كما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر: نشوة ما بعد اغتيال نصر الله ستجر علينا كارثة أُخرى
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إن النجاحات التي حققناها مؤخراً، وخصوصاً اغتيال نصر الله ومسؤولين كبار آخرين في تنظيمه، هي نجاحات ممتازة ومهمة، لكنها لا تغير الواقع المختل الذي نعيشه إن لم تساعد في تحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا.
- ومشكلة أغلبية المجتمع والقيادات في إسرائيل أنها تنظر إلى الواقع من ثُقب الباب، ولا يرون إلاّ ما يحدث في نقطة معيّنة خلال وقت معيّن، ومن دون أن يروا الصورة الكاملة، أو تكون لهم نظرة بعيدة المدى إلى المستقبل.
- علينا التصرف بذكاء من أجل الوصول إلى أهدافنا، وهذه الأهداف المركزية هي:
- تحرير الرهائن المخنوقين في الأنفاق، وبعد وقت قصير، لن يتبقى منهم مخطوفون أحياء.
- إعادة النازحين في الشمال والجنوب إلى منازلهم، وترميم الدمار وإعادة الأعمال.
- ترميم اقتصاد إسرائيل الذي يعيش حالة انهيار.
- ترميم العلاقات الدولية مع العالم، إذ يبدو أن إسرائيل معزولة عن العالم عبر إلغاء الطيران بوتيرة لم نشهدها من قبل، فضلاً عن الحصار الجوي على إسرائيل، والمقاطعة الاقتصادية، والعقوبات على إمدادات الأسلحة إلى قواتنا، والقرارات التي يمكن أن تتخذها مستقبلاً محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وحتى من الممكن إخراج إسرائيل من الأمم المتحدة.
- وقف حرب الاستنزاف التي تدمر كل قطعة جيدة لدينا، وأي إمكان للوصول إلى اتفاقيات بوساطة الولايات المتحدة ودول أُخرى.
- آن الأوان لأن يعترف نتنياهو والمجموعة المحيطة به بأن شعار "تفكيك ’حماس‘ كلّياً" و"إخضاع حزب الله" ليست أهدافاً واقعية. فإن محاولة تحقيق هذه الأهداف تدفعه وتدفع حكومته إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، وإلى استمرار حرب الاستنزاف التي تضر بإسرائيل كثيراً. وتحت غطاء هذه الأهداف، يمكن ألاّ نستطيع تحقيق الأهداف المهمة فعلاً، ولا يمكن تحقيقها إن لم يسيطر نتنياهو ومجموعته على ذاتهم، فسلوكهم يمكن أن يقودنا إلى انهيار دولة إسرائيل.
- في رأيي، يجب المضي إلى بناء حِلف دفاعي إقليمي مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، كمعسكر واحد في مقابل "محور الشر الجديد"؛ روسيا، والصين، وإيران.
- والآن هو الوقت الملائم لترتيب أمورنا في مقابل "حماس" وحزب الله بوساطة أميركية وشروط ملائمة من جانبنا بعد اغتيال نصر الله والمحيطين به. لقد عبّرت لوقت طويل عن رأيي الواضح بأنه من الممنوع دخول القوات البرّية حتى نهر الليطاني، لأن دخولاً كهذا لن ينجح، لأسباب كثيرة ذكرتها سابقاً. ومن دواعي سروري أن الجيش حتى الآن دخل لبنان بصورة محدودة.
- وأقول هذا بشرط أن يكون رئيس هيئة الأركان الذي أدخل الجيش إلى لبنان قد تعلّم من العمليات البرّية في قطاع غزة؛ إذ قُتل أغلب جنودنا بسبب الإهمال وعدم التزام الأوامر والمعايير، وعدم وجود انصياع عملياتي.
- للأسف الشديد، وأنا أكتب هذه الأسطر، وصلني نبأ مقتل 8 جنود وأكثر، وإصابة 40، بينهم 7 في حالة حرجة خلال اشتباكَين في لبنان، وأغلبيتهم قُتلوا في الاشتباك الأول، عندما اقتربوا من مبنى. تحتاج الأسئلة الصعبة إلى إجابات صعبة؛ هل تركت القوة من يقدم غطاء لها عندما اقتربت من المبنى وفي حال إطلاق النار عليها؟ هل كان اقتراب القوة من المبنى يحاكي التدريبات، وليس بالسير وهم منتصبو القامة الواحد تلو الآخر كما رأيناهم يدخلون المنازل في قطاع غزة من دون أي شكل منظم كما يجب؟ 60% من القتلى في القطاع سقطوا نتيجة دخول القوات منازل أو فتحات أنفاق بصورة غير منظمة، إذ كانت توجد عبوات، وكانت المنازل مفخخة. هل أطلقت القوة النار على المنزل قبل دخوله للتأكد من عدم وجود العدو فيه أو في محيطه؟ هذا يذكرني بالأنباء التي كانت تصل إليّ من قطاع غزة. بدأنا نتلقى أخباراً سيئة جداً عن الكثير من القتلى والمصابين في اليوم الأول من دخول لبنان، وآمل كثيراً ألاّ يكون هذا نتيجة عدم الانصياع للأوامر العملياتية.
