المرحلة الثانية من الحرب تبدأ، وللمرة الثانية، من دون استراتيجيا
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • مثّل الأسبوعان الماضيان انتقالاً إلى المرحلة الثانية من الحرب؛ فبعد أن ركزت الحملة في البداية على غزة، تحول الجهد الرئيسي الآن إلى الشمال، مع تصاعد الاحتكاك مع إيران. وبدأت هذه المرحلة بتحقيق إنجازات عسكرية مبهرة، وعلى رأسها تصفية قيادة حزب الله، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للتنظيم، وهو ما أحدث تحولاً كبيراً في المزاج الإسرائيلي؛ من جو يتسم بانتشار الصدمة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر والإحباط من حرب استنزاف طويلة في غزة، إلى شبه انتشاء مصحوب بازدراء متجدد للعدو ("لقد كنا نخاف من حزب الله بلا داعٍ")، وتوقعات بتغيير قريب في الشرق الأوسط.
  • وما يميز مرحلتَي الحرب معاً، والفترة التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر هو غياب التخطيط الطويل المدى. وفي هذا الإطار، يتوفر مكونان من مجموع 3 مكونات ضرورية لصوغ السياسات، أهمها: العمليات العسكرية (كالاغتيالات أو التوغل البري)، وآخرها صوغ رؤية طويلة الأجل تجسدها شعارات كـ "النصر الكامل"، و"الإطاحة بـ ’حماس‘ وحزب الله"، و"القضاء على إيران"، و"إعادة تشكيل الشرق الأوسط". ويفتقر الوضع إلى خطة عمل منهجية تربط الإنجازات العسكرية بالرؤية الاستراتيجية؛ خطة عمل منهجية وواقعية تترجم كل الإنجازات العسكرية إلى تحوُل استراتيجي. وفي غياب هذه الخطة، فإن إسرائيل تغرق في حروب استنزاف بلا إطار زمني.
  • وتستوجب المرحلة الحالية أن تتعلم إسرائيل دروس الحرب في غزة بصورة متعمقة؛ إذ بدأت تلك الحرب أيضاً بوعود بالإطاحة بـ "حماس"، وبعد عام، ها هي إسرائيل تقف بلا حسم. ومن المهم ألاّ تتورط في واقع مماثل في لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يوفر لحزب الله فرصة للتعافي وإثبات قدراته على الرغم من الضربات التي تلقّاها.
  • وإلى جانب ذلك، فإن هناك حاجة إلى تحديد أولويات المهام. فقد تركت إسرائيل قضية غزة مفتوحة، وفتحت جبهة رئيسية في لبنان، وهي تشعر بالقلق من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، كما أنها تحت تهديد وكلاء إيران في اليمن وسورية والعراق، وربما تجد نفسها قريباً في مواجهة أكثر حدة مع إيران. وفي معركة تضرب فيها كل الجبهات وتصارع فيها جميع الأطراف، يصبح من الصعب وضع أولويات، ناهيك بصوغ استراتيجيا طويلة المدى، ومن المستحيل توقع دعم دولي مستمر في جميع الصراعات.
  • يجب على إسرائيل، في المرحلة الأولى، أن تضع تحليلاً واضحاً للواقع والأهداف التي ستستبدل الشعارات، والتي تشير بعضها إلى أن إسرائيل، حتى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم تتمكن من فهم طبيعة الأعداء بعمق؛ ففي غزة، فقدت "حماس" قدرتها على تهديد إسرائيل كما كانت قبل الحرب، لكنها لا تزال القوة المهيمنة حالياً، من دون وجود بديل واضح في الأفق. وعلى الأقل في الوقت الحالي، لا يبدو أن "حماس" مستعدة للقبول بمطالب إسرائيل بالبقاء في محور فيلادلفيا كجزء من صفقة، وهي بالتأكيد لن ترفع الراية البيضاء وتغادر القطاع. إن الوضع لن يتغير إلاّ عبر السيطرة الإسرائيلية الكاملة على جميع المناطق، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل راغبة في ذلك، أو حتى قادرة عليه الآن.
