هذا هو الخطأ الخطِر الذي ارتكبه نصرالله- ولا يجب على إسرائيل تكراره
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • على الرغم من اغتيال قائد "حماس" يحيى السنوار والنجاحات الكبيرة في مواجهة حزب الله، فإننا يمكن أن نكون على أعتاب كارثة في صورة حرب لا تنتهي من دون تفكير في شكل انتهاء المعركة. صحيح أن حرباً كهذه يمكن أن نحقق فيها إنجازات تكتيكية مذهلة، لكن يمكنها أيضاً أن تقود إلى فشل استراتيجي كبير جداً، يمكن أن يهدم التفوق النسبي لدولة إسرائيل- بما معناه دولة ديمقراطية مزدهرة مع اقتصاد وتكنولوجيا عالية الدقة.
  • صحيح أن بعض الإنجازات التي شهدناها مؤخراً تحققت بالصدفة، فاغتيال نصرالله كان مزيجاً من الحظ والتجهيزات العملياتية والتميز الاستخباراتي، وخطأ استراتيجي خطِر ارتكبه نصرالله - هذا كله أدخل حزب الله في أزمة تاريخية. هذا الضعف في أوساط التنظيم "الإرهابي" الشيعي يخلق فرصة لمعالجة إيران: العامل المركزي الذي منعنا من ذلك، حتى الآن، هو تهديد الحرب مع حزب الله. وفعلاً، نحن أصلاً في هذه الحرب، وحزب الله ضعيف، فلمَ لا نستمر؟
  • هذا هو الوقت المثالي لطرح السؤال عن استراتيجية الخروج. الآن بصورة خاصة، والإنجازات تتراكم - متى يكون الوقت الملائم لإنهاء المعركة العسكرية وقطف الثمار الدبلوماسية؟ في أعقاب النجاحات الأخيرة التي حققها الجيش في الجبهة الشمالية، والاعتراف بأن "حماس"، عسكرياً، في حالة انهيار (رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي صرّح مؤخراً بأن التنظيم الغزي أُخضع عسكرياً)، فإن الخلاصة الواضحة هي أن الوقت يعمل لمصلحتنا، والإنجازات تتراكم، ويبدو أنه من غير الصحيح وقف المعركة. وأكثر من ذلك - يبدو أنه لو قبِلنا شروط "حماس" قبل بضعة أشهر، لم نكن لنحقق كل هذه الإنجازات المذهلة، ولكان حزب الله سيبقى تهديداً أكبر مما هو عليه الآن. إذاً، ألا يجب الاستمرار بكل القوة ومن دون قيود زمنية؟ هل هذا هو الصواب ؟
  • طبعاً لا. الخصائص الفريدة التي تتمتع بها  إسرائيل تتطلب التصرف دائماً بقيود زمنية. ميزات إسرائيل الخاصة - حجمها الجغرافي (أو في الأساس صغر حجمها)، وضرورة ارتباطها بالعالم الديمقراطي الغربي وبنية الاقتصاد الحر فيها الذي يستند إلى التكنولوجيا العالية الدقة - أمور كلها تدفعنا إلى الاعتراف بحقيقتين:
  1. حرب الاستنزاف التي لا تنتهي هي السيناريو الأسوأ. حتى لو انتهت حرب كهذه بانتصار عسكري، فإن الثمن الاقتصادي والاجتماعي والدولي سيكون مكلفاً أكثر من المقابل العسكري التكتيكي.
  2. ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إنجازات دبلوماسية، وحدها التي يمكنها تحسين الأمن القومي لإسرائيل في المدى البعيد. والسبب: أن الإنجاز العسكري التكتيكي يتبدد سريعاً، أكثر كثيراً من إنجاز عسكري تكتيكي مدعّم بإنجاز دبلوماسي.
  • الخلاصة واضحة: علينا أن نصل إلى إنجاز دبلوماسي في نقطة ذروة الإنجاز التكتيكي العملياتي، والوقت مهم جداً. هذا هو فن التوقيت الصحيح للملاءمة بين العمل العسكري وبين الدبلوماسي: إذا وافقنا على التسوية قبل الوقت الملائم، فسنضيّع إمكان الضغط أكثر على العدو، والذي يمكن أن يؤدي إلى تسوية أفضل- وإذا انتظرنا أكثر مما يجب، فإن الإنجاز العسكري يمكن أن يتبدد، ويمكن للعدو أن يتأقلم ويحقق نجاحات، لذلك، فإن الإنجازات الدبلوماسية ستتضاءل.
