فصول من كتاب دليل اسرائيل
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من الصعب أن يبالغ المرء في تقييم أهمية شهادة رئيس المعارضة يائير لبيد أمام لجنة التحقيق المدنية في إخفاقات 7 تشرين الأول/أكتوبر. فهو يسرد الإحاطات التي تلقاها بالتفصيل؛ والمعلومات الاستخباراتية التي اطّلع عليها؛ والتحذيرات التي سمعها؛ والمحادثات التي أجراها مع "الجهات" المعنية – وكل ذلك خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، منذ صيف 2023. كل شيء كان موجوداً هناك. لقد كان المكتوب ظاهراً من عنوانه، وكان المسار المؤدي نحو الكارثة واضحاً. لكن من هو الذي لم يكن يعلم؟
- يذكر لبيد تواريخ وأسماء وأماكن محددة. بيْد إن حزب الليكود شعر فوراً بالتوتر، فقام من فوره بإطلاق سلسلة من الهراءات، مثل "لبيد الذي يهدد أمن إسرائيل، والذي قدّم الغاز هدية لحزب الله" (وهو أمر غير صحيح بالمناسبة). فحتى الأكاذيب التي يروّجها هؤلاء تتكرر بصورة مملة.
- الصورة التي رسّختها الشهادة المثيرة للقشعريرة التي قدمها لبيد: مرعبة. وهي تثبت لنا أن نتنياهو لن يشكّل لجنة تحقيق رسمية مطلقاً. لم تتغير شعارات الليكود وإعلاناته بشأن التحقيق في الإخفاقات على مدار الـ11 شهراً الماضية، وهي لا تزال تحمل الصيغة المراوِغة نفسها التي تُمليها قيادة الحزب، بعبارات على شاكلة "بعد الحرب، سيكون هناك وقت لطرح الأسئلة". في الواقع، وطبعاً، لا ينوي نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق، ولا حتى لجنة تحقيق حكومية، لكنه في الوقت نفسه، لا يريد أن تشكل أيّ حكومة تخلفه هذه اللجنة. ولذلك، فإننا ننتظر إلى "ما بعد الحرب"، وهي الحرب الأطول في تاريخنا. ألم يقُل أسلافنا في قديم الزمان إن العجلة من الشيطان؟
- في هذه الأثناء، يحاول الليكوديون، من باب الاحتياط، انتزاع صلاحية تعيين اللجنة المستقبلية من رئيس المحكمة العليا؛ أو يحاولون وضع القاضي يوسف إلرون، المفضل لدى جماعة الانقلاب القضائي، على كرسي رئاسة المحكمة العليا. ربما يقوم بتعيين طاليا أينهورن وكينرت براشي ومئير بن شبات [من أنصار الحكومة] في اللجنة. هؤلاء لن يتركوا حجراً على حجر: فلبيد، ونفتالي بينت، وشمعون بيرس، وأرييل شارون، وجماعة "إخوة في السلاح"، وأهرون باراك [رئيس المحكمة العليا السابق]. هؤلاء جميعاً سيتم تحميلهم المسؤولية [باستثناء نتنياهو].
- الحجة الوحيدة الصالحة التي يمتلكها نتنياهو هي أن أحداً لم يوقظه ليلة 6-7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يشبه التحقيق في كارثة صعود النازيين واندلاع الحرب العالمية الثانية، استناداً إلى معلومات استخباراتية بولندية غير مكتملة، صدرت بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 1939، من دون الإتيان على ذِكر دور رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين.
- لذلك، ما زلنا حتى الآن، عالقين في عملية التحقيق المتعثرة التي يُجريها مراقب الدولة [المتهم بولائه لنتنياهو]، والتي تستدعي منا التشكيك فيها بصورة تلقائية، ولدينا لجنة التحقيق المدنية، التي شُكلت نواتها من عائلات الضحايا والمختطفين في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ومع تصاعُد تأثير هذه اللجنة، سنشهد الهجمات المألوفة من مراكز القيح الليكودي، المألوفة لنا جميعاً: "فمن هو الذي سيحقق مع المحققين"؟!
- هذا ليس كل شيء. لقد أصبح التحقيق في الإخفاقات أمراً حيوياً، وبصورة خاصة في ظل مسار الحرب الذي لا نهاية له، والذي يخلو من أيّ رؤية استراتيجية عسكرية. بل إن مسار الحرب يعتمد فقط على بقاء نتنياهو على كرسي الحكم؛ وخصوصاً عندما يتوافق ذلك مع الاعتقاد الديني الذي يقول إن نتنياهو هو الذي سينقذ إسرائيل. كيف يمكن تصديق كل هذا الهراء؟ إن أفضل مَن يمكنه خداع بنيامين نتنياهو هو بنيامين نتنياهو نفسه؟ ولهذا، فهو بارع في ذلك. دعونا نطلق على طريقته في العمل اسم "طريقة سبينيسلافسكي"[1].
- لقد تجلى هذا الأمر في التسجيلات المأخوذة من اللقاء الذي جمع نتنياهو وعقيلته بناجيات من الأسر (حسبما قدمته يولان كوهين في أخبار القناة 12). لاحظنا في تلك التسجيلات مونولوجاً لنتنياهو لم يحظَ بالاهتمام الذي يستحقه. إذ إنه اختار، رداً على توسلات النساء توقيع صفقة لإنقاذ الرهائن، أن يصور نفسه بأنه "حامي أمن إسرائيل".
- ليس حامي إسرائيل من "مذبحة" 7 تشرين الأول/أكتوبر. فهذا الخبر قديم. بل قال لهن: أين ما حدث لنا في 7/10 مما حدث لنا خلال المحرقة النازية؟ لقد كان اليهود يموتون في المحرقة النازية أكثر بـ 4500-5500 ضعف من الذين ماتوا في 7/10، وبصورة يومية!
__________
[1] تلاعُب بالألفاظ، يشير إلى "طريقة ستانيسلافسكي"، وهي طريقة معروفة في التمثيل، طوّرها قسطنطين ستانيسلافسكي، المخرج والممثل الروسي الشهير. هذه الطريقة تعتمد على تمثيل الشخصيات بصدق، وتتقمص أدوارها بشكل يتماشى مع واقع الشخصية. في سياق المقال، يمزج الكاتب بين كلمة spin في العبرية المحكية، بصفتها ألاعيب حواة، ومرتبطة بالخطاب الصحافي النقدي بأنها جزء من مهارات نتنياهو في اختراع الأكاذيب و"اللطشات" الإعلامية، والتلاعب بالواقع وتقديم نفسه بطريقة مقنعة، كأنه يمثل دوراً، حتى إنه يستطيع إقناع نفسه بالكذب الذي يقوله. يسخر الكاتب من هذه القدرة، مشيراً إلى أن نتنياهو يجيد "التمثيل"، أو التلاعب بالواقع لدرجة أنه يصدق نفسه.