ميزة السنوار يمكن أن تنقلب عليه، وعلى إسرائيل استغلال ذلك فوراً
تاريخ المقال
المصدر
- يقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بعملية مثيرة للإعجاب على الجبهة الشمالية. وبصورة عامة، كل ما كانت دولة إسرائيل تسعى للقيام به ضد حزب الله في بداية حملة شاملة يتم الآن تنفيذه بمهارة، لكن بطريقة مختلفة؛ عبر تقسيمها إلى مراحل، وترك بعض "العصي الكبيرة" لاستخدامها لاحقاً من دون دخول حرب شاملة.
- إذا ما نظرنا إلى الحرب بعين متفحصة وبنظرة استراتيجية، سنجد أن الوقت الراهن يمثل الفرصة الأمثل لاستغلال النجاحات في الجبهة الشمالية لتحقيق مكاسب في غزة. نعم، في غزة. إن استنزاف قدرات حزب الله لا يمر من دون أن يلاحظه يحيى السنوار وحركة "حماس" في غزة، ويبدو أن "شهادة التأمين" العسكرية التي كانت "حماس" تأمل إدخالها إلى المعركة ضد إسرائيل في الشمال لتخفيف الضغط على غزة، لم تعد تستوفي الشروط المطلوبة الآن، على الرغم من بقاء قدرات أُخرى وجهوزيتها للاستخدام لدى الحزب.
- وهكذا، وللمفارقة، ربما يكون الربط بين الساحات الذي نسعى لفصله حالياً، في الواقع، يخدم على المدى القريب المصلحة الإسرائيلية، ويضعف "حماس" أكثر. هذه هي نقطة التي يجب أن "نكسر" فيها الوضع الراهن في القطاع، ونسعى لتحقيق حسم.
- ومن الحلول المطروحة في هذه الأيام هو ما يُسمى "خطة الجنرالات"، بقيادة الرئيس السابق لقسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، ولاحقاً رئيس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلند. وتهدف الخطة إلى تطهير شمال القطاع من المسلحين عبر إجبارهم على الاستسلام، ويتم ذلك عبر حصار عسكري كامل للمنطقة بعد إخلاء السكان المدنيين، ومن ثم يمكن تكرار هذه الخطة في مناطق أُخرى من القطاع.
- لكن خطة الجنرالات هذه تنطوي على عدة إخفاقات مفاهيمية وعملياتية، وحتى إذا حققت النتيجة المطلوبة من وجهة نظرهم، فهي لن تغير استراتيجياً الوضع في القطاع. إن فهمي لحركة "حماس" والسنوار مختلف، فبينما تركز خطة الجنرالات على تقليص قدرة "حماس" على إعادة بناء قدراتها في أثناء المعركة (التمويل، وتجنيد المقاتلين، والإمداد، والدافع)، فإن تحليلي يطال المجال الاستراتيجي أكثر.
- أنا أرى أن "حماس" مدفوعة بمنطقَين رئيسيَين فقط في الوقت الحالي: القدرة على حماية حياة السنوار وعائلته وكبار القادة الذين لا يزالون إلى جانبه، وبقاء سيطرة "حماس" على السكان في قطاع غزة، وهو ما يؤمن لها شرعيتها بعد انتهاء الحرب، ويمثل ركيزة أساسية لإعادة بنائها ونموها مجدداً.
- إن الأداة الرئيسية التي يستخدمها التنظيم هي توزيع المساعدات الإنسانية. وفي مقابل رغبة قيادة "حماس" في البقاء، تُدار حالياً الجهود العسكرية في القطاع وفقاً لاستراتيجيا "الصيد".
- لكن إسرائيل لم تنجح في العمل ضد قدرات "حماس" على الحكم بصورة متزامنة مع الجهود العسكرية الإسرائيلية، ولم تبدأ سوى الآن في مقاربة هذا الموضوع بجدية، باستخدام أساليب متعددة، وعبر تعيين مسؤول خاص لهذا الأمر، يعمل في سياق مكتب منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن "خطة الجنرالات" تعاني جرّاء عدة عيوب جوهرية:
- هذه الخطة تضمن بالذات بذل مزيد من الجهد العسكري من أجل احتلال الأرض، بينما لم تعد الأرض تمثل عاملاً مهماً في نظر "حماس"، لأن مسألة احتلال الأرض في نظرها هي أمر قابل للتغيير في أي تسوية أو صفقة مع انتهاء الحرب.