- علينا أن نفهم أن احتلال مناطق أيضاً في جنوب لبنان لن يؤدي إلى التحول الذي نريده لوقف حرب الاستنزاف، ففي نهاية المطاف، سيُخرج الجيش قواته. وأكثر من ذلك، سيستمر حزب الله في إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل، وعلى الشمال من مناطق أبعد من المناطق التي سنسيطر عليها.
- وحتى لو أراد الجيش البقاء في المناطق التي احتلها، فإنه لا يستطيع القيام بذلك، لأنه لا يملك فائضاً من القوات البرّية بسبب التقليصات الكبيرة في سلاح البرّية خلال الـ20 عاماً الماضية. وسيكون على الجيش إخلاء المناطق التي احتلها، كما حدث في قطاع غزة في مقابل "حماس"، وسيسيطر "مخربو" حزب الله على المناطق.
- يجب أن يكون رد الجيش على إطلاق 181 صاروخاً إيرانياً في اتجاه إسرائيل محدوداً، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، كي لا يجر ردوداً إيرانية أُخرى. ويجب تذكُّر أنه خلال لعبة كرة الطاولة بيننا وبين الإيرانيين، يمكن أن نندفع إلى رد إيراني فيه يتم إطلاق مئات الصواريخ في وقت واحد على المراكز السكنية الخاصة بنا؛ منطقة المركز، وخليج حيفا، والكريوت، وبئر السبع، والقدس، وسيكون الهدم والدمار الذي سيلحق بإسرائيل كارثياً. وحتى لو قمنا بردّ مضاعف، وهدمنا آبار النفط الخاصة بهم، فإنهم سيستطيعون النجاة. لكن بعد ذلك، مَن يضمن نجاتنا من الضربة المؤلمة التي سنتلقاها؟
- خلال أول جولتين، شدد الإيرانيون، بحسب ادعائهم، على إطلاق صواريخهم في اتجاه أهداف عسكرية. صحيح أنه كانت هناك صواريخ انحرفت وسقطت في مناطق مأهولة، لكن هذا لا يشبه وضعاً تكون فيه مئات الصواريخ موجهة إلى مناطق سكنية ذات كثافة عالية، فإيران وأذرعها منتشرون في مناطق واسعة، ونحن دولة صغيرة مجتمعها يتركز في مناطق ذات كثافة سكانية عالية في مدنها الكبيرة. إذن، حتى لو أسقطنا عليهم ضرباتنا، وأوجعناهم كثيراً، فسيستطيعون النجاة. أمّا نحن، فمن غير المؤكد.
- خلال الآونة الأخيرة، كنت أستمع إلى جزء من المحللين والمراسلين الذين يقولون إن هذه هي الفرصة لتوجيه ضربة إلى إيران، تكون ضربة حياتها، ومنها لا تستطيع النهوض أبداً. لكن هؤلاء المحللين لا يقولون للجمهور أي ضربة ستسقط علينا. ويلٌ لدولة إسرائيل إن كان هؤلاء هم من يصوغون الرأي العام فيها، وويل لدولة إسرائيل أيضاً إن كانوا هم من يمررون المعرفة إلى الجمهور.
- بعد أن اغتلنا نصر الله، ودخلت قواتنا المناطق اللبنانية، يجب التوجه، وبوساطة أميركية ودول أُخرى، إلى بناء حزام أمان حول بلداتنا الموازية للحدود في الشمال والجنوب، ويجب تحرير المخطوفين وإعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى منازلهم.
- وبحسب فهمي، فإنه لا يبدو أن بنيامين نتنياهو جاهز للذهاب في ترتيبات واتفاقيات بين إسرائيل وحزب الله و"حماس" حتى الآن، إنما يريد الاستمرار في القتال من أجل المحافظة على حكمه، وما زال يوجه نظره إلى هدف "تفكيك ’حماس‘ مطلقاً"، و"إخضاع حزب الله"، وإسقاط النظام الإيراني.
