على إسرائيل إضعاف النظام في طهران: هذه هي الحسابات التي يجب أخذها بعين الاعتبار لدى اختيار أهداف ضربة الرد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • المناورة التي بدأت في لبنان فجر يوم الثلاثاء، تسير كما هو مخطط لها. كان معروفاً مسبقاً أن العشرات، وحتى المئات من مقاتلي وحدة الرضوان وناشطين محليين مسلحين تابعين لحزب الله ما زالوا في القرى الموازية للحدود مع إسرائيل، حتى بعد فرار أغلبية السكان "الشيعية" شمالاً، وأيضاً أغلبية مقاتلي وحدة الرضوان.
  • تجهز حزب الله للدخول الإسرائيلي، هذا بالإضافة إلى أننا أعلمناه مسبقاً بأن الدخول البري سيكون محدوداً، فقط إلى المنطقة الملاصقة للحدود، وهذا ما سمح للقيادة المحلية بأن تتجهز للخطوة الإسرائيلية. هذا ما يجري عندما نحاول تنسيق خطواتنا مسبقاً مع الإدارة في البيت الأبيض والبنتاغون. خلال بضع ساعات، تتسرب المعلومات إلى الإعلام الأميركي، ويحصل عليها حزب الله، وهو ما يساعده على ترتيب قواته.
  • حزب الله جيش "إرهاب"، وهو لم يتجهز للدفاع عن مناطق، إنما لمعركة بقاء الحزب والبنى التحتية الخاصة به، وإلحاق الضرر بالجيش، وأيضاً الخطف. لو كان حزب الله فعلاً حامي لبنان، لتوجب عليه التجهز بقوات كبيرة لمنع الجيش من الدخول إلى القرى. لكن كجيش "إرهاب"، بالضبط مثل "حماس" في غزة، هدف هذه التنظيمات هو البقاء وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالجيش المهاجم.
  • يعلم حزب الله بأن الجيش حساس إزاء الخسائر والمخطوفين، لذلك، يعتبر الحزب أن التسبب له بالألم هو أحد أهداف الحرب. هذا هو السبب الكامن وراء عدم قيام جيشه بخطوات، مثل ضربات، أو حتى محاولات ضرب مفاجئة لقواتنا. وبعكس الجيش الذي يتحرك من دون توقُّف بالدفاع والهجوم من أجل هزيمة العدو وإحباط قدراته، مثلما حدث خلال المناورة في غزة. توجد فقط خلايا من المقاتلين التابعين لحزب الله تحاول أن تعرقل تقدّم قواتنا، من خلال الكمائن المتحركة في الميدان، وأيضاً الصواريخ المضادة للدروع، بهدف منعنا من الكشف عن البنى التحتية المخصصة للهجوم التي حضروها لحملة "احتلال الجليل".
  • وكما هي الحال مع كل مناورة برية يقوم بها أيّ جيش في العالم، وفي كل الحروب الحديثة، يدفع الجيش أيضاً "ضريبة دخول" للقتال في مناطق جغرافية جديدة، وفي مواجهة عدو لا يعرفه بصورة كاملة عملياً، هذا هو سبب الخسائر، 9 قتلى وعشرات الجرحى خلال اليوم الأول للمناورة. هذا ينبع من ظروف الميدان في لبنان، وهي مختلفة وجبلية، وأيضاً من طريقة عمل عناصر حزب الله والكمائن في مداخل القرى، وهي أمور مختلفة عمّا تعامل معه مقاتلونا في غزة.
  • للأسف، يتوجب علينا دائماً أن ندفع ثمن الدروس لكي نقوم بتحديث طرق القتال بالتفاصيل الدقيقة، ومن ضمنه التغطية بالنيران وطريقة التصرف في داخل المنطقة الجغرافية والمناطق القتالية والظروف البيئية، وأيضاً المباني ومداخل القرى. وهي جميعها تحديات جديدة.
  • يمكن الافتراض أن الجيش سيتعلم الدروس سريعاً، وأن القتال يدور الآن مع كثير من النيران التي تُجهز قبل دخول القوات، ومع استغلال سلاح الجو، قبل الدخول للبحث عن الأنفاق ومخازن السلاح والأدوات القتالية لوحدة الرضوان. وكما هي الحال في غزة، يمكن الافتراض أنه في لبنان أيضاً، ستكون المعارك الأكثر ضراوة  في الأيام الأولى وفي المواقع الأولية للعدو التي يهاجمها الجيش.
