التحرش الجنسي بالفلسطينيات على حواجز الجيش لا يجب أن يكون مفاجئاً
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- كشف تقرير كتبته الصحافية هغار شيزاف، ونُشر اليوم، شهادات لمواطنات من الخليل يدّعين أنهن تعرّضن لتحرش جنسي من جنود الجيش الذين يسيطرون على الحواجز في الطرقات التي يتوجب عليهن المرور فيها. إحدى الشهادات تقول إن الجندي خلع ملابسه أمامها، وأُخرى قالت إن جندياً أرغم فتاة على سماع محادثة هاتفية مليئة بالألفاظ النابية، وأُخرى عن جندي أغلق أبواب الحاجز وأرغم الفتاة على الذهاب والإياب أمامه كي ينظر إليها.
- التحرش الجنسي بالفلسطينيات من جنود الجيش على الحواجز لا يجب أن يكون أمراً مفاجئاً: بحسب عدد كبير من الشهادات، لقد استخدمت أجهزة الأمن التحرش والتهديدات والابتزاز الجنسي دائماً خلال التحقيق مع الفلسطينيين؛ ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن الضرر الجنسي بات نوعاً من "العقاب" والانتقام مما قامت به "حماس" من أفعال "إجرامية"، وأصبح شائعاً. وأكثر من ذلك، فهناك استخدام إجرامي للأدوات الجنسية بهدف إزعاج الفلسطينيين واستعادة الكرامة القومية، حاز شرعية ودعم المخالفين الذين طالبوا بعدم محاكمة المتهمين بعمليات اعتداءات جنسية، وتم تطبيع ذلك على يد ممثلي الجمهور والناطقين الرسميين باسم آلة السم التابعة لرئيس الحكومة.
- لم يقف أيّ مسؤول من القيادة أمام الجمهور ليقرّ بصورة واضحة بأن التعذيب الجنسي ممنوع دائماً، منعاً باتاً، ولا يهم مَن هم الأطراف وماهية الظروف. لم يضع أحد منهم خطاً أحمر وقال بوضوح إن اختراقه ممنوع. سمعنا إدانات خجولة، في الأساس عن اختراق القاعدة العسكرية والتهجم على النيابة العسكرية. إذاً، ما المستغرب هنا عندما يتحرش الجنود على الحواجز، بحسب ادعاءات الفلسطينيات اللواتي يعبرنها؟
- يمكن أن نتوقع أن تسقط قضايا التحرش الجنسي بين الجهات المختلفة، من دون أن يتعامل أحد معها: مَن يتعامل مع قضايا التحرش والاعتداءات الجنسية يفضّل اعتبارها قضايا عسكرية، أو سياسية، تخضع لمجال الاحتلال، أو الحرب، وليس الجندر؛ ومَن يتعامل مع الاحتلال وسلوك الجيش والحرب - سيعتبرها قضايا هامشية. فما معنى التحرش من دون اغتصاب أمام ممارسة أفعال شائنة وعنيفة ضد أسرى مكبلين وعيونهم مغطاة؟ ما معنى إرسال قبلة، أمام تهجير مجتمعات من أراضيها، وحرق مركبات، وتدمير حقول، وضرر بالمواشي؟
- الشهادات بشأن التحرشات الجنسية على الحواجز تدمج ما بين التحرش الجنسي واستغلال السلطة للإساءة. والمفروض أن نكون تعلمنا كمجتمع أن هذا المزيج يضاعف الضرر؛ عندما يكون الإنسان صاحب قوة اقتصادية، أو مؤسساتية، أو مكانة مرتفعة، ويفرض نفسه جنسياً على مَن هم أقل منه شأناً، فإن هذا المزيج يزيد في خطورة الضرر.
