نتنياهو وحكوماته يديرون الصراع مع اليمين المتطرف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • "كيف سيعلم، إذا كانوا لا يقولون له شيئاً"؟ هذا ما قالته سارة نتنياهو في نهاية الأسبوع الماضي على مسامع مخطوفة عادت من أسر حركة "حماس"، والتقت رئيس الحكومة، وسألته بغضب لماذا لا يتحمل المسؤولية عن خراب السابع من تشرين الأول/أكتوبر؟ هذا ما شددت عليه زوجة رئيس الحكومة؛ فبعد أن اتضح له بسرعة حجم الكارثة التي سقطت على الدولة: الجيش قال له إن "حماس" مرتدعة؛ السياسة التي اتّبعها في مقابل غزة وقياداتها حصلت على الدعم الكامل من أجهزة الأمن. لا يوجد أيّ جهة سلطوية في إسرائيل طرحت بديلاً من السياسة المقررة، التي كانت قائمة على "إدارة" الصراع مع الفلسطينيين (ومن ضمنهم "حماس")، بدلاً من محاولة حلّه من الجذور. هذا الموقف الجارف هو الذي أحاط نتنياهو وحكوماته خلال العشرين عاماً الماضية، وكانت القيادة الأمنية شريكة. والآن، جميع المسؤولين عن هذه الرؤية التي أعمتهم يعترفون بخطئهم.
  • ولا بد من القول إنه مع "شبيبة التلال" في الضفة الغربية وكتائبها الفاشية داخل إسرائيل، اختار نتنياهو وحكوماته أيضاً "إدارة" المواجهة وعدم اجتثاثها من الجذور، وما زالوا مستمرين في ذلك في هذه الأيام أيضاً، حتى لو كانت إسقاطات هذه الطريقة كارثية على مستقبل الدولة، وتبدو واضحة، يوماً بعد يوم.
  • وكما هي الحال مع "حماس"، فإن الكهانية أيضاً هي فكرة في نهاية المطاف. لقد تحولت الأيديولوجيتان إلى حركتَين منظمتَين يقودهما متطرفون. "حماس" نمت داخل الجمهور الفلسطيني من حركة صغيرة إلى حركة جماهيرية. والكهانية تحولت داخل المجتمع الإسرائيلي من مجموعة صغيرة ومنبوذة إلى حزب معروف له وجود يتعزز أيضاً.
  • الكهانية تطورت من فكرة لشخص واحد جمع حوله بعض التابعين، ثم التوجه إلى العمل السياسي الشرعي، كما يبدو، وحتى تبنّي القومية الدينية الكارهة التي لا توفر أيّ أداة قاتلة، من أجل الوصول إلى أهدافها. إسرائيل اختارت التعامل مع التحدي الذي فرضته "حماس" بالاحتواء. ومنذ وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في سنة 1996 وحتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، اختارت إدارة الصراع على مدار 16 عاماً مع هذا العدو الخطِر - بدلاً من إبادته.
  • وعندما كان بعض السياسيين والجنرالات يشكّك في هذه السياسة، بين الحين والآخر (مثل نفتالي بينت خلال النقاش بشأن حملة "الجرف الصامد" في سنة 2014)، امتنع رئيس الحكومة من إجراء أيّ تغيير حقيقي. بل بالعكس، لقد طوّر الوهم بأن "حماس" عدوّ مرتدع يمكن استغلال مواقفه من أجل تحقيق أهداف حقيقية ودبلوماسية وأمنية مهمة لإسرائيل. وفي هذا الوقت، كانت "حماس" تحفر في غزة، وتبني شبكة أنفاق متشعبة، يُقتل جنود إسرائيليون يومياً، من أجل تفكيكها.
  • وارتفع عدد "شبيبة التلال" من مئات "الأعشاب الضارة" في الضفة الغربية إلى حركة استيطانية مسلحة ومصممة، تحتل كل يوم مزيداً من الأراضي، وتقيم مزارع وبؤراً، وتحدد مناطق أمنية، ومساحات للرعي. إن الحكومة برئاسة نتنياهو، ترى ما يجري، لكنها تتجاهل معناه والإمكانات الهدامة الكامنة فيه.
  • إنها تتجاهل الخروق الفجة التي يقوم بها هذا الجمهور، وتتجاهل أيضاً العمليات التي ينفّذها هذا التيار في القرى الفلسطينية البسيطة، ولا تدفع بالسلطات المختصة لإنفاذ القانون وتقديمهم للمحاكمة. وكما هي الحال مع "حماس" حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023، فإن نتنياهو يختار الطريقة نفسها مع "شبيبة التلال"، ويعمل على إخماد موقع الاشتعال موضعياً، بدلاً من إخماده نهائياً.
  • ومثل "حماس"، تطورت الكهانية إلى جسم جماهيري كبير استقطب عدداً كبيراً من الناخبين، ونجح في السيطرة على مواقع السلطة. وما كان يسمى "شبيبة التلال"، تحول اليوم إلى حزب "قوة يهودية" ["عوتسما يهوديت"] الذي يحصل في الاستطلاعات على ما بين 10 و12 مقعداً، وله ممثلون كبار في الحكومة، وأيضاً في مؤسسات الدولة. لقد تحول التيار اليميني المتطرف إلى قوة سياسية كبيرة تنجح في السيطرة على رئيس الحكومة والرقص معه. في هذه الظروف، لا يوجد احتمال لينضج نتنياهو ويتبرأ منهم.
  • ولفهم هذه المصيدة، يجب العودة إلى صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. إن المفاجأة الصارخة والصدمة والخوف والمعاناة التي أعقبته هي مجرد بداية لِما سيحدث هنا صباح اليوم الذي سيحتد فيه الصراع الداخلي، وستقرر الحركة الفاشية الإسرائيلية، الكهانية، أن الوقت حان لفرض رؤيتها على الجمهور برمته. وإن الثمن الذي تدفعه إسرائيل بسبب "إدارة" الصراع مع "حماس" سيكون هامشياً، مقارنةً بالثمن الذي سندفعه حين تندلع حرب أهلية هنا.

 

 

المزيد ضمن العدد