  • هذا ما حدث مع قاعدة القوة 17 في غزة، وكذلك الأمر في لبنان. لكن بعد أن يقوم جنود الجيش "بكسر القشرة الخارجية" لمقاومة العدو، ينسحب العدو عادةً، ويكتفي بالاستهداف عن بُعد، بواسطة العبوات التي يجري تفعيلها عن بُعد، وأيضاً الكمائن والصواريخ المضادة للدروع والقنص والقذائف القصيرة المدى. هذا ما يجري الآن، يبدو أن "القشرة الخارجية" لحزب الله في الجنوب اللبناني لم تُكسر بعد، وعلى الرغم من ذلك، فإن الجيش لا يزال ينجح في التحرك وتقليل الخسائر، وفي الأساس إنجاز المهمات التي وُضعت له.
  • ما يدل على ذلك الكمية الكبيرة جداً من الوسائل القتالية التي كشفتها القوات، ولو استطاعت وحدة الرضوان استعمالها وكان لديها فرصة للقيام بذلك، لكنا واجهنا كارثة في منطقتنا بحجم يفوق ما قامت به "حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر بأضعاف الأضعاف
  • وفي الوقت نفسه، يتجهز الجيش لضربة قوية للرد على الهجوم الصاروخي الإيراني، مَن لم يلاحظ بعد، نحن نخوض مواجهة مباشرة مع إيران منذ عدة أشهر، وفي الحقيقة، هناك كلام عن معركة مع العدو المركزي لنا، الموجود على بُعد أكثر من 1500 كيلومتر عن حدودنا. قال أحدهم يوماً إن إسرائيل لا تملك حدوداً مشتركة مع إيران، لكن إيران لديها حدود مشتركة مع إسرائيل، وكان يقصد حزب الله الذي يهددنا بالنيابة عن إيران، من لبنان وسورية.
  • والآن، عندما تم استنزاف قدرات حزب الله على إيذائنا بسرعة، نقف أمام إيران مباشرةً، لأول مرة منذ نيسان/أبريل. ولذلك، فإن الحساب المركزي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار في إسرائيل هو أيّ نوع من الضربات يجب توجيهه كردّ على الهجوم الصاروخي الإيراني، والتي تخدم أهدافنا البعيدة المدى في القتال. تحتاج كل ضربة ننفّذها على الأراضي الإيرانية إلى كمية كبيرة من الموارد، مثل التخطيط والدعم الأميركي، لذلك، لا يجب أن تكون الأهداف تكتيكية - محلية، حتى لو كانت قادرة على ترميم قدرة الردع الإسرائيلية خلال وقت محدد.
  • في هذه المرحلة من المواجهة مع إيران - أي مع "رأس الأفعى"، يجب التفكير في الأهداف الشاملة. وفي تقديري، إن الهدف البعيد المدى لإسرائيل هو تفكيك نظام آيات الله "الديكتاتوري" الشيعي في إيران. لا يوجد لدى إسرائيل قدرة على القيام بذلك بطريقة مباشرة. فإيران ليست حزب الله الذي يُعتبر تنظيماً عسكرياً صغيراً نسبياً، على الرغم من كل شيء، مع قدرات محدودة، وهو موجود بالقرب منا في لبنان، ويمكننا الوصول إليه متى أردنا خلال دقائق، من الجو أو البر. إيران هي عدو بمستوى قوة مختلف، لذلك، فإن الشعب الإيراني، الذي يفوق تعداده الثمانين مليون نسمة، هو الوحيد القادر على إسقاط النظام وتبديله بنظام آخر عقلاني أكثر وغير ملتزم بتصدير الثورة الإسلامية وإبادة إسرائيل.
  • ما هي علاقة هذا كله بالرد على الهجوم الصاروخي الإيراني؟ ببساطة جداً: بدلاً من التفكير في رد عقابي ورادع، يجب على إسرائيل أن تعتبر الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني جزءاً من معركة طويلة المدى تقود إلى تفكيك النظام في إيران. هذا ما يقترحه عدد كبير من الخبراء الذين يدّعون أنه لا يجب تبذير الموارد والأدوات والقدرات لدى إسرائيل على ضربة تكون نتائجها قصيرة المدى، لذلك، يجب ألّا تدفع الضربة الشعب الإيراني إلى الالتفاف حول قيادته الدينية، بل على العكس، عليها أن تشدد على الفجوة بين جزء كبير من الشعب والقيادة، وتوضح لجميع الإيرانيين الذين يتخوفون من النظام، ولذلك يخضعون له، أن هذا النظام أضعف مما يبدو عليه، ولا حول له ولا قوة، ويمكن إسقاطه.