- جزء كبير من النهوض الجماهيري الواسع الذي سُمّي Me To ، كان يركز على اندماج القوة والمكانة والاعتداءات الجنسية. قبل ذلك بوقت طويل، أُقرّ في إسرائيل بأن مكانة رئيس الدولة موشيه كتساف، أو الوزير الكبير يتسحاق مردخاي سمحت لهما بإلحاق الضرر الجنسي بعدد كبير من النساء، وأن فائض القوة لديهما حوّلهما إلى مفترسَين، واعتداءاتهما صعبة. فهمنا أيضاً أن القوة الجماهيرية الكبيرة جداً للحاخامات، مثل إسرائيل تاو أو موتي ألون، جعل الضرر الجنسي أخطر.
- ما يمنعنا من الاستمرار في طريقنا، ويصعّب علينا رؤية مضاعفة القوة هذه هو الانتماء إلى الجماعة. فالذين تعاطفوا مع موشيه كتساف، كان سبب تعاطُفهم أنه شرقي - ورفضوا رؤية خطورة الضرر الذي ألحقه؛ والذين تضامنوا مع الحاخامات، رفضوا النظر إليهم على أنهم معتدون جنسياً. من الواضح أن التضامن مع جنود الجيش الإسرائيليين اليهود الذين يقومون بمهماتهم الخطِرة في مناطق عدائية - سيصعّب على كثيرين من الإسرائيليين والإسرائيليات تصديق الشهادات، وخطورتها. سيكون من السهل أكثر التشكيك والتجاهل، أو حتى احتضان الجنود المعتدين، مثلما تم احتضان الإسرائيليين الذين اغتصبوا فتاة بريطانية في قبرص.
- إلا إن التحرش هو تحرش، واستغلال ميزان القوى يزيد في خطورته. المرأة الفلسطينية التي تعبر الحاجز تكون في علاقة قوة مختلة لمصلحة الجندي المُسيطِر. إنها "تتعلق" كلياً بهذا الجندي، وتحتاج إليه، وتتخوف منه بشكل لا يقل، بل يمكن أن يزيد عمّن كانت تتخوف مَن كانت تحت سلطة المنتج هارفي واينستين في هوليوود. استغلال القوة التي تضعها الدولة في يد الجندي للتحرش والإذلال والسرقة والتخويف وزعزعة الشعور بالأمان تجاه نساء غير محميات هو أمر عدواني وجبان ومخجل بشكل لا يقل عن أفعال واينستين. هذا ممنوع، ويجب محاكمتهم.
- إن سيطرة رأس المال هي التي منحت واينستين القوة الكبيرة، وكذلك النيو ليبرالية التي سمحت له بمراكمة قوة كبيرة غير محدودة تقريباً. أمّا ما يمنح الجنود القوة على الحواجز بهدف الإخافة والتحرش، فهي دولة إسرائيل. إذا كان هناك مَن يحتاج إلى إثبات أن الاحتلال فاسد - فها هو. لا يوجد ما يمكن أن يغلق الفجوة الكبيرة جداً بين قوات أسياد الحواجز وبين النساء اللواتي يعبرنها سوى إزالة هذه الحواجز، مع إزالة الاحتلال. وما دامت إسرائيل ترفض إنهاء الاحتلال وتريد أن تكون محتلة أخلاقية - فعليها التعامل بجدية مع هذه الشهادات التي يحتاج الإدلاء بها إلى شجاعة كبيرة، وأن تحاكم الجنود.
- قبل عام، في صيف 2023، بادر نواب حزبَي "قوة يهودية" و"إسرائيل بيتنا" إلى تغيير القوانين التي تعتبر أن التحرش الجنسي، على خلفية قومية، هو أخطر من التحرش الجنسي الآخر - كالتحرش من طرف رئيس، أو وزير كبير، أو معالج نفسي، أو حاخام. ومنذ ذلك التعديل، يتم التعامل مع التحرش على أساس قومي، وأنه أكثر خطورةً، وبسببه، يمكن الحصول على تعويض مضاعَف للمتضررة. يبدو أن تحرش جنود الجيش في الحواجز وابتزازهم الجنسي للمارّات، دوافعهما قومية. وتعديل القانون يسمح بمحاكمتهم والحصول على تعويض مضاعَف.