صدمة 7 أكتوبر أصبحت ذريعة لتبرير الإرهاب اليهودي مع غضّ نظر الجيش
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبل أسبوعين، ذهبت إلى الكنيست للمشاركة في نقاش لجنة الخارجية والأمن. وهذا أمر غير مألوف أحاول عدم القيام به، ولا سيما إذا كانت اللجنة الفرعية، برئاسة تسفي سوكوت [عضو كنيست من حزب الصهيونية الدينية]. لكن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان رأت أن حضور نقاشات اللجنة مهم لأنه سيتناول "التقييمات لقطف الزيتون"، وهذا الموضوع مهم لمنظمات حقوق الإنسان التي تشجع حملة الوجود الوقائي خلال قطف الزيتون في الضفة، لذلك، قررت أن أحضر الجلسة بحُكم عملي.
- مرت الجلسة بسلام، بعدها تحدثت مع عدد من المستوطنين الذين يقودون سياسة التخويف والقلق من "جمع للمعلومات الاستخباراتية"، تحت غطاء قطف الزيتون، وهذا من تداعيات 7 أكتوبر، وطالبوا بإبعادي وإلغاء مشاركتي في الجلسة. وعندما تحدثت عن الميليشيات اليهودية الملثمة التي تهاجم المزارعين وتهاجمنا معهم، تبدل الوضع. سألني أحدهم "ما هو عدد الأشخاص؟"، "عشرون، خمسون، مئة؟" وكنت أقول له أكثر. وبدا النقاش أشبه بحديث إبراهيم مع ربه، قبل سقوط سدوم وعمورة، ومنع العقاب الجماعي. لقد عكس صورة قاتمة لفهم مغروس في رأس كثيرين من الإسرائيليين، حتى بعد حادثة حوّارة [مهاجمة مئات المستوطنين من اليمين المتطرف البلدة في 26 أيلول/سبتمبر 2023، وحرق منازلها وأملاكها] وترمسعيا، ودوما، وغيرها عشرات الهجمات المنظمة التي شُنّت خلال العام ونصف العام الماضيَين، مع مئات الحوادث الإجرامية المنظمة.
- في رأي المستوطنين، ما يحدث هو أن بعض الشبان المشاغبين يعبّر عن ثورة الشباب في هضاب الضفة الغربية، بدلاً من التعبير عنها في داخل منازلهم. هذه الفكرة تتسلل إلى عقول أبنائنا الجنود الموجودين هناك، والممزقين بين واجبهم الذي يقضي بالمحافظة على أمن اليهود في المناطق، وبين واجبهم (الذي لا ينفّذ) في وقف الإرهاب اليهودي وملاحقة مثيري الشغب. هذه الفكرة تتسلل أيضاً إلى الشرطة والنيابة العامة التي لا تعتقل أحداً، ولا تحقق، ولا توجّه كتب اتهام، حتى بعد أعمال التنكيل ضد فتيات في غفعات رونان، والهجوم الموثّق على قاطفي الزيتون.
- مع الأسف، الحقيقة مختلفة للغاية. وكنت فعلاً أفضّل لو كان هذا هو الوضع. خلال موسم قطاف الزيتون الحالي الذي حلّ قبل شهر، سُجل أكثر من 100 حادثة عنف. أمّا عدد الحوادث التي سُجلت "لجمع معلومات استخباراتية"، أو هجوم من طرف الفلسطينيين، فهو صفر. لا أريد الدخول في سجال مع الخائفين منذ 7 أكتوبر. أنا شخصياً تعرّضت وعائلتي للهجوم مدة يومين في منزلي، وبالكاد نجوت. ولا أناقش مسؤولية الدولة عن حماية مواطنيها، ولا وضع الاحتلال. أنا أناقش عملية التلاعب بالحقائق التي تحوّل الذي تعرّض للاعتداء إلى متهم.
- بأعجوبة، وبعد مرور بضعة أيام على النقاش، عشنا التجربة مباشرة. إذ تعرّض للهجوم نحو خمسين شخصاً من عناصر تابعة لحركة صوت الضمير الحاخامي من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان من المتطوعين والمتطوعات، على يد شبان أتوا من البؤر الاستيطانية في المنطقة. وكان العشرات منهم ملثمين ومزودين بالعصيّ والآلات الحادة، بينما ألقى آخرون الحجارة علينا وأصابونا. وعندما نجحنا في الاستنجاد بالجيش والشرطة، فإن هذا لم يكن مفيداً فعلاً. بعد ساعة طويلة، أصدر الجيش أمراً أغلق فيه المنطقة، واعتبرها منطقة عسكرية، وأوقف عملنا. ولم يتم توقيف أيّ مهاجم. في المقابل، جرى توقيف 3 عناصر من عناصرنا بتهمة خرق الأمر (الذي صدر بعد الحادثة)، فاضطر هؤلاء إلى تمضية ساعات طويلة في مركز الشرطة بانتظار تحقيق سريع معهم، ثم أُطلِق سراحهم.
- العنف ينتصر. ويواصل البلطجية ترويع الفلسطينيين وناشطي الدفاع عن حقوق الإنسان، والأخطر ترويع الجيش والشرطة. الإرهاب اليهودي ينتصر مجدداً. والمقصود ليس حادثاً يجري في مكان بعيد، بل ما يحدث في قلب الصراع السياسي والثقافي. أيّ شعب نريد أن نكون؟ وما هي الدولة التي نريدها؟ هل الدولة التي تعيش وفق رؤى الأنبياء ومبادىء وثيقة الاستقلال والقانون؟ أم وفق رؤية التفوق اليهودي؟
- لقد اخترنا وصية "لا تستطيع أن تتجاهل". ولن ندير ظهرنا ونترك العنف المجنون يستمر. ففي نهاية الأمر، سيصل كل هذا العنف إلى الحكومة التي تقوم بضم الضفة الغربية كأمر واقع، وتشجع الإرهاب اليهودي. وهذا العنف سيصل إلى الجيش الذي يعاني، أكثر فأكثر، جرّاء وجود الميليشيات في داخله. "شارة المسيح" [شارة علّقها الجنود على زيهم العسكري للحماية] والدعوات إلى الانتقام في أثناء تشييع الجنود القتلى من المتدينين، وفي سديه تيمان، والتساهل إزاء موت الأبرياء، أكثر فأكثر، سيدمر المنازل والعائلات. وإذا وضعنا جانباً حقيقة أنه في نهاية اليوم سنعود إلى منازلنا الآمنة، ونترك شركاءنا الفلسطينيين هناك، في هذا الواقع الصعب، فإن الغصن الذي نجلس عليه كلنا سينكسر.
- لن نتراجع، وسنخرج هذا الأسبوع إلى القطاف، وسنرافق المزارعين في البساتين والأحراش، والرعاة المهددين، ونكون إلى جانب الجماعات المتروكة. وإذا لم يستيقظ الجمهور الإسرائيلي، وظل الناس الطيبون يقفون موقف المتفرج، ولا ينضمون إلينا، فإن هذه الموجة المخيفة ستجرفنا جميعاً.