  • تحدث كثيرون عن هذا المبدأ على مدار التاريخ، والذي يسمى "نقطة الذروة الاستراتيجية". يمكن القول أنه يوجد لكل استراتيجيا عسكرية نقطة ذروة، بعدها لا تعود الاستراتيجيا نافعة، بل بالعكس- تتحول إلى هدامة. التاريخ العسكري مليء بالأمثلة لدول عملت إلى ما بعد هذه النقطة ووجدت نفسها مهزومة.
  • وفي هذا السياق، يمكن ذكر الهجوم النازي على روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، واستعلاء نابليون الذي أدى إلى هزيمته في مقابل البريطانيين، وأيضاً روسيا- وحتى يمكن ذِكر "داعش" وتوسّعه الجامح الذي أدى إلى تشكيل ائتلاف دولي ضده، هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. أمّا الأحدث من هذه الأمثلة كلها، فهي استراتيجية المعادلات التي اتّبعها حزب الله، والسير على حافة الفوضى، وهو ما قاده إلى الفوضى فعلاً: فلو وافق على مخطط المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين قبل بضعة أشهر، لكان وضعه مختلفاً كلياً اليوم.
  • الشعور العام لدى الجمهور مع معرفة أخبار الاغتيالات جيد، هذا باستثناء الذين سقطوا في المعارك والقضية الأكثر إيلاماً، هي معاناة المخطوفين في غزة. لذلك، الآن بصورة خاصة، يجب البحث فيما إذا كنا قريبين من نقطة الذروة للإنجاز. لأن الأمر الأكثر أهميةً هو أن نكون جاهزين قبل الوصول إليها مع مخطط دبلوماسي متفق عليه، وجاهز لنقطة الذروة. ويمكن التخطيط مسبقاً لهذه النقطة: الأمر شبيه بالسير في طريق سريعة عندما يكون من الواضح للجميع أنه يجب الخروج منها في منعطف محدد، لذلك، يمكن التخطيط مسبقاً لموعد الخروج، وممنوع علينا النظر إلى الخلف بغضب، بعد أن نكون أضعنا المنعطف الذي كان علينا الخروج منه. وإذا أردنا استغلال هذا التشبيه أكثر، فممنوع علينا الاستمرار في الطريق السريعة لأن هذا يقودنا إلى حرب استنزاف من دون نهاية، وهو السيناريو الأسوأ.
  • وقبل الإجابة عن سؤال النقطة التي يجب علينا الخروج فيها، يجب تحليل وضعنا العملياتي في المعارك الأربع التي تقاتل فيها إسرائيل الآن:
  1. المعركة ضد أذرع إيران: تلقى حزب الله ضربات صعبة، لكن لا يمكن إخضاع التنظيم من دون مناورة برية عميقة. لا يزال الحزب في مرحلة "صدمة"، لكن من المتوقع أن يسمح له الوقت بالتعافي، ويمكن النظر إلى العمليات الفعالة التي يقوم بها حزب الله في الآونة الأخيرة كإشارة إلى هذا النهوض. صحيح أننا أصبنا نصف قدرته الصاروخية، لكن على الرغم من ذلك، فإنه ما زال لديه آلاف القذائف والصواريخ وعشرات آلاف المسيّرات. أمّا بخصوص بقية أذرع إيران- فما زالت مستمرة في المعركة ضد إسرائيل، وبمنطق الاستنزاف بشكل واضح، بما معناه وتيرة إطلاق نار قليلة نسبياً على مدار وقت طويل.
