في هذه الجولة من المعركة، غالانت انتصر على نتنياهو
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يحب بنيامين نتنياهو أن يصف نفسه بـ"سيد الأمن"، لكنه طوال مسيرته السياسية، طرح مواقف عدائية تجاه الجيش، وبدلاً من أن يتواضع أمام الضباط الكبار كما فعل رؤساء حكومة آخرون، فإنه يستخف بهم ويراهم مجموعة بلا رؤية أو فهم استراتيجي، تسعى للمحافظة على رواتب التقاعد الخاصة بها، ونيل إعجاب أسيادها في واشنطن. وكان أغلب منافسي نتنياهو السياسيين جنرالات سابقين؛ كيتسحاق رابين، وأمنون ليفكين شاحك، وإيتسيك مردخاي، وأريئيل شارون، وبوغي يعالون، والثنائي غانتس - آيزنكوت، والأهم منهم جميعاً الضابط المسؤول عنه سابقاً في "سييرت متكال"، إيهود براك.
  • وأيضاً في الولاية الحالية لنتنياهو، فإن منافسه الأساسي هو وزير الدفاع ورئيس الشعبة العسكرية في الحكومة، الجنرال يوآف غالانت. وكغيره في حزب "الليكود"، مر غالانت أيضاً بحفلات الإذلال التي يقوم بها نتنياهو، وعلى رأسها صورته المخجلة مع جوقة التشجيع التي كانت تلبس كمامات الكورونا خلال افتتاح محاكمة نتنياهو الجنائية. لكنه وفي اللحظة التي جلس فيها في الطبقة الـ14 داخل الكرياه، عاد غالانت إلى نفسه مع النقاشات الطويلة والمصادقة على الخطط، بالإضافة إلى اللغة العسكرية وتعيين الضباط والجولات في القواعد العسكرية وخلال التدريبات. لم تكن البدل العسكرية يوماً ملائمة له، وارتدى قميصاً أسود مع جيوب بارزة وسنيكرز أسود لباساً له كوزير.
  • إن الانقلاب الدستوري الذي قاده نتنياهو، مع عودته إلى السلطة في محاولة للسيطرة على المنظومة القضائية، هما أمران يسيران على طريق تحويل إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية تحمل بندقية M-16 وتضع قلنسوة. وسريعاً تبيّن أيضاً أن هدف نتنياهو كان ولا يزال "تبديل النخب"، وعلى رأس الاحتجاجات، كان يتواجد ضباط شرطة كبار سابقاً، و"إخوة في السلاح"، وطيارون في جيش الاحتياط، وممثلون بارزون عن النخب القديمة الذين رأى نتنياهو في مواقفهم الداعمة للمؤسسة حصناً منيعاً "لليسار".
  • كان يتوجب على غالانت أن يختار؛ إمّا أن يكون كوميسيراً لبيبي نتنياهو في الجيش كما توقع منه رئيس الحكومة أن يكون، وإمّا أن يكون القائد المدني لهيئة الأركان وممثلها في المستوى السياسي. وقد اختار المجموعة الخاصة به من "الكرياه" عندما حذّر في آذار/مارس الماضي من حرب قريبة، ووقف عملياً على رأس الاحتجاجات ضد نتنياهو والانقلاب الدستوري الذي قاده إلى جانب ليفين. وحاول نتنياهو إقالته وخضع للضغط الجماهيري، واستمر غالانت في موقعه حتى عندما خسر أمام الجميع في مقابل السياسة العدوانية لليفين.
  • واندلعت الحرب بعدها، والجميع رأى أن غالانت كان على حق في تحذيراته، وأن نتنياهو فشل. ثم حاول غالانت تحويل الثقل العسكري إلى الشمال نحو مواجهة مع حزب الله، ومعالجة "حماس" كجهد ثانوي، واستند بذلك إلى المنظّر العسكري كلاوزفيتس الذي دعا إلى مواجهة العدو القوي أولاً، لكن نتنياهو الذي تخوف من التورط في لبنان عزز موقفه عبر الاستعانة بالمنافسَين الاثنين لغالانت من الجيش، غانتس وآيزنكوت، وتجاهلوا سوياً اقتراحات وزير الدفاع، وتعاملوا معها كمغامرة، واتجهوا إلى احتلال قطاع غزة.
  • وخلال الأسبوع الماضي، تبدلت الأمور، وخرجت إسرائيل إلى حرب واسعة ضد حزب الله، بعد عام تقريباً من حرب استنزاف غير محسومة، وتبادُل إطلاق نار يومي في البلدات المخلاة في الجليل وجنوب لبنان. وتحقق طموح غالانت بمفاجأة حزب الله بضربة نار تُخرجه عن توازنه وتخرق صورته مرة واحدة وإلى الأبد كجيش لا يُهزم، وذلك مع انفجارات أجهزة الاتصال واغتيال المسؤولين الكبار في قيادة العمليات لدى العدو.
  • إن الرغبة في ضرب حزب الله غير محصورة فقط في الطموح الشخصي للوزير؛ فالجيش بُني وتجهز تحديداً لهذه المواجهة على مدار 18 عاماً، منذ أن أذل حسن نصر الله إسرائيل في حرب لبنان الثانية. "جيش التكنولوجيا عالية الدقة" كما عرّفه الجنرال في جيش الاحتياط غال حازوت، تجهّز تحديداً للمهمة الشمالية، وقد تم تخصيص الموارد وسلاح الجو والاستخبارات، وتدربوا على مدار 10 أعوام في المعركة بين الحروب. وبعكس غزة، حيث تفاجأ الجيش من "حماس"، وكان عليه أن يفعّل قوة عنيفة جداً ويقاتل داخل مناطق مأهولة ويرتجل، فإن كل الخطط في الشمال كانت جاهزة، والجهوزية عالية.
  • وحاول نتنياهو أن يطعن ويقول إنه من دفع إلى الضرب في لبنان، بعد أن كان غالانت ورؤساء الجيش والاستخبارات يريدون "صفقة تبادل" مع "حماس"، يرى فيها اليمين خضوعاً للعدو، لكن الحقيقة مختلفة؛ فنتنياهو تم جره إلى سلّم الأولويات الذي أراده منافسوه في ديوان وزير الدفاع وهيئة الأركان والموساد، وحاول مرة أُخرى إقالة غالانت، وفشل قبل لحظة من بدء الحملة العسكرية التي ستكون الأبرز في حياة غالانت.
  • إن احتفالات غالانت خلال الأيام الماضية في البيانات بشأن إنجازاته وانتصاراته ضد حزب الله ليست مفاجئة في الوقت الذي يطرح فيه رئيس الحكومة خطاً أكثر انضباطاً. ويمكن أن يكون نتنياهو متخوفاً من التورط، ويفضّل إذا ما حدث ذلك أن يحمّل مسؤوليته لمنافسه. أمّا الإنجازات مستقبلاً، فسيعرف نتنياهو كيف ينسبها إلى نفسه ويخفي الآخرين. ويمكن أن يكون نتنياهو قد فهم أن الجيش انتصر في هذه المواجهة الداخلية عليه، وعاد إلى قيادة الرأي العام القومي. وليس مفاجئاً أن تكون قيادة اللوبي العسكري في المعارضة، غانتس ويائير غولان، قد سارعت إلى الإطراء على الحملة، وحتى تشجيع الدخول البري إلى لبنان، لكن النتيجة النهائية لا تزال أمامنا؛ قبل أن يعرفوا من انتصر في المعركة الداخلية، نتنياهو أم الجنرالات، عليهم أن ينتصروا على نصر الله.
 

المزيد ضمن العدد