سيتعين على إسرائيل الإثبات أنها قادرة على توفير البضاعة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- لن يستلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته إلّا بتاريخ 20/1/2024، لكن انتخابه ترك أثره منذ الآن في سلوك اللاعبين في الساحتين الإقليمية والدولية.
- تنطوي التعيينات المرتقبة في إدارة ترامب الجديدة على رسائل إيجابية لكل مَن يرى في إيران تهديداً للسلام والاستقرار العالمي، ولمن يراها "مصدر الشرور" في الشرق الأوسط. تشير هذه التعيينات إلى نية الإدارة الجديدة تبنّي نهج واقعي في مواجهة التحديات الخارجية للولايات المتحدة، وبصورة خاصة تجاه النظام في طهران وأذرعه، من خلال سياسة استباقية وحازمة تعتمد على المصالح والقوة. هذه التعيينات هي أيضاً رسالة واضحة لأعداء إسرائيل.
- أعلن ترامب في خطاب فوزه، قائلاً: "لن أشنّ الحروب، بل سأعمل على إنهائها". وخلال إلقائه خطابه، كانت قيمة الريال الإيراني تتراجع إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يعكس قلق الأسواق والتوقعات المتشائمة بشأن إيران.
- كان من المفترض أن تجلب الإشارات الصادرة عن ترامب بشأن رغبته في إنهاء الحرب، قبل حفل تنصيبه في 20 كانون الثاني/يناير، ارتياحاً لدى قيادات "حماس" وحزب الله، إذ إنهما يتمنيان زيادة الضغوط على إسرائيل في هذا الشأن. ومع ذلك، يبدو أن تلك الإشارات أثارت قلقهم، بدلاً من ذلك. فهم يدركون أن طموح الرئيس المنتخب لا ينفصل عن الوضع النهائي الذي يسعى لتحقيقه.
- وعلى الرغم من أن ترامب لم يوضح، حتى الآن، رؤيته في هذا الشأن، علناً على الأقل، فإن موقفه الحازم تجاه إيران وأذرعها والتزامه تجاه إسرائيل ودول المحور المناهض لإيران، ونظرته إلى المؤسسات الدولية والمفاهيم السائدة فيها، ونهجه العملي الساعي لتحقيق نتائج واضحة، كلها أسباب كافية لإثارة القلق في طهران وبيروت وصنعاء وغزة.
ترامب يريد إسرائيل قوية، لا أن تكون
متعلقة بغيرها ومترددة في قراراتها
- وبقدر ما تحمل هذه المقاربة فرصة كبيرة للحكومة الإسرائيلية، فإنها تنطوي على تحدٍّ كبير، إذ ستحتاج إسرائيل إلى أن تُظهر للإدارة القادمة أن الشراكة معها ليست مجرد تحقيقٍ لالتزام أخلاقي بين حليفين يشتركان في أيديولوجيا وقيم متشابهة، بل هي أيضاً استثمار مُجدٍ للولايات المتحدة.
- سيتعين على إسرائيل أن تثبت أنها مكسب أميركي من النواحي الأمنية والتكنولوجية والاقتصادية.
- كذلك، سيتعين على إسرائيل موضعة نفسها بصفتها قادرة على الدفاع عن نفسها، وأن تقود تحالف الدول المعتدلة ضد إيران والإسلام الراديكالي، وأن تكون لاعباً رئيسياً في تطوير الاقتصاد والتكنولوجيا في المنطقة، بالإضافة إلى إسهامها في تعزيز المصالح الأميركية في الإقليم وفي العالم. إن وجود إسرائيل قوية ومنتصرة، لا تابعة ومترددة، هو الهدف الذي ينبغي أن نسعى له، بغض النظر عن هوية الرئيس في البيت الأبيض. وهذا الهدف يتماشى تماماً مع تطلعات ترامب إلى رؤية إسرائيل، باعتبارها ركيزة أساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
- إن التعافي العسكري السريع لإسرائيل من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، والجرأة التي أظهرتها في مواجهة كلٍّ من إيران وحزب الله، والإنجازات التي حققتها في كلٍّ من جبهات القتال السبع، يمكن أن تعزز ثقة ترامب بقدرتها على تحقيق ذلك، وأيضاً منحه الثقة اللازمة لدعمها.
- لقد وجّهت إسرائيل ضربات قاسية إلى حركة "حماس" في غزة، وحزب الله في لبنان. ووجّهت أيضاً ضربة موجعة إلى الحوثيين في اليمن، ووضعت إيران على مسار مواجهة مباشرة كانت تسعى لتجنّبها. ثم أثبتت أن طهران عاجزة عن إنقاذ قواتها الوكيلة من قبضة إسرائيل، وأظهرت أن إيران مخترقة من طرفها.
- ومع ما تقدّم، فإن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق جميع أهدافها بعد. فحزب الله لا يزال قادراً على إدامة نمط إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى العمق الإسرائيلي ومدن الشمال، بالإضافة إلى البلدات القريبة من الحدود. وكذلك، فإن عناصر الحزب قادرة على تكبيد قوات الجيش الإسرائيلي خسائر في مناطق الاشتباك في لبنان. أمّا في غزة، فتواصل حركة "حماس" مناوشة القوات الإسرائيلية، وهي قادرة على الحفاظ على مكانتها من خلال سيطرتها على المساعدات الإنسانية، في حين لا تزال قيادة الحركة متمسكة بمطالبها بشأن الأسرى. والتنظيمان قادران على التعافي من الضربات التي تلقياها، وفي وقت أقصر مما يُعتقد عادةً، بفضل قدراتهما المتبقية، والدعم الخارجي المضمون لهما، والعناصر الميدانية والمناصرين الكثيرين الذين ما زالوا على ولائهم، والعوامل التي يسعون لإدماجها في أيّ تسوية مستقبلية.