  2. المعركة ضد إيران: انتقلت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران إلى مرحلة أُخرى، ووصلت إلى عتبة الحرب المباشرة. ومثلما اكتشف حزب الله مؤخراً أنه يوجد لدى إسرائيل بعض الأوراق التي لم تكشفها حتى الآن، يبدو أن الجمهورية الإسلامية أيضاً ستكتشف ذلك، إذا قررت حكومة إسرائيل أن يكون الرد كبيراً على الهجوم الإيراني. ليس لدى إسرائيل قدرة على حسم المعركة في مواجهة إيران عسكرياً، وإسقاط النظام في طهران ليس هدفاً واقعياً للحرب، بالنسبة إلى إسرائيل (وأشك في أن يكون واقعياً، بالنسبة إلى الولايات المتحدة). لدى إسرائيل قدرات دفاعية جيدة، ولدى إيران قدرات هجومية جيدة: يجب أن يمنع ردنا حرب استنزاف بالنيران.
  3. المعركة ضد "حماس": تم اغتيال السنوار، ولم تعد الذراع العسكرية لـ"حماس" تعمل كتنظيم عسكري منظم. من الواضح أنه جرى تفكيك المنظومة العسكرية، وقد وصفه البعض بأنه "قرار نظامي". وفي الوقت نفسه، هناك عشرات المخطوفين الذين يختنقون في الأنفاق في غزة من دون أيّ تقدّم في المفاوضات لتحريرهم، وقطاع غزة يدخل، رويداً رويداً، في  مرحلة الفوضى في السياق المدني. يبدو أن إسرائيل ستسيطر على شمال القطاع مرة أُخرى، ميدانياً، وتفرض هناك حكماً عسكرياً يكون مسؤولاً عن توزيع المساعدات. هذا الوضع سيقود إلى إعادة احتلال قطاع غزة من جديد مع كل الإسقاطات- موارد وانتقادات دولية وخطورة على اتفاقيات السلام وزيادة الحملة القانونية ضد قيادات إسرائيل، وأيضاً أزمة مع الولايات المتحدة.
  4. المعركة الدولية: التفوق الأكبر في هذه المعركة هو الدعم الأميركي، لكن يمكن القول إنه موقت (حتى الانتخابات). نحن الآن قبل أيام من الانتخابات الأميركية والإدارة ملتزمة الدعم الكامل لإسرائيل، وكل تردُّد سيُترجم مباشرةً إلى دعم حملة دونالد ترامب. على الصعيد الاقتصادي، تخفّض شركات تقييم الائتمان الكبيرة تصنيف الاقتصاد الإسرائيلي- وحتى لو انتهت الحرب غداً، فإن التصنيف سيحتاج إلى أشهر طويلة، إن لم يكن سنوات. أمّا مكانة إسرائيل الدولية في أوروبا والدول العربية فإنها تتراجع.
  • في كل معركة من المعارك الأربع التي نخوضها، توجد نقطة ذروة ونحن قريبون من الوصول إليها:
  1. في مقابل حزب الله: بعد أن استكمل الجيش "تطهير" القرى الملاصقة للحدود التابعة لحزب الله وتفكيك البنى التحتية لقوة الرضوان، سيكون حزب الله في أدنى مستوى له بصورة غير مسبوقة. تم إضعاف قدراته الاستراتيجية، ونزع قدراته على اختراق حدودنا، كما أن منظومة القيادة والسيطرة في الحزب لم تنهض من جديد بعد. هذا الواقع سيسمح بالتوصل إلى ترتيبات أمنية محسّنة على الحدود الشمالية، وضمنها موافقة مبدئية على تفكيك حزب الله وكل الميليشيات المسلحة في لبنان، بحسب القرار 1559 الصادر عن الأمم المتحدة، وحتى ذلك الوقت، الذي أشك فيما إذا كان سيأتي أصلاً، سيتم منع حزب الله من التواجد جنوبي نهر الليطاني، بحسب القرار 1701. التغيير المطلوب في الترتيبات السابقة هو مراقبة تطبيق القرارات، بصورة تسمح  للجيش الإسرائيلي بالتدخل إذا لم يتم تطبيق القرار.
