عندما يتصاعد "الإرهاب" في الضفة الغربية، يزيد اليمين المتطرف في صبّ الزيت على النار، وهذا ما قد يؤدي إلى انفجار
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
-
-
-
- منذ يوم أمس، ينفّذ الجيش الإسرائيلي ثلاث عمليات عسكرية كبيرة في شمال الضفة الغربية في كلٍّ من مدينة جنين، ومخيم الفارعة الواقع في غور الأردن، ومخيم نور شمس القريب من طولكرم. وخلال أقل من 24 ساعة، تواترت أخبار عن مقتل عشرة فلسطينيين بنيران إسرائيلية. إن كثافة هذه العمليات تعكس ارتفاعاً كبيراً في عدد التحذيرات المتعلقة بقرب وقوع هجمات، لكن التوتر يزداد أيضاً بسبب مساهمة إسرائيلية تأتي من داخل الحكومة. إذ إن المؤسسة الأمنية قلقة من تأثير الاستفزازات التي يقوم بها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في الحرم القدسي. هذا إلى جانب ازدياد هجمات مستوطنين متطرفين على القرى الفلسطينية، في الوقت الذي يشعر المستوطنون أنهم يتمتعون بدعم من ممثليهم في الائتلاف الحكومي.
-
-
- الاشتباك في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر يُعتبر الأعنف، منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، تقريباً في سنة 2006. ومع ذلك، فإن الحرب المشتعلة في قطاع غزة، وعدد القتلى الفلسطينيين الكبير في الضفة الغربية (أكثر من 600 خلال عشرة أشهر ونصف الشهر)، لم يدفع بعد الجموع الفلسطينية في الضفة إلى المشاركة في الصراع، مثلما حدث في الانتفاضتين السابقتين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخليط المتفجر الحالي يقرّب الضفة الغربية من نقطة غليان جديدة. هناك نقاش طويل يدور بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار قادة المؤسسة الأمنية بشأن الوقت المناسب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتقليص الجهود الهجومية هناك، والتركيز على الحدود اللبنانية، بالتزامن مع الجهود التي تُبذل لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة والشمال. لكن هذا النقاش، أصلاً، يعتمد على الافتراض أن الضفة الغربية ستظل جبهة ثانوية. إن كثافة القتال هناك، وعدد الهجمات في الضفة، والتي يستهدف بعضها وسط إسرائيل (مثل الهجوم الذي نفّذه فلسطيني من نابلس في حيّ "هتكفا" في تل أبيب في منتصف الشهر)، أمور كلها قد تحوّل الضفة الغربية إلى جبهة رئيسية في الحرب. ينشر الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية الآن 19 كتيبة، منها سبع كتائب متموضعة في مناطق التماس (إلى جانب الكتائب الإضافية التابعة لسلاح حرس الحدود العاملة هناك[1]). في بداية الحرب، كان هناك 30 كتيبة تابعة للجيش، وفي ذروة الانتفاضة، كان هناك أكثر من ضعف هذا العدد. وأيّ تصعيد خطِر في الضفة سيتطلب ضخّ قوات إضافية، وفرض مزيد من الضغط على منظومة الاحتياط المُستنزفة فعلاً، بسبب الحاجة إلى حماية حياة نحو نصف مليون إسرائيلي.
- إن جوهر التهديد، بالنسبة إلى إسرائيل، كامن في شمال الضفة، وخصوصاً في مخيمات اللاجئين. قبل عامين، انطلق في نابلس شكل جديد من التنظيم المحلي الذي أطلق على نفسه اسم "عرين الأسود". لقد خفَتَ الصراع العسكري في المدينة إلى حد ما، بعد مقتل، أو اعتقال معظم كبار المسؤولين في التنظيم. لكن في جنين وطولكرم ومخيمات اللاجئين حولهما، هناك نهوض كبيرة للخلايا المسلحة التي تستوحي عملها من الحرب في غزة، والتي ترتبط، أحياناً، ارتباطاً مباشراً بحركة "حماس". وهناك جزء كبير من الأموال والتوجيهات والأسلحة يأتي من الخارج: من إيران، ولبنان، وسورية، وتركيا، عبر مقرات التنظيمات في الخارج.
- إلى ذلك، إن كون الحدود الشرقية مع الأردن إلى الضفة الغربية مفتوحة تماماً، يسهّل عمل شبكات التهريب. وفي السنوات الأخيرة، تدير إيران وحزب الله جهداً منسقاً لتهريب المتفجرات والأسلحة إلى الضفة، ويبدو أنهما يحققان نجاحاً كبيراً. هناك نقطة ضُعف أُخرى تتعلق بمنطقة التماس،[2] فالجدار الذي تم بناؤه قبل حوالي عشرين عاماً، خلال الانتفاضة الثانية، تم إهماله على مر السنين، وفقد فعاليته، وعلاوةً على ذلك، هناك ثغرات في هذا الجدار لم يتم إغلاقها قط. لا يواجه الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشين بيت" منطقة يمكن إحاطتها واحتواؤها، بل يعملان في ساحة مفتوحة، حيث يزداد عدد المسلحين والأسلحة، وكذلك جاهزية القتال، وبصورة خاصة منذ اندلاع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر. كل هذا يتكامل مع إصرار عناصر اليمين على صبّ الزيت على النار بشكل متواصل. أمّا الحرم الشريف، فهو على الأرجح أكبر مصدر محتمل للانفجار.