- الخطة لا تنشئ سلطة جديدة في القطاع، إنما تعيد السكان الذين يمكن التأثير فيهم إلى أيدي "حماس"، وتفوت فرصة إنشاء حكم بديل في غزة.
- يتطلب تنفيذ الخطة وقتاً، فكل مرحلة من هذه الخطة تحتاج إلى وقت للتنفيذ، وبعد ذلك، يحتاج الأمر إلى وقت ليصل الأثر إلى السنوار ورفاقه. ونحن لا نملك الكثير من الوقت، وخصوصاً بسبب مسألة الرهائن.
- احتلال الأرض يُعد سبباً للحرب وفقاً للفهم الدولي، وسيعيد غزة إلى بؤرة الاهتمام العالمي، وخصوصاً في الولايات المتحدة، التي ربما ترى هذه الخطوة تحركاً دائماً من جانب إسرائيل لفرض واقع جديد بعد الحرب من دون التنسيق معها. ويمكن أن تتسبب هذه الخطوة أيضاً بتأليب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.
- على الرغم من أن الخطة ربما تكون متسقة مع القانون الدولي، فإن القانون قابل للتأويل من جانب المحامين والقضاة.
- لقد رأينا هذا عدة مرات بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، وعلى الرغم من أنه كان واضحاً أن "حماس" هي التي هاجمت وارتكبت "المجازر"، فقد أظهر العالم والقانون الدولي تساهلاً تجاهها، وهو ما سيحدث أيضاً عند تنفيذ الخطة، لكن بصورة معكوسة؛ إذ سيُنظر إلى إسرائيل على أنها القوية التي تستغل الوضع من أجل تحقيق احتلال دائم للأراضي من أيدي الضعيف، وهذا الطرح ربما يثير قلق الدول المجاورة، وعلى رأسها السعودية، التي ستخشى من خطوة إسرائيلية لتثبيت الحقائق على الأرض. لا شك في أننا، بعد انتهاء الحرب، سنرغب في بناء تحالف إقليمي مع هذه الدول، لذلك، وفي رأيي، يمكننا العمل كما فعلنا في لبنان "تحت عتبة الحرب الشاملة" وتحقيق إنجازات ممتازة، من دون اللجوء إلى خطوة الاحتلال والحكم العسكري التي تُعتبر "خطاً أحمر"، وتقيّد استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة، وتعيق قدرتنا على تحقيق الإنجازات هناك، وترسيم اليوم التالي بما يناسب مصالحنا.
- ويتمثل اقتراحي البديل (باختصار) في استغلال المعركة في الشمال واستغلال الاهتمام بتلك الجبهة من أجل إنشاء منطقة موقتة عازلة في شمال القطاع في أقرب وقت، ومن ثم تطهير المناطق في شمال القطاع وإنشاء "فقاعات إنسانية" يمكن فيها فرض حكم "مختلف" على السكان، بحيث يكون المحرك الأساسي في البداية هو توزيع المساعدات الإنسانية، ويتولى الجيش الإسرائيلي المسؤولية الموقتة إلى جانب شركات أمنية أميركية مدنية وربما جهات إقليمية أُخرى.
- ويمكن توسيع هذه الفقاعات بالتدريج بفضل السكان الذين سيرغبون في الفرار من حكم "حماس". وهذه الاستراتيجيا ستحيّد "حماس" (أي تجعلها غير ضرورية)، بدلاً من رفعها مرة أُخرى إلى موقعها المركزي الذي كانت تشغله في بداية الحرب. وهذا التحييد سيزيد من الضغط على التنظيم، ومن وجهة نظري، سيساهم أيضاً في التقدم نحو صفقة رهائن بشروط أفضل كثيراً لإسرائيل مما كانت عليه سابقاً، وربما يتضمن ذلك نفي قادة "حماس" من القطاع.
- أقترح على دوائر صناعة القرار التفكير في الأمر قبل الاندفاع نحو تبنّي "خطة الجنرالات" من جهة، وربما "الضغط بشدة على دواسة الوقود" الآن تحت غطاء المعركة في الشمال لتفكيك قدرات "حماس" الحاكمة في أسرع وقت ممكن، فالوقت الآن مناسب جداً لفعل ذلك.