  • أمّا في الشمال، فقد تلقّى حزب الله أقوى ضربة في تاريخه، وهو في حالة شلل وذهول، لكنه لم ينهَر بعد؛ فهو لا يزال يحتفظ بقوته الشعبية والسياسية في لبنان؛ الدولة التي من غير المرجح أن "يُعاد تشكيلها" قريباً، وسيحاول الحزب بالتدريج إعادة بناء قوته العسكرية. وفي هذه المرحلة، على الأقل، لا يبدو أن حزب الله يفكر في رفع الراية البيضاء بعد الضربات التي تلقّاها، بحيث يصدر إعلاناً من جانب واحد لوقف إطلاق النار، أو فصل نشاطه تماماً عما يحدث في غزة، وهو القرار الذي تسبب بتوجيه الضربات الحالية إليه في المقام الأول.
  • وفي السياق الإيراني أيضاً، هناك حاجة إلى رؤية واقعية؛ فبعد أن رد الإيرانيون بصورة قوية بهجمتهم الصاروخية تلك، وبعد استعدادهم لرد قوي إسرائيلي، يجب أن يتضح أن الإيرانيين لا يزالون قوة مهيمنة في المنطقة، ومدفوعة بأيديولوجيا متطرفة وحازمة. وستستغل طهران الفترة المقبلة لإعادة ترميم وكلائها، وخصوصاً حزب الله، حتى لو ترافق ذلك مع ضربات قاسية من إسرائيل، إلى جانب استخلاص دروس الأشهر الماضية. وكل ذلك بالتوازي مع التمسك بهدفها الرئيسي؛ التقدم في برنامجها النووي، وترسيخ مكانتها كدولة تقف على العتبة النووية.
  • إن ولادة الشرق الأوسط الجديد ليست وشيكة كما يعلن كثيرون في إسرائيل، فالأعداء المجروحون لم يختفوا، وإمكان حدوث انقلاب استراتيجي وتشكيل تحالف إسرائيلي - عربي تحت رعاية أميركية لا تزال رؤية بعيدة المنال. فعندما رسم نتنياهو ملامح هذا التصور عشية 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي خطابه الأخير في الأمم المتحدة، سارع السعوديون إلى توضيح أن الشرط الأساسي لتحقيقه هو تعزيز المفاوضات بشأن القضية الفلسطينية، وهي "قضية ساخنة" تفضل الحكومة الحالية التي تضم تيارات متناقضة تجنُبها.
  • وقبل أن تتحول هذه المعارك المتعددة إلى حروب استنزاف تثير نقاشاً داخلياً حاداً في إسرائيل، يوصى بعقد مناقشة استراتيجية شاملة. ويجب أن تكون إيران العدو الرئيسي الذي تركز عليه إسرائيل، ولتحقيق ذلك، من الضروري إغلاق أو تهدئة جبهات أُخرى. في غزة، من الضروري الاختيار بين احتلال كامل (سيتطلب استثمار الموارد والاهتمام) أو صفقة لتحرير الرهائن على الرغم من تكلفتها الباهظة. وفي لبنان، يجب دراسة ما إذا كانت الأوضاع تتهيأ لفرض نظام جديد في جنوب لبنان وفرض رقابة فاعلة على نقل الأسلحة إلى الدولة، وهو ما يمكن أن يسمح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم.
  • وعلى نطاق أوسع، لا مفر من الاعتراف بأن التحالفات الإقليمية والتطبيع الواسع النطاق لن يتحققا من دون معالجة القضية الفلسطينية، وهي القضية التي تهربت منها إسرائيل لعقود طويلة، وتعود لتسقط في النهاية على رؤوس أولئك الذين يعتقدون أنهم يستطيعون الاستمرار في إدارة الصراع بدلاً من دفع الحوار نحو المستقبل وتحديد القرارات الحاسمة.
 

المزيد ضمن العدد