التخلص من الأعباء التي فرضتها إدارة بايدن
- إلى جانب عرفاننا، نتيجة الدعم والمساعدات الكبيرة التي قدمها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وإدارته، لا يمكننا تجاهُل الضغوط التي رافقت ذلك. فعندما تطلب الولايات المتحدة خفض شدة القتال وتقديم مساعدات إغاثية، يصل جزء كبير منها إلى حركة "حماس"، ويُستخدم لدعم مقاتليها وتعزيز سلطتها على السكان، فإنها تُطيل أمد الحرب، وتزيد في الأخطار التي تهدد قوات الجيش الإسرائيلي، وتُبعد احتمالات التوصل إلى اتفاق، وتُفاقم المعاناة. عندما تُمارس الضغوط على إسرائيل للسماح بتوفير الغذاء والكهرباء والوقود، وحتى الإنترنت، فإن ذلك يُرسل رسالة إلى "حماس"، مفادها: "يمكنكم مواصلة القتال ضد إسرائيل، وسنضمن لكم الدعم اللوجستي".
- لكي تتمكن إسرائيل من إتمام مهماتها في غزة بسرعة، فإن الخطوة الأولى الضرورية تتمثل في إزالة الأعباء التي وضعتها واشنطن على كاهلها. والأمر يتعلق بشدة القتال، وبكمية وطريقة توزيع المساعدات الإنسانية، ونقل جميع السكان إلى مناطق آمنة في أنحاء القطاع. سيواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ هذه المهمات، وفقاً لمتطلبات القانون الدولي. هذه الاستراتيجيا ستتيح معالجة أكثر شموليةً وسرعةً لقدرات "حماس" المتبقية، وستنتزع منها السيطرة على الموارد الحيوية للسكان، وستزيد في الضغط على قادتها لدفعهم نحو اتفاق. وهذه هي أيضاً القاعدة لأيّ نقاش بشأن "اليوم التالي".
- إلى جانب ذلك، يجب زيادة الضغوط على قيادة "حماس" المقيمة بقطر. إذ ما زال غير واضح مصير التهديدات التي تتحدث عن طرد كبار قادة "حماس" الذين يستضيفهم هذا البلد. لا ينبغي التراجع عن هذا الملف. وأن اتخاذ إجراءات صارمة تجاه هذه المجموعة قد يخدم هدفين مهمّين: الأول: إضعاف قيادة الحركة التي تقوم بتوجيه وتنسيق نشاطاتها، وتسعى لإعادة بنائها، والثاني: تعزيز جهود التوصل إلى صفقة بشأن الإفراج عن الأسرى.
- على إسرائيل التحرك بسرعة وحزم لإعادة ترسيم الواقع على الحدود الشمالية. لقد آن أوان تدفيع لبنان الثمن. وفي موازاة العمليات البرية في الجنوب اللبناني، من المناسب توسيع دائرة الاستهداف لتشمل بيروت، وتعطيل نشاط مطارها، ودراسة فرض حصار بحري على لبنان، من أجل رفع منسوب النقمة الداخلية على حزب الله.
- يتمثل التحدي الأساسي، قبل كل شيء، في مواجهة إيران. إن تودُّد إدارة بايدن للإيرانيين زاد في جرأتهم، وأضعفَ موقف الولايات المتحدة في الإقليم بأسره. وفي طهران، تُفسَّر هذه السياسة بأنها علامة ضُعف، وضمانة لعدم استخدام القوة ضدها. وبذا، يمكننا القول إن الضعف يستدعي الشر.
- إيران ليست مشكلة لإسرائيل فقط، ولا حتى للإقليم وحده، فهي تمثل تهديداً للسلام والاستقرار في العالم، والهجمات الصاروخية التي استهدفت إسرائيل تقدم دليلاً على ذلك. لا يتطلب الأمر خيالاً واسعاً ليفهم المرء شكل التهديد الذي قد ينشأ نتيجة دمج التكنولوجيا الصاروخية الإيرانية الحديثة في أسلحة نووية. لقد اكتشف العالم خطر نظام طهران أيضاً من خلال دعم هذا النظام للحرب الروسية في أوكرانيا، وتشغيل شبكات الوكلاء ونشر الأسلحة الإيرانية، في نموذج يوفر الكثير، وبتكاليف منخفضة. على الولايات المتحدة قيادة المعركة ضد إيران بالتعاون مع حلفائها. ليس فقط في الجوانب المتعلقة بالبرنامج النووي، بل أيضاً في قضايا انتشار الأسلحة، وإشعال الجبهات، وتحريك "الإرهاب". لقد آن الأوان لتدمير النموذج الإيراني الذي يُعفي المرسل من المسؤولية عن أفعال المُرسل إليه.
- إن مكافحة برامج طهران هي أمر لا يحتمل التأجيل، في حين لم تتمكن الجهود الدبلوماسية من لجمها. هناك حاجة إلى معركة أوسع وأعمق، تدمج الجهد السياسي في العسكري والاقتصادي، بقيادة الولايات المتحدة. وفي مثل هذه الحالة، فإن إسرائيل ستقوم بدورها على أكمل وجه.