ما حدث فاق توقعات نصر الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- من دون شك، شكلت "ليلة البيجر" نجاحاً استخباراتياً وعملانياً خارجاً عن المألوف. الجمع بين استهداف عناصر معينة من حزب الله الذين نريد مهاجمتهم، وتحويل إداة الاتصال الصغيرة إلى عبوة ناسفة. لكن الجزء الأكثر تعقيداً كان عملية التفجير المتزامن، في آن معاً. فلو حدث التفجير بالتدريج، لفشلت العملية. لقد برزت هنا قدرة اختراق استخباراتية مثيرة للإعجاب، أحدثت مفاجأة لدى الطرف الثاني. مع ذلك، وبعكس جزء من التقارير، هذا لا يعني انهيار منظومة الاتصالات كلها لدى حزب الله، إذ يملك الحزب منظومات اتصال أُخرى، لكن ما حدث شكّل ضربة مهمة في داخل صفوف واسعة جداً من ناشطي الحزب الذين أوقفوا عن العمل فترة من الزمن، وهذا تجلى في العدد الكبير من الجرحى. هذه المفاجأة تخطت توقعات نصر الله، وانضمت إلى أمور أُخرى تخطت توقعاته، مؤخراً، والتي يمكن أن تُزعزع ثقة حزب الله بنفسه، بالإضافة إلى التلميح إلى وسائل أُخرى تحتفظ بها إسرائيل. ويمكن أن يترتب على ذلك تداعيات أيضاً على الرد المتوقع لحزب الله على الصعيد التكتيكي، وأيضاً الغرض من العملية على الصعيد الاستراتيجي.
- كيف سيردّ حزب الله؟ لأن الرد آتٍ، وعلى ما يبدو، سيكون قوياً. فالمقصود حدث واسع غير مسبوق ، يجبره على الرد. حجم الرد مرتبط بحجم الضربة التي لحقت بصفوفه، والتي ستتضح في الأيام المقبلة، وبمسألة الإصابات بين المدنيين. ويمكن أن يصل الأمر إلى حد يتخطى سقف الردود المعتادة، ليصل إلى حرب شاملة، إطلاق كثيف للصواريخ على وسط البلد، مثلاً.
- ومع ذلك، هناك عدة احتمالات يمكن أن تكبح حزب الله:
- التخوف من مفاجآت أخرى غير متوقعة تعدّها إسرائيل.
- وضع حزب الله ما حدث في إطار الرد الإسرائيلي على الهجوم الذي كاد يحدث في حديقة اليركون، والذي سُمح بنشر تفاصيله في إسرائيل، قبل وقت قصير من هجوم البيجر.
- وضع الهجوم ضمن إطار الرد الإسرائيلي على الهجوم على معسكر جليلوت، الذي تحدث عنه نصر الله في خطاباته، والذي يعتبره الحزب هجوماً واسعاً وفعالاً.
- خلق معادلة: ونظراً إلى أن ما جرى يُعتبر عملية سرية وخاصة، وإذا كان حزب الله لا يزال يؤمن بالمعادلات، فمن المحتمل أن يتحرك بصورة سرية وخفية من خلال عمل "إرهابي" في داخل إسرائيل، أو في الخارج، مثل عملية اغتيال مسؤولين رفيعي المستوى.
- على الصعيد الاستراتيجي، نأمل ألّا يكون هذا الحدث، الذي يشكل نجاحاً تكتيكياً مثيراً للإعجاب، هو الذي سيحدد استراتيجية إسرائيل كلها. الحرب في لبنان هي من نوع مختلف، ومن نوع أوسع، ومن اللحظة التي ندخل فيها الحرب، يجب أن نكون قد أجرينا كل النقاشات والاستعدادات بشكل مسبق، مثل استراتيجية "اليوم التالي للحرب"، وآليات إنهائها، وتأمين الشرعية الدولية والداخلية، والاستعدادات التكتيكية للتسلّح، وأمور أُخرى. هذا يستغرق وقتاً، ومن المهم تأمين هذا الوقت. من المحتمل أننا نشهد هنا خدعة استراتيجية مبتكرة وخاصة. أي سلسلة عمليات متتالية (فجائية، واسعة النطاق، وذكية) من النوع الذي رأيناه أمس (الثلاثاء)، هدفها إجبار حزب الله على قبول وقف إطلاق النار بشروطنا، وهي: الانسحاب، والدفاع عن الحدود الشمالية بطريقة مختلفة. كل ذلك ضمن إطار القرار 1701، مع صفقة أميركية أمنية وضمانات دولية.
- في الخلاصة، ما جرى ليس ضربة من ضمن سلسلة تبادُل الضربات بين إسرائيل وحزب الله، وهذا يمكن تقديره في الآتي. يجب أن يكون الحدث جزءاً من استراتيجيا شاملة، ومن سلسلة عمليات، هدفها إعادة سكان الشمال بسرعة إلى منازلهم بأمان، ومن دون أن ندفع أثماناً باهظة لحروب شاملة. وإذا كان هذا ممكناً، فإن العملية التي شهدناها في الأمس، يمكن أن تشكل حجر أساس في داخل هذه البنية الاستراتيجية.