  2. في مقابل إيران: يجب توجيه ضربة قاصمة إلى  طهران- يجب أن ترد دولة إسرائيل بقوة على الهجوم الكبير الذي تم خلاله إطلاق نحو 200 صاروخ مباشرةً من أرض الجمهورية الإسلامية. لكن قبل الرد الإسرائيلي، يجب تعزيز الدفاع الإسرائيلي: نشر منظومة "ثاد" الأميركية يحسّن الوضع العملياتي، وهو رسالة استراتيجية مهمة لإيران. يعلم الإيرانيون بأن لدى إسرائيل كمية محدودة من الصواريخ الاعتراضية من منظومة "حيتس"، لذلك، فإن إضافة اعتراضات أميركية تعزز كثيراً مخزون الصواريخ الاعتراضية لدى إسرائيل. هذا المخزون يسمح لنا بالتجهز لعدد كبير من الضربات: على القيادات الإيرانية أن تقرر ما إذا كانت ستدخل إلى الفخ الاستراتيجي الذي وضعته إسرائيل والولايات المتحدة أمام بابها. إذا انجرفت وردّت بعنف كبير، فهذا سيزيد في حدة الرد الإسرائيلي، وهو ما سيستنفذ المخزون الصاروخي لدى إيران، وتستطيع إسرائيل أن تُلحق الضرر بالأهداف التي تضر بالاقتصاد الإيراني.
  3. في مقابل "حماس": هذا يتعلق بقرار دمج الإنجازات التكتيكية- لاحقاً، سنتطرق إلى مزيد من ذلك.
  4. في الساحة الدولية: مرحلة "البطة العرجاء" في الولايات المتحدة، بعد السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، والتي ستبدأ بعد دخول الرئيس بايدن إلى الأشهر التي سيكون فيها من دون قيود، وسيعمل على حفظ إرثه. هذه المرحلة خطِرة لإسرائيل: يمكن أن ندفع فيها ثمن الاستفزازات والإذلال العلني لرئيس الولايات المتحدة، ولذلك، سيكون من الصواب المبادرة إلى خطوة دبلوماسية تنهي الأمور خلال هذه المرحلة. هذا أفضل من مبادرة دبلوماسية تُفرض على إسرائيل من دون أن تكون راغبة فيها، مثلاً صدور قرار عن مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق نار فوري في لبنان وغزة.
  • الآن، يتوجب على المستوى السياسي ربط جميع نقاط الذروة هذه لتحقيق استراتيجية خروج واحدة. الحديث هنا يدور حول تخطيط استراتيجي دبلوماسي له مكون عملياتي وآخر سياسي. يتضمن المكون العملياتي ملاءمة جميع الإنجازات التكتيكية معاً في توقيت واحد: استكمال المناورة البرية وضربة قوية لإيران والدفع بمسار دبلوماسي لترتيب الأمور في فترة ما بعد الانتخابات الأميركية.
  • المكون الدبلوماسي المقترح يجب أن يكون مفاوضات بشأن ترتيبات واتفاق وقف إطلاق نار يتضمن وضعاً أمنياً أفضل في الحدود الشمالية، وإذا كان ممكناً، أيضاً يتضمن اتفاق تحرير رهائن، وإذا لم يحدث ذلك، تستمر الاقتحامات في غزة حتى الوصول إلى هدف تحرير المخطوفين.

في الخلاصة

  • الإغراء أمام المستوى السياسي بالاستمرار في الحرب كبير جداً. وكلما استمرت الحرب، ستتراكم الإنجازات التكتيكية ويبتعد الفشل الخطِر في 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ لكن المستوى السياسي يُمتحن، ليس فقط بالإنجازات التكتيكية - بل أيضاً بتغيير الواقع الأمني في المدى البعيد، وهذا التحسين يتطلب ملاءمة استمرار الحرب بالأدوات الدبلوماسية. هل يجب الانتظار على أمل الوصول إلى نقطة ذروة أفضل مستقبلاً ونحن لا نزال بعيدين عن نقطة الذروة الحقيقية ؟
  • هذا ممكن طبعاً، لكنه ليس السؤال الذي على المستوى السياسي الإجابة عنه. السؤال هو متى يمكن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار، بحسب شروطنا. إذا وصلنا إلى هذا  الوضع، فلا حاجة إلى الاستمرار في الجهد العملياتي: الحرب ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي أداة للوصول إلى واقع أمني أفضل.

 

 

المزيد ضمن العدد