هذا أكبر إنجازات الحرب، والمدخل نحو الإنجاز المقبل
تاريخ المقال
المصدر
- يُعتبر اغتيال السنوار أكبر إنجازات إسرائيل في الحرب التي "فُرضت عليها" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يضاهي، أو ربما يفوق اغتيال نصر الله. كان السنوار وراء هجوم السابع من أكتوبر، وهو الذي خطط له عقداً من الزمن، واعتبره مهمة حياته. وبحسب تصوراته، كان يُفترض أن يغيّر الهجوم مجرى التاريخ في اتجاه القضاء على إسرائيل، حتى لو كلّفه ذلك حياته. لقد أشعل بعقله المتقد معركة إقليمية خطِرة، تلقت إسرائيل في بدايتها ضربة غير مسبوقة، لكن هذه الحرب أدت، في الوقت نفسه، إلى زعزعة مكانة معسكر المقاومة بصورة كبيرة.
- كان السنوار قائداً ذا وزن رمزي ووظيفي في الوقت نفسه. وكان محبوباً من جانب كثيرين من الفلسطينيين، وهو الذي فرض جدول الأعمال الوطني الفلسطيني في السنوات الأخيرة، كما كانت له الكلمة الفصل فيما يتعلق بإدارة الحرب وحُكم "حماس" في غزة، وكذلك فيما يتعلق بالمفاوضات بشأن صفقة تحرير الأسرى. لقد جاء اغتياله في وقت حساس للغاية، بالنسبة إلى حركة "حماس". بعد عام على اندلاع أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ظل هو الشخصية المهيمنة في غزة، لكن الحلقة التي كانت تحيط بالسنوار أصبحت ضعيفة وشاحبة، ومستنزَفة في ظل مواجهة عسكرية مستمرة.
- تعيش "حماس" في هذه اللحظة حالة من الصدمة والفراغ في القيادة، مشابهة لما عاشه حزب الله قبل شهر، بعد اغتيال نصر الله. السيناريو الأقل احتمالاً للتحقق هو أن يؤدي اغتيال السنوار إلى انهيار شامل لهيكل "حماس"، أو هروب جماعي، أو استسلام واسع، وربما حتى انتفاضة شعبية ضد "حماس". سيظل أعضاء "حماس" متشددين، أيديولوجياً، حتى بعد اغتيال قائدهم، وسيظلون مخلصين لفكرهم "المتطرف" ومواصلة القتال، تماماً كما كانت عليه الحال بعد اغتيال القادة التاريخيين، مثل الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري.
فراغ كبير
- ومع ذلك، يترك السنوار خلفه فراغاً كبيراً. من المحتمل أن يحدث نوع من تقاسُم الصلاحيات. ستتولى شخصيات بارزة كانت قريبة من السنوار، مثل أخيه محمد، مسؤولية مواصلة القتال والحفاظ على سيطرة "حماس" على الشارع، أو ربما تفعل ذلك شخصيات بارزة في الجناح العسكري، مثل رائد سعد وعز الدين حداد، على الرغم من أنهما يفتقران إلى المهارات السياسية، أو الدعم الشعبي الواسع.
- في المقابل، يبدو أن قيادة "حماس" في الخارج ستضطر إلى التدخل بصورة أعمق لملء الفراغ الذي نشأ، وبصورة خاصة في إدارة الجانب السياسي، وأهم ما فيه المفاوضات المتعلقة بصفقة كان السنوار وقف ضدها بعناد. قد يصبح أشخاص، مثل خليل الحية، نائب السنوار السابق، أو القادة القدامى، مثل خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، أكثر قوةً من ذي قبل. حقيقة أن مهارتهم الرئيسية سياسية (بعكس السنوار الذي كان لديه خلفية عسكرية)، وأنهم مقيمون بقطر، ويخضعون لضغوط الدوحة (وبطريقة غير مباشرة من الولايات المتحدة)، وهو ما يوفر فرصة لتقدّم المفاوضات في هذا الوقت.
- ومع كل ما تقدم، من المهم تبنّي نهج واقعي في قراءة الواقع وتحديد الأهداف. مثلما هي الحال مع حزب الله، فإن اغتيال السنوار لا يعني انتهاء التنظيم. إن المهارات التي يمتلكها خلفاء السنوار ستكون أقل كثيراً من تلك التي كان يمتلكها السنوار، لكن من المحتمل أن تواصل "حماس" السيطرة على المجال العام في غزة، وتحتفظ بقدرات عسكرية في المستقبل القريب، حتى لو كانت أقل كثيراً مما كانت عليه في 7 تشرين الأول/أكتوبر. سيتعين على إسرائيل، لتحقيق القضاء على القدرات الحكومية والعسكرية لحركة "حماس"، العودة إلى المعضلة التي ترافقها منذ بداية الحرب، وفي جوهرها الاعتراف بالحاجة إلى السيطرة على القطاع بكامله والبقاء فيه فترة طويلة، وبصورة خاصة إذا كانت تريد خلق ظروف لإنشاء بديل من حركة "حماس".
- أمّا في الوقت الراهن، وفي ظل استمرار إسرائيل في حرب استنزاف شرسة في مواجهة حزب الله المجروح، وفي ظل مواجهتها الحاجة إلى التحرك ضد إيران، فمن غير المستحسن الاتجاه نحو احتلال كامل لغزة. فاغتيال السنوار يوفر فرصة للتقدم بطريقة أكثر سلاسةً في خيار "الصفقة"، إذ بات واضحاً أن اليد العليا في المعركة هي لإسرائيل، وأنها قادرة على ضمان حريتها في التحرك لتنفيذ خطوة استراتيجية ضد "حماس" في أيّ لحظة.
- يصبح الوقت مصيرياً، وعلينا استغلال الصدمة التي تعيشها "حماس"، وأن نحاذر الوقوع في الاعتقاد أن الضربة التي تلقتها الحركة ستؤدي إلى الحسم، مثلما تعلمنا أيضاً من حالة نصر الله. لقد نشأت أمامنا فرصة استراتيجية لإطلاق سراح المختطفين، ومن واجب الحكومة استغلال هذه الفرصة.