمال (حزب الله)، سيدفعان إسرائيل إلى استراتيجيا تسلسلية، وليس إلى القيام بعملية موازية تحقق أحلام السنوار. سيكون على إيران وعلينا أيضاً أن نقرر: تحقيق حلم السنوار بحرب كبيرة، أم كابوس إقليمي.
 

المزيد ضمن العدد