  • في الخلاصة، يجب أن تركز الضربات، التي ستوجهها إسرائيل إلى إيران، على إضعاف مراكز قوة النظام، وليس الدمار الذي سيزيد في معاناة الشعب الإيراني الاجتماعية والاقتصادية. يعرف الموساد والجيش جيداً مراكز قوة النظام ونقاط ضعفه - وأيضاً كيفية معالجتها. الآن، يمكن أن يكون كل تفصيل من طرفنا مضراً.
  • علينا أيضاً أخذ الأميركيين بعين الاعتبار. إدارة بايدن- هاريس مثلاً، عشية الانتخابات، وبالنسبة إليها، من المهم منع نشوب حرب إقليمية ومنع ارتفاع أسعار الطاقة كنتيجة لضرب البنية التحتية الخاصة بالنفط لدى إيران. هناك مَن يقول إننا أساساً في خضم حرب إقليمية في الشرق الأوسط، انخرطت فيها إيران وأذرعها في اليمن والعراق وسورية ولبنان، والفلسطينيون.
  • لكن عندما تتحدث الولايات المتحدة عن حرب إقليمية، فإنها تقصد الحرب التي ستحاول فيها إيران وحلفاؤها إلحاق الضرر بحلفاء أميركا العرب في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم السعودية ومواقعها النفطية، بالإضافة إلى الأردن والإمارات، حسبما يهددون. تتخوف الولايات المتحدة كثيراً من حرب إقليمية تحاول فيها إيران وأذرعها استهداف الجنود الأميركيين- نحو 3000 جندي لا يزالون في العراق.
  • التخوف الآخر هو من ازدياد الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة سوءاً، عشية الانتخابات، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في العالم. يقود هذان الاعتباران الولايات المتحدة إلى الطلب من إسرائيل عدم استهداف مجموعتين من الأهداف: الأولى- المفاعلات النووية، حيث سيقود قصفها إلى حرب شاملة، في رأي الولايات المتحدة؛ والثانية - ضرب المواقع النفطية في إيران، والذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وحرب إقليمية شاملة، وضرب المواقع النفطية في السعودية ومناطق أُخرى في الشرق الأوسط، ومن ضمنها حاويات النفط التي تمر من الخليج الفارسي إلى العالم.
  • لا تستطيع إسرائيل تجاهُل المطالب الأميركية، بسبب الاعتراف بأننا في مواجهة ستستمر أعواماً طويلة مع "رأس الأفعى" الإيرانية، وفي ضوء مواجهة كهذه، سنحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة على صعيد الدفاع واعتراض الصواريخ، وأيضاً من الممكن أن نحتاج إليها في الهجوم مستقبلاً. في الوضع الحالي، لا يوجد احتمال أن تنضم الولايات المتحدة إلى إسرائيل، حسبما أوضحوا للمسؤولين في القدس في هذا السياق. لذلك، يجب على إسرائيل الاستماع جيداً لـ"النصائح" التي يرسلها لنا بايدن من دون توقف.
  • الحساب الثالث هو الحساب العملياتي. ضرب المفاعلات النووية في إيران ليس مهمة بسيطة، بهدف تخريبها لسنوات طويلة مستقبلاً. في الأغلب، سنحتاج إلى الولايات المتحدة، إذا أردنا القيام بذلك، وليس فقط لأن المفاعلات موزعة وكثيرة في كافة المناطق الإيرانية، ولا يمكن التفصيل أكثر من ذلك.
  • أمّا المواقع النفطية، فمن السهل أكثر ضربها، لكن الأمر سيحتاج إلى جهود كبيرة وأكثر من جولة قصف واحدة. ولأننا في معركة طويلة، وخصوصاً لأن سلاح الجو الإسرائيلي مشغول الآن في القتال الفعال في لبنان، وفي غزة، وأيضاً يجب التعامل مع الحوثيين في اليمن كي لا يجعلوننا ندفع كثيراً من الخسائر، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية في العراق. هذه جميعها الحسابات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، وتشير إلى الحاجة إلى اختيار الأهداف بدقة، والتركيز على إضعاف النظام جوهرياً، من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية.