يعلون أخطأ؛ المعادلة كالتالي: شمال القطاع في مقابل المخطوفين
تاريخ المقال
المصدر
- أخطأ رئيس هيئة الأركان الأسبق موشيه يعلون خطأً مضاعفاً. أولاً، تشكل أقواله عن "التطهير العرقي"، الذي يدّعي أن إسرائيل تجريه في قطاع غزة، دعماً لمحركات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. ويفرض الاستعمال الخاطئ لمصطلحات، مثل "الأبارتهايد" و"إبادة شعب" قيوداً على قدرة الجيش على استخدام القوة، وهو ما يقود إلى تمديد وقت الحرب، ويُفاقم معاناة السكان الغزيين، وأيضاً يزيد في قدرات العدو على إلحاق الضرر بجنود الجيش. مصلحة إسرائيل والمجتمع الغزي هي في إنهاء حالة القتال بأسرع وقت ممكن، والسماح للغزيين بتقرير مصيرهم. فالرغبة في إطالة أمد الحرب وتصوير إسرائيل كدولة مجرمة موجودان فقط في جبهة البروباغندا الفلسطينية، حيث تدور معركة ضد حق وجود دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
- إنها طريقة قتال يتبعها الفلسطينيون منذ أعوام طويلة، وللأسف، يشارك فيها إسرائيليون من طرفَي الخريطة السياسية: من اليمين، وأيضاً من اليسار - ويتعاونون معهم. لا يوجد أيّ فارق بين مقولات دانييلا فايس، الداعية إلى الاستيطان في غزة، وبين ما قاله يعلون وما ادّعى أنه هدف للقتال. وفي الوقت الذي يتقاتل هؤلاء داخل إسرائيل بشأن هذا الكلام الفارغ (تسريب: لن يحدث، ولن يكون هناك استيطان في غزة)، فإن النتيجة هي تشويه سمعة إسرائيل برمتها وسمعة جنودها في العالم. تقريباً، هذه هي النتيجة الوحيدة لهذا النقاش المبالغ فيه بين الطرفين.
- المشكلة أن هناك نتيجة أُخرى للنقاش بشأن الاستيطان، وهي أن هذا النقاش يعيق الجهود العسكرية الكبيرة لإعادة المخطوفين. كثيرون من الإسرائيليين، ومن ضمنهم في الجيش والمستوى السياسي، لم يفهموا بعد، على الرغم من مرور عام على القتال البري في القطاع: كيف يمكن إقناع "حماس" بالموافقة على صفقة تبادُل؟
- يخطئ في هذا الموضوع أيضاً اليسار واليمين، ويتعاونان: يعتقد بعضهم أن مزيداً من التظاهر في "أيالون" للضغط على حكومة إسرائيل لتقديم التنازلات (ما يسمى توسيع صلاحيات الوفد)، يمكن أن يدفع "حماس" إلى الموافقة على الصفقة؛ والبعض الآخر يعتقد أن مزيداً من الضغط العسكري على "حماس" و"قتل مزيد ومزيد" من "المخربين" سيقود "حماس" إلى الموافقة على صفقة. الطرفان مخطئان لأنهما لا يفهمان العقيدة الحمساوية: "حماس" لها مصلحة في القتل والتدمير المستمر في غزة - هذا جزء من المعركة التي تقودها ضدنا في العالم. وفي الوقت نفسه، لها مصلحة في التظاهرات ضد حكومة إسرائيل، هذه المصلحة هي في تمزيقنا من الداخل، واستمرار التظاهرات من أجل تقديم تنازلات تزيد في وقت المفاوضات. بالضبط مثلما حدث خلال التظاهرات بشأن تحرير جلعاد شاليط: فكلما تعاظم النضال الجماهيري - كلما ازداد الثمن الذي تطلبه "حماس".