- ما رأيناه هو أن نتنياهو وحكومته يريدون الوصول إلى ترتيبات فقط بعد "تفكيك ’حماس‘ مطلقاً"، و"إخضاع حزب الله"، وهذا ما يدل على أننا نتعامل مع رئيس حكومة ما زال يعيش نشوة ما بعد اغتيال نصر الله؛ فهو يتجاهل كلياً الواقع حوله، ويعيش في عالم موازٍ، يستطيع فيه الانتصار في الحرب على إيران وأذرعها، وبكلمات أُخرى؛ العالم العربي المعادي لنا.
- وبدلاً من الذهاب في الطريق الصحيح والوصول إلى ترتيبات بوساطة الولايات المتحدة بعد نجاحات سلاح الجو في مقابل حزب الله، فهو يستمر في حرب الاستنزاف التي يمكن أن تقودنا إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، ويُلحق ضرراً حرجاً بدولة إسرائيل. وحتى إذا لم تندلع حرب إقليمية متعددة الجبهات في هذه المرحلة، فإن حرب الاستنزاف مستمرة منذ عام، وستفكك الدولة في جميع المجالات التي ذكرتها سابقاً.
- علينا أن نتذكر أن إيران وأذرعها لم يتركوا فكرة إبادة دولة إسرائيل، وإيران تندفع نحو قنبلة نووية، ويمكن أن نجد أنفسنا بعد بضع سنوات أمام إيران نووية. ومؤخراً، نشهد عداء متصاعداً في مصر تُجاه إسرائيل، وقد بَنَت الأولى الجيش الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط، وجميع تجهيزات الجيش المصري موجهة نحو إسرائيل. كما أن سلطة الحكم في الأردن أيضاً تتزعزع... وسيتوجب على إسرائيل أن تكون لديها قوات على الحدود مع الأردن، يبلغ طولها نحو 400 كيلومتر. واليوم، لا توجد لدينا قوات للدفاع حتى، كما ستتضطر إسرائيل نشر قوات على الحدود المصرية. كما أن السوريين يرممون جيشهم بمساعدة روسيا، وبعد بضعة أعوام، سيكونون تهديداً حقيقياً يستوجب التعامل معه من جانب الجيش. إذن، يتوجب علينا أن ننشر قوات على حدود قطاع غزة، والحدود في لبنان، والضفة الغربية، وحرساً قومياً داخل دولة إسرائيل للدفاع في مقابل المخلين بالنظام المتطرفين.
- لذلك، يتوجب علينا التوصل إلى هدوء، ووقف استمرار انجرار إسرائيل نحو الأسفل في المجالات التي ذكرتها، ويجب زيادة حجم سلاح البرّية ببضعة ألوية كما كان قبل 20 عاماً.
- إن كمية الصواريخ والقذائف والمسيّرات التي لدى إيران وأذرعها تتزايد بمساعدة موارد كبيرة يحصلون عليها من الصين وروسيا. وفي مقابل هذا كله، لدينا اليوم سلاح برّية صغير لا يستطيع الصمود كما يجب، ولا حتى في جبهة واحدة.
- هناك حاجة فورية إلى شراء أدوات قتالية جديدة ملائمة لحروب المستقبل، وإقامة سلاح صواريخ، وصناعة ليزر قوي للهجوم والدفاع من الصواريخ الباليستية، وشراء رشاشات بفوهتين، ومسيّرات، وغيرها. وإن لم نكن جاهزين في السنوات القريبة مستقبلاً، فإننا لن نستطيع الصمود في مقابل كل التهديدات التي ستفرضها علينا الدول العربية بقوة، والتي ستكون أضعاف التهديد الحالي. واليوم، لا يوجد لدينا حل للتهديد المتعدد الجبهات الذي يتصاعد بوتيرة مذهلة مع الوقت.
- وإن إحدى مشاكل شعب إسرائيل الأكثر صعوبة هي أنه يغرق في النشوة حين ينجح، ولا يصغي إلى المشاكل الصعبة المتوقعة أمامنا على الطريق من أجل التعامل معها، وهذا النهج يتم فيه دفن الرأس بالرمال، ويمنح نتنياهو وغالانت وهرتسي هليفي الدعم اللازم، وهو السبب وراء اليوم الأسود 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويمكن أن يكون السبب وراء يوم أكثر سواداً في المستقبل.