الضغط العسكري؛ ليس فقط لا يحرر المخطوفين، بل يقتلهم أيضاً
تاريخ المقال
المصدر
- الخبر المحزن بشأن مقتل 6 من المخطوفين في الأسر، بعد 10 أشهر من العذاب، والعثور عليهم في نفق بعُمق 20 متراً، يضاف إلى سلسلة من الأنباء المؤلمة خلال الأسبوع الماضي. تقريباً، كل يوم، يُقتل جنود في غزة والضفة والشمال. عدد المخطوفين الأحياء يقلّ بصورة مستمرة. والأسوأ - صحيح أن "حماس" هي مَن يضغط على الزناد، إلّا إن أفعال إسرائيل هي العامل الرئيسي المساعد في موت مواطنيها وجنودها.
- تنهار الأوهام التي يحاول رئيس الحكومة وأجهزة الأمن والإعلام بيعنا إياها منذ 6 أشهر على الأقل. الضغط العسكري لا يدفع إلى تحرير المخطوفين، إنما إلى موتهم. لقد تمت إعادة 8 مخطوفين أحياء إلى إسرائيل في عمليات عسكرية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وقُتل العشرات نتيجة هذه العمليات، إمّا بيد آسريهم، وإمّا بسبب نيران الجيش. كرمل غات، وعيدن يروشالمي وهريش غولدبرغ - بولين، وألموغ سروسي وألكس لوفنوف وأوري دانينو كانوا سيبقون في قيد الحياة لولا عمليات الجيش؛ بعضهم كان سيعود إلى المنزل، لو لم توقف إسرائيل صفقة التبادل الوحيدة التي كانت حتى اليوم، بادّعاءات "مهنية"، مطروحة على الطاولة منذ أكثر من شهر.
- لا يقترب الجيش من إخضاع "حماس"، أو تفكيكها، أو أيّ كلمة أُخرى فاقدة للمعنى. هل جرى تفكيك لواء رفح؟ بقايا اللواء تدير حرب عصابات تذكّرنا بلبنان في سنة 1983. كل يوم، يُقتل جنود بسبب العبوات والقنص والاشتباك مع خلايا "مخربين" يصطدم بهم الجنود خلال التمشيط، أو في الميدان، من دون هدف. كل يوم، نقترب من أمنية سموتريتش وأشباهها، وستكون إسرائيل مسؤولة فعلياً عن مصير مليونَي نسمة، في الوقت الذي تعود "حماس" إلى بناء قوتها، كجهة مدنية قوية تسيطر على حياة الغزيين، حتى في المناطق التي احتلها الجيش أكثر من مرة. يجري هذا على جانبَي محور "نيتساريم"، وهو الرمز الأمني الإسرائيلي الذي لا أهمية له. وأيضاً ستفقد إسرائيل بقايا الشرعية الدولية ورغبة الولايات المتحدة في البقاء في المنطقة. سيستنزف الجيش معظم القوات النظامية والاحتياط.
- لن يعود سكان الشمال إلى بيوتهم في 1 أيلول/سبتمبر. مَن يتخيل ويحلم بحرب حاسمة في لبنان، فليتفضل ويتخيلها، لكن عليه، على الأقل، أن يأخذ المعطيات الحقيقية بعين الاعتبار. يمكن أن يدمر الجيش لبنان بالقنابل، ويحوله إلى رماد، وأن يتقدم حتى الليطاني. لكن هذا لن يوقف نيران حزب الله التي ستُلحق دماراً غير مسبوق بمناطق كبيرة في إسرائيل. ومن أجل السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم، سنكون بحاجة إلى قوات كبيرة تبقى في الجنوب اللبناني (لا يوجد اليوم "جيش لحد" الذي سيطر فعلياً على أغلبية الحزام الأمني)، من دون تاريخ نهاية، وسنكون على موعد مع الهجمات نفسها التي شهدناها هناك على مدار 15 عاماً. على الرغم من اللهجة المراهقة، فإنه لا يوجد أحد من القيادة السياسية، أو الأمنية، يريد هذا المسار، وهو ما كان واضحاً أيضاً في التعامل مع ردّ الحزب على اغتيال فؤاد شُكر، قبل نحو أسبوعين.
- هذا كله يتماشى مع مصلحة نتنياهو العليا - استمرار الحرب. هذا ما يدفع إلى تحقيق أحلام سموتريتش وبن غفير بدولة في حالة حرب دائمة، جنودها بخدمة رؤية مسيانية تستوجب التضحية بالبشر. وفي الوقت نفسه، هذا معارض تماماً لما جعل من إسرائيل دولة قوية أصلاً، وعملياتها "شرعية"، وجيشها موحد ومنتصر. هذا هو الاستنزاف (الذي يترافق بين الحين والآخر مع ضربات كثيفة من عدة جبهات) تدفعنا إلى الانهيار، بحسب رؤية الخامنئي ونصر الله.
- هناك طريقة واحدة لتغيير هذا كله: الإعلان أن إسرائيل مستعدة لوقف الحرب في غزة في هذه المرحلة، وتجهيز القوات من جديد. يمكن أن يحدث هذا من خلال صفقة، وسيؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى هدوء في الشمال، مع اتفاق على ترتيبات تسمح بعودة السكان إلى منازلهم. وبعدها السير بقوة مع "خطة بايدن" لبلورة ائتلاف إقليمي يُجهّز ليكون بديلاً من سلطة "حماس" في غزة، وأيضاً محوراً في مقابل محور منتشر في الإقليم.
- هذا ليس سهلاً، وتوجد فيه إشكاليات وفجوات، ولن يحل المشكلة مع "حماس"، أو حزب الله، ولن يلغي الحاجة إلى المواجهة مع "محور المقاومة"، وبأدوات عسكرية. وهذا أيضاً سيسمح للسنوار بالاحتفال، ولو موقتاً فقط. حتى إن هذا لا يقول بالضرورة إن السنوار، الذي يقترب من تحقيق حلمه بإشعال الشرق الأوسط برمته، سيوافق على الصفقة. لكن البديل، وهو حقيقي فعلاً، أسوأ كثيراً.
- لا يوجد ما يمكن قوله عن نتنياهو. إنه في تناقُض مصالح واضح مع الدولة التي يرأسها، ويخدمه استمرار الحرب كما هي عليه. السؤال هو أين تقف المنظومة الأمنية، وهل سنستمر في الاستماع إلى أقوال وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان عن الحاجة إلى صفقة، وعن حُكم إعدام بحق المخطوفين، لكن من دون مقولة واضحة، مفادها أن القتال في غزة، على النمط الحالي، استنفد نفسه ويجب وقفه. حتى لا نسمع ونرى هذا بالأقوال والأفعال، فإن القيادة الإسرائيلية وجيشها ليسا فقط شريكين في ترك المخطوفين والجنود ودفعهم إلى الموت، بل أيضاً يضران بمصلحة إسرائيل برمتها.