- هذه المرة، لا تتوقف المطالب الحمساوية على تحرير الأسرى (عملياً، هذا المطلب هو الأقل أهميةً بالنسبة إلى قيادة حماس). هذه المرة تريد الوصول إلى أهداف سياسية عبر المخطوفين:
- منع إسرائيل من إمكان العمل العسكري في غزة مستقبلاً.
- إقامة سلطة جديدة لحركة "حماس" في القطاع تحت غطاء "حكومة تكنوقراط" لإعادة إعمار القطاع.
- مئات المليارات من الدولارات للإعمار.
- والأهم: إعادة ربط غزة بالضفة الغربية من جديد من أجل سيطرة "حماس"، مستقبلاً، على بقية مناطق السلطة الفلسطينية.
- ولدفع "حماس" إلى الموافقة على صفقة التبادل، يجب وضعها أمام معضلة. من جهة، التوقف عن القيام بالأمور التي تساهم في حرب البروباغندا التي تقودها في العالم ضد إسرائيل - والقيام بالأمر الوحيد الذي يضغط عليها فعلاً. ولفهم ذلك، يجب الاستماع إلى ما تقوله "حماس" لمجتمعها نفسه: الرواية الأهم التي تقودها "حماس" هي الصمود في شمال القطاع. الأوامر باللغة العربية علنية وواضحة لسكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، قبل شهرين: إن كان عليكم الإخلاء، فابقوا في المنطقة. كانت أوامرهم تقضي بأنه لا يجب على السكان عبور "محور نتساريم" جنوباً، إنما البقاء في الأحياء القريبة، مثل حيّ الشيخ رضوان وحيّ الزيتون وغربي مدينة غزة، وعندما ينهي الجيش القتال، عودوا إلى بيوتكم في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. رواية عودة النازحين إلى منازلهم ليست جديدة. فمنذ شهر نيسان/أبريل، وخلال المفاوضات بشأن صفقة تبادُل، كان المطلب الأساسي: إعادة مليون نازح من جنوب القطاع إلى مدينة غزة في المرحلة الأولى من صفقة التبادل.
- هذه هي المعادلة التي يجب وضعها أمام "حماس": نحن نريد عودة المخطوفين إلى منازلهم، في مقابل عودة المدنيين إلى "عاصمة" القطاع - مدينة غزة،. لذلك، علينا الضغط في المكان الأكثر إيلاماً لـ"حماس": الـ300 ألف الذين تبقوا في مدينة غزة، وبينهم آلاف المقاتلين من "حماس". هذه هي سلطة "حماس" في مدينة غزة، بدءاً من الموظفين، وصولاً إلى العشائر التي تدعم الحركة والبنية اللوجيستية لـ"المخربين" - وجميعهم لا يزالون في وسط مدينة غزة وغربها. لم يُعتقل سوى جزء بسيط منهم حين غادروا جباليا عبر الحواجز. وهم ليسوا مسلحين، في أغلبيتهم، لكنهم يشكلون البنية التحتية التي تبني عليها "حماس" سيطرتها المدنية في مدينة غزة. علينا أن ندفعهم إلى الإخلاء جنوباً، بعد "محور نتساريم".
- هذا هو الخطأ الأكبر الذي قام به يعلون: القتال في شمال القطاع يتطلب إجلاء المدنيين. هذه العملية قانونية كلياً، بحسب القانون الدولي، وفي الأساس، ضرورية بحكم الواقع: "حماس" العسكرية والمدنية تعيش داخل المجتمع، ولذلك، يجب إجلاء المجتمع من أجل قتال الأفراد الذين تبقوا بهدف القتال (إنها حرب صعبة. حتى الآن، فقدنا 31 جندياً في جباليا خلال شهرين). ستكون هذه الحرب عبثية إذا فتحنا الحواجز في الطريق العكسية، وسمحنا لـ"حماس" بالعودة إلى جباليا مجاناً. وفي المقابل، إذا استمرينا، وصممنا على إجلاء السكان و"حماس" إلى الجنوب، فستكون الحركة أمام معضلة: العودة إلى شمال القطاع مرهونة بتحرير المخطوفين.