يجب شن هجوم استباقي ضد إيران، الآن
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ترِدنا تهديدات "ساخنة" من طهران، على مدار الأيام الأخيرة، مفادها أن الرد الإيراني سيكون كبيراً على الهجوم الإسرائيلي الأخير. فعلى سبيل المثال، صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي بأن "الرد الإيراني سيكون غير متوقّع"، وأيضاً أعلنت صحيفة "طهران تايمز" أن "الرد الإيراني سيكون أكثر قسوةً مما كان عليه في السابق"، وأن "عملية ’الوعد الصادق 2‘ ستكون متواضعة، مقارنةً بما سيأتي".
- باختصار، يبدو أنه جاء دور إيران في لعبة "تبادُل الضربات" بينها وبين إسرائيل، وبعد أن حظينا بفترة راحة قصيرة في الأيام العشرة الأخيرة، ينبغي لنا إعداد وتعبئة الملاجئ والغرف المحصّنة من جديد. لكن السؤال هنا هو، هل يجب أن يستمر الأمر على هذا المنوال؟ في الإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نوضح بعض المفاهيم.
- أولاً، لقد غيّر الهجوم الإسرائيلي ضد حزب الله في الشهر الماضي توازُن القوى بين تل أبيب وطهران بشكل ملحوظ. فحزب الله، الذي يُعتبر أحد أبرز "الأذرع" التابعة لإيران، تعرّض لأضرار كبيرة، وربما لم يعد الورقة الأهم التي كان الخامنئي يمتلكها لردع إسرائيل. في الماضي، كانت طهران تستطيع الاعتماد على هذا التهديد لمنع هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، لكن هذا الوضع لم يعد قائماً اليوم. وعلى الرغم من أن الحزب يستمر في قصف شمال إسرائيل يومياً، فإنه لم يعد قادراً على شلّ الدولة الإسرائيلية، أو تشكيل تهديد وجودي لها. وفي المقلب الآخر، الجدير بالذكر أن ورقة أخرى سقطت من حزمة الأنشوطة الخانقة التي لفّتها طهران حول إسرائيل، وهي "حماس".
- ثانياً، صار واضحاً إلى حد كبير، من خلال الاطلاع على التقارير بشأن الهجوم الإسرائيلي في إسرائيل والعالم والتفسيرات المصاحبة لها، أن سلاح الجو الإسرائيلي ألحق ضرراً ملموساً بقدرات الدفاع الجوي الإيرانية، وهو ما أوضح للسلطات الإيرانية حقيقة مؤلمة؛ وهي أن دولتهم أصبحت مكشوفة إلى حد كبير (إن لم يكن بشكل كامل) أمام أيّ هجوم يقرر الجيش الإسرائيلي تنفيذه عندما يقرر ذلك. هذه الحقيقة المؤلمة، بالنسبة إلى طهران، تفسّر بالتأكيد الشعور بالإحباط والغضب هناك، لكن بعكس ذلك، فإن الأمر ينطوي على كثير من الأمور الإيجابية بالنسبة إلى إسرائيل: تعزيز الردع، وزيادة المرونة في اتخاذ القرارات في القدس فيما يتعلق بخطوات هجومية إضافية، وطبعاً – في تحديد طبيعة تلك الخطوات.
- ثالثاً، من خلال تحليل نتائج الهجوم الصاروخي الإيراني في 1 تشرين الأول/أكتوبر. أشار المحلل العسكري ديكر أفلات في مقال نشره في مدونته في 27 تشرين الأول/أكتوبر (Nevatim Strike: Accuracy Digestif)، إلى أن الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على قاعدة سلاح الجو في "نيفاتيم" تسببت بأضرار محدودة فقط، نظراً إلى أن دقة الصواريخ (CEP) تتراوح ما بين 800 و900 متر (أمّا أقصى إمكانية لتحسين دقتها، فتصل إلى 500 متر فقط). وأوضح أفلات أن هذا المعدل – البعيد جداً عن دقة الهجوم الإسرائيلي الأخير – يمكن أن يسبّب كثيراً من الدمار والقتل، لكنه لا يسمح بإلحاق ضرر يشكّل تهديداً وجودياً لقوات الجيش الإسرائيلي، سواء التقليدية، أو غير التقليدية، إلّا إذا زادت كثيراً كميات الصواريخ المطلقة تجاه كل هدف. ويرى أفلات أنه ما دامت إيران تتجنب استخدام ما تمتلكه من صواريخ لإحداث قتل واسع النطاق في إسرائيل، ولأن إسرائيل لن ترغب في التصعيد لاستخدام الأسلحة النووية، فإن النتيجة ستكون استنزافاً طويل الأمد ومتبادلاً على هذا المنوال.
- هل نرغب في البقاء عالقين في استنزاف بطيء ومستمر على هذا النحو؟ الجواب واضح - لا. لقد عبّر العميد يوڤال غاز، من قسم التخطيط في هيئة الأركان العامة ("هآرتس"، 1 تشرين الثاني/نوفمبر)، قائلاً: "يجب علينا تجنّب الوقوع في معركة استنزاف طويلة ضد الإيرانيين... لأن الاستنزاف سيكون مشكلة بالنسبة إلى اقتصادنا وأمننا أيضاً".
- إذا أخذنا هذه العوامل مجتمعةً، فثمة مجال لتحقيق اختراق فكري بشأن النهج الأنسب الذي يجب أن تتبعه إسرائيل: في أعقاب الهجوم الصاروخي في 1 تشرين الأول/أكتوبر، أوصيت بتجنُّب أيّ رد، واتباع مبدأ "ضبط النفس هو القوة" ("هآرتس"، 5 تشرين الأول/أكتوبر)، لكن مثلما كان متوقعاً، لم يحدث ذلك. اليوم، انقلبت المعادلة بالكامل، وفي رأيي، باتت الظروف تستدعي مبادرة إسرائيلية إلى تنفيذ هجوم استباقي ضد إيران، الآن، قبل الهجوم الإيراني "الموعود" في المستقبل القريب. وينبغي ألّا يكون هذا الهجوم "مجرد" "هجوم وقائي استباقي" لإحباط التحضيرات الإيرانية للعملية المخطط لها، بل يجب أن يشمل جميع الأهداف التي يجب ضربها لإحباط التهديد الإيراني لوجود إسرائيل، أعواماً طويلة مقبلة، إن لم يكن القضاء على هذا التهديد – بشكل كامل –وربما، إثارة تساؤل في طهران عمّا إذا كان هناك حاجة إلى إجراء تغيير جذري في استراتيجيتها تجاه إسرائيل، إن لم يكن من خلال احتوائها، فعلى الأقل احترامها.
- طبعاً، الهجوم الاستباقي ليس رهاناً سهلاً. فإلى جانب المكاسب المحتملة المتعددة، هناك أيضاً مخاطر، مثل تأخير قدرتنا على استعادة أسرانا من غزة. وأجل، إذا نجح الهجوم، فإن رئيس الوزراء سيحاول ركوب الموجة لجني الأرباح. لكنه يفعل ذلك دائماً، كما أنه ليس بحاجة إلى مواجهة مع الإيرانيين كذريعة لتأخير ترتيب اتفاق مع "حماس"، فثمة أسباب أُخرى عديدة تجعله يؤجل ذلك.