على الطريق الأكيدة لتحويل الكارثة الكبرى إلى كارثة من نوع آخر - أخلاقية، وسياسية واقتصادية
تاريخ المقال
المصدر
- بعد أيام قليلة على تباكيه على بطولة سكان نير عوز ومسؤوليته تجاههم في أعقاب زيارته إلى المكان (حصل على كثير من التقدير، كأنه قام بعمل بطولي وليس أمراً مفروغاً منه)، عاد وزير المالية ليكشف أن هذا كله لم يكن سوى كذبة وألاعيب علاقات عامة، وقال أول أمس في مقابلة مع برنامج "لقاء مع الصحافة"، الذي يقدمه بن كاسبيت وعاميت سيغل: "لن أسمح بصفقة تنهي الحرب". مضيفاً "ولا أعتقد أن هناك أحداً من بين زملائي، أو في المنظومة الأمنية، سيسمح بوقف الحرب. سنوقف الحرب عندما تختفي "حماس" وتُسحق وتُدمّر".
- هذه الأقوال التي تعني، بوضوح، التخلي عن المخطوفين والمخطوفات وإبقاءهم في حالة احتضار طويلة ومُذلة، قالها، وهو لا يزال يضع الزر الأصفر [رمز المطالبة بتحرير المخطوفين] على المعطف، مما يدل على أنه لا حدود للحرب، ولا للوقاحة أيضاً. لكن سموتريتش، الذي لا ينكر أنه يتمنى ضم الضفة الغربية و(على الأقل) شمال قطاع غزة، يسمح لنفسه بذلك، لأنه يعلم بأن الجمهور، في أغلبيته، لم يعد يهتم بالجبهة الجنوبية، باستثناء اللحظات التي تصل فيها الأنباء الصعبة عن مقتل الجنود.
- يحصل مستهلك الإعلام الإسرائيلي على الأنباء من القطاع، بعد أن تمرّ بالفلاتر الرقابية للمتحدث باسم الجيش والإعلام المجند. حتى إن الواقع الفلسطيني، مثلما ظهر في التقرير المثير للخلاقات (في اليمين واليسار) الذي أعدّه أوهاد حامو في القناة 12 بشأن كراهية النازحين لحكم "حماس"، لا يتطرق إلى قضايا أهداف الحرب في هذه المرحلة، ولا يتطرق أيضاً إلى جدواها، وطبعاً لا يتطرق إلى مدى التزامها بقوانين وأخلاق (نعتذر عن اللفظ) الحرب. فباستثناء عدد قليل من المتظاهرين والمتظاهرات، بات المخطوفون اليوم في المجتمع الإسرائيلي ذكرى مشوشة، أو مصدر إزعاج.
- هناك كثير من الأسباب وراء هذا الإنكار، حتى يمكن القول إنه تصالُح مع الواقع، بعض هذه الأسباب شرعي وموضوعي. هذا بعكس الصورة الأحادية التي تظهر لدى اليسار المتطرف في العالم (وقلة في البلد)، لكن الواقع المركب هذا لا يغيّر النتيجة التي لا يمكن الاختباء خلفها: إسرائيل على الطريق الأكيدة لتحويل الكارثة الأكبر في تاريخها إلى كارثة أُخرى - أخلاقية وسياسية واقتصادية. الحقائق التي يفرضها الجيش في شمال القطاع (شق الطرقات وبناء البنى التحتية وتهجير السكان)، وعدم وجود أفق لنهاية الحرب، وكذلك الضبابية بشأن مستقبل حُكم القطاع، التي تشير إلى إمكان احتلال دائم غير موقت. ازداد الحديث في اليمين عن بناء مستوطنات من دون أيّ جهد من رئيس الحكومة لإيضاح أن هذا لن يحدث، ويعزز الشكوك في أن إسرائيل أقرب من أيّ وقت مضى إلى تحقيق أحلام سموتريتش مما هي قريبة من إنهاء كابوس عينات تسوكربيرغ [ناشطة في لجنة عائلات المخطوفين].
- وفي الوقت الذي يطالب البابا (الشخصية الأكثر أهميةً على الأرض بالنسبة إلى 1.4 مليار شخص) بفحص ما إذا كانت إسرائيل تقوم بإبادة جماعية في غزة، فإن الستار الحديدي الإسرائيلي الذي بات يشبه ما يجري في روسيا، باستثناء إخفاء معارضي النظام، يغدو أكثر وأكثر سمكاً: لا توجد أيّ صورة من الصور التي تنتشر كالنار في الهشيم في العالم؛ لا توجد أيّ رقابة جدية على الجيش؛ ولا توجد أيّ محاسبة على الأفعال التي ستؤدي إلى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة، على أمل أن يبدأ ترامب بالتجول مع عصا كبيرة، ويسمح لنا بكل شيء. وبغض النظر عمّا إذا حدث هذا، أو لم يحدث، فسيأتي الوقت الذي سينهض فيه جمهور وطني وصهيوني (نعم صهيوني)، وسيكون عليه أن يصرخ قائلاً إن ما يجري "ليس باسمنا". هذه اللحظة تقترب بخطوات كبيرة، ولن يستطيع أحد القول "لم أكن أعلم".