الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة في خطر
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • من الطبيعي أن يتركز الانتباه العام اليوم على المعركة في الشمال والرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني. لكن في ظل هذا كله، تجري في  غزة خطوة ستكون لها تداعيات لا تقل دراماتيكيةً عن غيرها. ومن دون قرار، ومن دون نيات معلنة من جانب المنفّذين، تخطو إسرائيل خطوة كبيرة على طريق السيطرة المدنية على قطاع غزة، مع كل ما يستتبع ذلك.
  • مؤخراً، غادرت الفرقة 162 محور فيلادلفيا، وعادت إلى شمال القطاع، من أجل "إعادة السيطرة على المنطقة"، بحسب تقارير إعلامية. ركّز جزء من الردود على الخطوة على أنه قبل وقت قليل، كان محور الحدود بين قطاع غزة وسيناء حجر الأساس لوجودنا، ولن ننسحب منه على الإطلاق. لكن السؤال المهم ليس من أين انسحبت فرقة النخبة، بل إلى أين تتوجه، وما هو الهدف؟
  • يجب العودة إلى شمال القطاع من أجل سبب بسيط هو عدم وجود أيّ طرف، وبالتأكيد طرف إسرائيلي، يريد اليوم إيجاد بديل من قوة "حماس" وسط السكان في غزة، هذه القوة التي لم تتأثر جرّاء تفكيك أُطرها القيادية واغتيال كبار قادتها. الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان قائداً للقوات الأميركية في العراق، وصف ذلك بعبارات بسيطة قالها في إسرائيل: "عندما تواجه مثل هذا العدو، عليك أن تبني خلال تدميرك".
  • لكن إسرائيل لا تريد البناء، لأن هذا يتطلب العمل مع ائتلاف من الأطراف الإقليمية التي تصرّ على وجود للسلطة الفلسطينية، ولو بصورة رمزية. وعلى الرغم من أن التدمير من دون بناء معناه العودة، المرة تلو المرة، إلى الأماكن التي سبق أن قمنا باحتلالها و"تطهيرها" ونزع السلاح منها، وأنه وسط الفراغ الناتج من الدمار ستبرز "حماس" مجدداً وما هو أسوأ منها.
  • يوجد في إسرائيل مَن يريد البناء. بتسليل سموتريتش يريد أن نبني في غزة مستوطنات إسرائيلية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وإقامة دولة يهودية مكانها، ضمن إطار "خطة الحسم" التي نشرها قبل عدة سنوات. على الأقل، يمكن القول إن سموتريتش لديه عقيدة منهجية، وهو لا يخفيها. يدرك رئيس الحكومة نتنياهو الضرر الهائل الناتج من تحقيق خطة سموتريتش، لكنه يمضي نحوها لأسباب تتعلق ببقائه الشخصي والسياسي.
  • إن مسؤولية المستوى المهني، وزير الدفاع وقادة الجيش، عمّا سيحدث  لا تقل خطورة: كثيرون بينهم (غالانت قال هذا بصوت واضح، بينما كان صوت قادة الجيش أقل وضوحاً) مدركون أن السيطرة الإسرائيلية على غزة رسمياً ستُلحق ضرراً جسيماً بالجيش، وتحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة. هذا هو رأيي، وفي المقابل، هذا سيقرّب تحقيق أفكار سموتريتش.
  • إعادة الفرقة 162 إلى جباليا ترافقت مع دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً، عبر محور نتساريم. وفي الواقع، هذا تحقيق لجزء كبير من الفكرة المشوهة التي يُطلق عليها اسم "خطة الجنرالات" التي يُعَد اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند من أبرز الممثلين لها في الإعلام، وهو الشخص الذي أعرفه من سنوات وأحترمه.
  • على ما يبدو، لا توجد نية بشأن تنفيذ الجزء الأكثر إثارةً للقلق، وهو تجويع الناس الذي ظلوا هناك، بافتراض أنهم بصورة أساسية من "مخربي حماس". لكن عملياً، سيؤدي نقل سكان شمال القطاع إلى الجنوب، وللمرة الثانية خلال عام، إلى أحد أمرين: إمّا أن الجيش الإسرائيلي هو الذي سيوزع الغذاء والدواء على السكان، أو سيتضورون جوعاً. والطريق من هناك إلى الحكم العسكري كأمر واقع قصيرة، وخصوصاً أن هناك نقاشات في هذا الشأن يُجريها نتنياهو.
  • على صعيد العملية العسكرية، هذا يعني أن يتحرك الجنود عملياً في العمق ووسط سكان غزة الذين يعانون جرّاء اليأس والفقر، وأن يقوموا بتوزيع الغذاء والمياه والدواء. ومعنى ذلك تمركُز للجيش الإسرائيلي هناك، وفي تقدير غالانت، أن القوة المطلوبة من أجل إقامة حُكم عسكري في غزة هو 4 فرق.
  • ومعنى هذا أيضاً إنشاء آليات للحكم لا يمكن لأحد أن يحلّ محلها، ولن تقبل أيّ دولة عربية المشاركة فيها، أمّا قيام "زعامات محلية تحل محل "حماس"، فهو بمثابة تعامٍ عن الواقع. وهذا يعني أننا في الطريق نحو احتلال غزة عملياً، الأمر الذي سيشكل حلماً بالنسبة إلى سموتريتش، وكابوساً بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي، والاقتصاد الإسرائيلي، ومكانة إسرائيل الدولية، المتدهور بطبيعة الحال. وهذا لن يكون بمثابة "سيطرة على الأرض"، لأن الجنود الذين سينتشرون سيكونون عرضةً للعمليات "الإرهابية" وحرب العصابات، ولا يحتاج الأمر إلى قيادات كتائب، بل يكفي وجود شخصين، أو ثلاثة أشخاص مزودين بسلاح فردي، أو صاروخ مضاد للدروع.

الإنجازات العسكرية في خطر

  • يجب أن يكون واضحاً أن هذه الخطوة فرضها نتنياهو على الجيش الإسرائيليي. كلّ مَن يعرف طريقة اتخاذ القرارات في إسرائيل يعلم بأن الأمور لا تسير بهذه الطريقة، لكن يوجد في القيادة العسكرية مَن يؤيد هذه الخطوة لأسباب أيديولوجية، وانطلاقاً من تفكير ضيق الأفق، ومن الإحباط.
  • قبل ستة أشهر، ادّعت مصادر عسكرية رفيعة المستوى، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب مفهومة، أن عدم وجود تحرُّك سياسي يؤدي إلى ضياع الإنجازات العسكرية. ومنذ ذلك الحين، لم تظهر أيّ خطوة سياسية، ولا تبدو حتى الآن في الأفق. الجيش الذي يواجه النتائج في الميدان يطبّق رؤيا تكتيكية تتجاهل، علناً، التداعيات القاسية للعملية على إسرائيل وعليه. والمسؤولية الناتجة من ذلك لا يتحملها نتنياهو وحده، بل أيضاً الذين ينفّذونها، والذين يعرفون بالتحديد ما سينتج من أفعالهم.