المطاردة مستمرة في القطاع
- وفّرت مسألة إنقاذ حياة فرحان القاضي، أمس الأول، لحظة نادرة من ارتفاع الروح المعنوية الإسرائيلية. لقد اعتمد النجاح في هذه المرة على كثير من الحظ. فوفقاً لرواية الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي قامت قوات من الفرقة 162 بتمشيط شبكة متشعبة من الأنفاق في جنوب القطاع على مدار أيام، فرّ حراس القاضي وتركوه محبوساً داخل غرفة صغيرة فيها ماء وقليل من الطعام. سمع القاضي الجنود يدخلون إلى النفق، فصرخ باللغة العبرية، طالباً المساعدة. وهكذا، انخفض عدد الرهائن المحتجزين في غزة، بعد انتشال جثة الجندي، الذي قُتل في 7 أكتوبر، في جنوب القطاع أمس، إلى 107. نصف هؤلاء تقريباً لم يعد في قيد الحياة.
- تعبّر العمليتان الأخيرتان عن تحسُّن معين في نتائج مجهود إعادة الرهائن، لكن لا يمكننا أن نتجاهل أنه، حتى الآن، لم يتم إطلاق سراح سوى ثمانية رهائن أحياء والعثور على رفات أكثر من عشرين رهينة. في كل عملية من هذه العمليات، يتم بذل جهد استخباراتي وعملي هائل، يشمل خطراً يتهدد حياة الجنود (وهو يرتفع خلال عمليات إنقاذ الرهائن الأحياء). في كثير من الأحيان، يتم تأجيل، أو تعديل عملية ما، خوفاً من المساس بحياة الرهائن خلالها، ومع ذلك، بات من المعروف أن عدداً من الرهائن قُتل خلال الهجمات الإسرائيلية نفسها.
- إن عملية إنقاذ القاضي هي العملية الأولى التي تشمل إنقاذ رهينة حية من داخل نفق. وأصبح هذا ممكناً لأن حراسه لاذوا بالفرار. في معظم الحالات، تضع "حماس" حراسة مشددة على الرهائن، ونحن نعلم بأن هناك رهائن قُتلوا على أيدي خاطفيهم عندما اقتربت قوات الجيش الإسرائيلي منهم. ومع ذلك، تضاف العملية في جنوب القطاع إلى سلسلة من التحركات في الآونة الأخيرة، والتي جددت الضغط العسكري على "حماس". لقد باتت "حماس" تفقد السيطرة على بعض شبكات أنفاقها، في حين يشعر قادتها، الذين ظلوا في قيد الحياة، بأنهم ملاحَقون. وفي المناطق التي يدور فيها القتال العنيف بشكل أكبر، مثل رفح (وفي الآونة الأخيرة، في خان يونس مجدداً)، تجد قيادة كتائب القسّام صعوبة في الحفاظ على الحد الأدنى من السيطرة على العمليات، وتُترك القرارات للقيادة الضابطية في الميدان. فضلاً عن استبدال جزء كبير من التسلسل القيادي العسكري في "حماس"، بسبب مقتل وإصابة كبار القادة.
- من الواضح أن إسرائيل لا تزال تبذل جهداً كبيراً في محاولتها قتل زعيم "حماس" يحيى السنوار، أو القبض عليه. لكن هذا لن يشكل، بالضرورة، خطوة حاسمة في الحرب (فلطالما تجاوزت "حماس" صدمة اغتيال قادتها في السابق)، لكن مثل هذا العمل، إن نجح، فسيحمل قيمة كبرى لأن السنوار هو مَن خطط لـ"المذبحة" مع محمد الضيف. فإذا ما نجحت هذه المساعي، سيتم إنجاز مهمة القضاء على المجموعة القيادية التي قادت الهجوم "الإرهابي". لكن الأثر الذي ستتركه هذه التطورات، إذا ما حدثت أخيراً، في المفاوضات بشأن صفقة الرهائن، ليس واضحاً. فحالياً، السنوار هو مَن يقود المفاوضات، وهو مَن يقود التيار المتشدد في "حماس".
___________
[1] تشكيل شرطي شبه عسكري، يتبع وزير الأمن القومي، لا وزارة الدفاع، ومسلح بأسلحة أوتوماتيكية تقنية، ومدرب تدريباً عسكرياً، مؤتمن على العمل داخل الضفة الغربية وفي مناطق التماس.
[2] الحدود الفاصلة ما بين الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل.