أنبوب الأوكسيجين لحركة "حماس": الخلاف يدور حول محور فيلادلفيا
تاريخ المقال
المصدر
- أكدت الأخبار المتضاربة بشأن مقتل المخطوفين الستة الأسرى لدى "حماس"، قبل وقت قصير من وصول قوات الجيش الإسرائيلي إليهم، تعقيد الجدل بشأن الصفقة. إحدى النقاط الخلافية الأساسية في هذا الشأن تتعلق بالسيطرة على محور فيلادلفيا، الواقع على الحدود بين القطاع ومصر، والذي شكّل شريان حياة للتنظيم "الإرهابي" في القطاع.
- وتشير التقديرات إلى أن "حماس" كانت تحوّل مليار دولار إلى غزة سنوياً، من خلال هذا المحور، فضلاً عن وسائل قتالية متعددة. في المقابل، وفي إطار عمليات الجيش الإسرائيلي في المحور، جرى الكشف عن حجم الأنفاق الضخم فيه. "على الأقل، تم الكشف عن 700 فتحة في رفح، و50 نفقاً يصل إلى الأراضي المصرية،" بحسب نائب المستشار القضائي الدولي د. جيل –عاد نوعام، في مناقشة جرت في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
- ما هو سبب إصرار كل طرف على السيطرة على المحور؟ ولماذا تعارض مصر الوجود الإسرائيلي هناك؟
- استناداً إلى كلام د. عيدو زلكوفيتش، رئيس برنامج دراسات الشرق الأوسط في أكاديمية عمق يزرائيل، فإن ثمة أهمية استراتيجية للسيطرة على محور يبلغ طوله 14 كلم، "السيطرة عليه تقطع أنبوب الأوكسيجين الاقتصادي والاستراتيجي لحركة "حماس"، وتمنع تهريب الأموال والسلاح، ويقول: "إن حقيقة الكشف عن عشرات الأنفاق تؤكد الأهمية التي توليها "حماس" للسيطرة على المحور، وتكشف عجز مصر وغضّ طرفها عن شبكة الأنفاق التي بنتها الحركة خلال أكثر من عشرة أعوام."
- العميد في الاحتياط يوسي كوبرفاسر، الذي تولى سابقاً رئاسة شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، وكان مديراً عاماً للشؤون الاستراتيجية، واليوم، هو باحث في معهد القدس للشؤون الخارجية والأمن، يضيف أن إصرار "حماس" على عدم بقاء إسرائيل في محور فيلادلفيا ليس عبثياً. ويتابع: "يهمّ ’حماس’ تهريب السلاح إلى الداخل، وبقاء إسرائيل في المحور سيشكل ضربة استراتيجية لها. إذا أرادت إسرائيل السيطرة، عسكرياً، على غزة مستقبلاً، فسيكون من الصعب عليها بقاء شريان حياة ’حماس’ مفتوحاً."
- يشكل محور فيلادلفيا دليلاً على العجز المصري التام بشأن كل ما له علاقة بشبه جزيرة سيناء. و"حماس" من بين التنظيمات "الإرهابية" في غزة، والتي تستغل الاقتصاد غير الشرعي في شبه الجزيرة، والذي يدرّ ما مقداره 300 مليون دولار سنوياً. خلال الفترة 2023-2024، وظّفت مصر نحو 6.5 مليارات جنيه (210 ملايين دولار) في شمال سيناء وحده، وموّلت وزارة المال المحلية نحو 44.6% من ذلك. لكن سيناء تبقى نقطة الضعف المصرية. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع نظام السيسي من أن يعارض بشدة الوجود الإسرائيلي على طول المحور، الذي يمكن أن يخدم القاهرة أمنياً أيضاً.
- يقول د. أوفير فيتنر الباحث في معهد دراسات الأمن القومي: " نشأت في السنوات الأخيرة منظومة تفاهمات بين مصر و’حماس’، بدأت القاهرة باستغلالها لمصلحتها. وأصبحت مصر الطرف الذي يمسك ’حنفية’ غزة، فهي تسيطر على عبور البضائع والأشخاص من غزة وإليها، الأمر الذي تحول إلى نشاط اقتصادي وأداة قوة سياسية. ومن المحتمل أن يكون التهريب من فوق الحدود، ومن تحتها، شكّل مصدر ربح لأطراف مختلفة في شمال سيناء، الأمر الذي خلق هدوءاً يصب في مصلحة السلطات المصرية، بعد أعوام طويلة من ’الإرهاب’ في شبه جزيرة سيناء."
- ويشرح د. زلكوفيتش أن مصر مُلزمة، ظاهرياً على الأقل، إبداء تضامُنها مع الفلسطينيين والتمسك بسيادتها على الحدود مع القطاع. ولهذا السبب، "نواجه معارضة مصرية لسيطرة الجيش الإسرائيلي على هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر مُحرجة جداً جرّاء اكتشاف شبكة أنفاق التهريب التي تصل إلى حدودها، لأنها تضرّ بصدقيتها، وبقدرتها على المحافظة على سيادتها، والسيطرة على الحدود، وفق الاتفاقات الموقّعة بينها وبين إسرائيل."
- من ناحية أُخرى، يشير د. فيتنر إلى أنه استناداً إلى "اتفاق المعابر" بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الموقّع سنة 2005، فإن إسرائيل هي التي يجب أن تكون المسؤولة عن السيطرة على الجانب الشمالي من معبر رفح. لكن بعد مرور عامين، حدث انقلاب "حماس"، و"تخوفت مصر من أن يتحول الوجود الإسرائيلي في محور فيلادلفيا من موقت إلى دائم، ولم تكن مستعدة لمنحه الشرعية. وهي تعتبر السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي للفلسطينيين، لكنها اضطرت في الأعوام الأخيرة إلى الاعتراف بواقع أن ’حماس’ هي السيد في القطاع. وبالنسبة إليها، إن ترتيبات أمنية موقتة، مثل السماح بوجود مواقع للجيش الإسرائيلي على المحور، حتى إقامة عائق تحت الأرض في الجانب المصري من الحدود، يمكن أن يتحول إلى واقع دائم، إذا انهار وقف إطلاق النار."
- هل في إمكان إسرائيل العودة إلى المحور بعد الانسحاب؟
- هل هناك ما يبرر إصرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على السيطرة على محور فيلادلفيا؟ يختلف الخبراء في هذا الشأن. "انسحاب تكتيكي إسرائيلي هو أمر ممكن، واحتلال المحور من جديد مهمة لا تشكل تحدياً معقداً بالنسبة إلى الجيش." يشرح د. زلكوفيتش، ويضيف: "بعد المناورة الكبيرة التي أجراها الجيش، والتي ’نظّف’ في إطارها المنطقة من الألغام، هو قادر على احتلال المحور من جديد، وبسرعة عند الحاجة."
- في المقابل، يقول كوبرفاسر إن في إمكان إسرائيل العودة إلى محور فيلادلفيا لاحقاً، لكن في تقديره، أن الأميركيين وسائر الأطراف الدولية يعتبرون أن وقف إطلاق النار بمثابة نهاية للحرب. ومعنى ذلك أنه سيظل لدى "حماس" محور للوصول إلى مصر. ويضيف: "لا أعتقد أن ’حماس’ ستوافق على بند يحظر تهريب السلاح ، لكن من ناحية أُخرى، نحن نعلم إلى أيّ حد الوضع حساس، وحادثة المخطوفين تزيد في صعوبة القرار. إنها معضلة صعبة."