تحطُّم العبقرية الجيوسياسية: السقوط الروسي الذي لم يتوقعه أحد
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • استقبلت روسيا بصعوبة التطورات الأخيرة في سورية، لأن وجودها في سورية كانت تفرضه الطموحات الإمبراطورية للكرملين؛ فقد شكلت سورية جسراً للروس إلى الشرق الأوسط ودول عديدة في أفريقيا، ومن هناك إلى ما وراء البحار، حيث وضع الكرملين رهانات سيطرة إمبراطوريته في السنوات الأخيرة.
  • إن روسيا هي المتضررة المركزية من سقوط النظام في سورية، بينما تركيا هي الرابحة الأساسية، لكن الكرملين لا يريد أن يعترف بذلك. ولا يريد الروس أبداً أن يُقال إنهم رفضوا المقترحات التركية لمحاولة إيجاد حل سياسي لمشكلة الأكراد، وإنهم رفضوا المقترحات التركية لإنهاء المشكلات التي عرقلت بناء بنى تحتية للغاز الذي يجب أن يتوجه من سورية إلى أوروبا.
  • إن الأسد، الذي حصل على ضمانات شخصية بالمحافظة على حياته ونظامه من جانب الرئيس فلاديمير بوتين، شعر بأنه تعرض للخداع، بينما بوتين نفسه لا يستطيع أن يلوح بسورية ويقول إنه لا يتخلى عن حلفائه، ولا يخون أصدقاءه. يبدو أن ضمانات الكرملين لا تساوي شيئاً، ووجود الأسد في موسكو هو الدليل الحي على ضعفه.
  • لقد كشف سقوط النظام السوري خلال 10 أيام أن التفويض الذي يملكه بوتين هو القيام بعمليات محدودة في الأراضي السورية هدفها الدفاع عن أسرة الأسد في دمشق، وعن القواعد العسكرية في طرطوس، وعن المرفأ البحري في اللاذقية. وإن صور الخروج المخزي للأميركيين من أفغانستان التي استخدمتها البروباغندا الروسية، والتي أرادت منها الإشارة إلى ضعف الغرب، لن تعوّض الصور الأكثر قساوة للفرار الروسي من سورية.
  • فخلال العقد الأخير، كان الانطباع السائد أن "العبقري الجيوسياسي" الموجود في الكرملين أنقذ النظام السوري خلال الحرب الأهلية في سورية، بينما في الحقيقة، فإن الذي فعل ذلك هو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي خططت لمهاجمة أهداف تابعة للنظام بعد تجاوُزه "الخطوط الحمراء" التي وُضعت في بداية الحرب، وبسبب المعارضة في الكونغرس، والضغط الروسي، فقد جرى التوصل إلى تسوية بواسطة الأمم المتحدة، وصدّق الرئيس أوباما بسذاجته تعهدات بوتين بنزع السلاح الكيميائي من سورية، ومراقبة منْع وصول سلاح غير تقليدي إلى عهدة النظام السوري. في موسكو، ينفون اتهامهم بأنهم لم يفعلوا شيئاً للوفاء بالتعهدات التي أعطوها إلى الولايات المتحدة، إذ في 4 نيسان/أبريل 2013، تحدّث تقرير صادر عن المنظمة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان عن وقوع 100 قتيل و400 مصاب في هجوم كيميائي على معقل إدلب.
  • وقد حدث الهجوم بواسطة طائرات سورية أو روسية في منطقة المتمردين، وهناك أدلة على استخدام غاز السارين الذي قيل إن النظام السوري تخلص منه بمراقبة روسيا بعد الاتفاق مع إدارة أوباما سنة 2013. ويتواصل الكشف عن السلاح الكيميائي السوري في هذه الأيام أيضاً بعد الدخول الإسرائيلي المنطقة الفاصلة في الجولان؛ فقبل 3 أيام، كشفت تقارير إعلامية أن الدبابات وقوات المشاة الإسرائيلية تجاوزت المنطقة الفاصلة في الجولان، وهاجمت مخازن سلاح كيميائي كان من المفترض أن النظام قد تخلى عنها بحسب الاتفاق.
  • لقد خاب أمل الشباب السني في سورية كثيراً في الرئيس أوباما الذي صدّق بوتين وساعده في إنقاذ النظام السوري، ودفعهم ذلك إلى التوجه نحو اليمين الأكثر راديكالية، فانضموا إلى القوات الموحدة بزعامة أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام"، التنظيم المعارض الأبرز للنظام السوري.
  • وعقب تورُط روسيا وحلفائها إيران، وكوريا الشمالية، وبيلاروسيا في التدخل العسكري في أوكرانيا وسورية، يبدو أن الكرملين لم يقدّر بصورة صحيحة التداعيات الإشكالية لهذه التدخلات من ناحية التكلفة، كما كشفت الثورة في سورية أن التقدم في أوكرانيا يأتي قبل كل شيء بالنسبة إلى الكرملين.
  • لم يحاول الروس إنقاذ النظام السوري عبر نقل بعض الفِرَق من الجبهة الأوكرانية إلى الجبهة السورية، ويمكن القول على سبيل التشبيه إنهم من أجل السيطرة على سنتيمتر واحد من أوكرانيا، فقد تخلى الروس عن وجودهم في سورية، الذي منحهم موقع دولة عظمى في كل الدول المحيطة بالبحر المتوسط.
  • وقد تبنى الرأي العام في روسيا، عقب البروباغندا التي لا تنتهي، الموقف الذي يبرر التدخل في جورجيا وملدوفيا وأوكرانيا، والرغبة الكبيرة في التخلص من العناصر التي تحدّ من التوسع الإقليمي. ونتيجة لذلك، فقد ضعفت الورقة الروسية في المفاوضات المستقبلية التي يجب أن تجري بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.
  • أرادت روسيا تعزيز قوتها عقب الاضطرابات التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكنّ تعاقُب الأحداث أدى إلى إضعاف الإيرانيين وحزب الله، وسقوط النظام في سورية. وقد طرحت الثورة السنية الحاجة إلى تدخّل عسكري روسي في سورية، لكن الكرملين بدا عاجزاً.
  • إن روسيا ليست مهتمة ببناء أنبوب الغاز الذي من المفترض أن يُقام في المستقبل القريب من أجل نقل الغاز القطري إلى أوروبا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن نظرتها إلى انتقال الغاز النيجيري إلى أوروبا سلبية. وقبل بضعة أشهُر، ذكرت صحيفة "نيجيريا تايمز" أن مجلس التطوير والرقابة النيجري "NCDMB" يقوم ببناء مصنع ضخم لإنتاج الأنابيب في بولاكو (polakou) في نيجيريا.
  • لا تريد روسيا انتقال الغاز من نيجيريا عبر النيجر إلى أوروبا، لأن هذا يقلص من قدرة الكرملين على المناورة في مواجهة الزعماء الأوروبيين، وقد كانت لها مصلحة كبيرة في تأجيل المشروع، وقد ساعدها في ذلك عدم الاستقرار في المنطقة. ومن أجل تحقيق هذه المصلحة، كان من المهم وجود روسيا في سورية، لأن هذا يبقي لها نافذة مفتوحة على أفريقيا، والسيطرة الروسية عليها كانت تتم بواسطة سورية، والآن نتوقع تراجُع الإمبراطورية الروسية في هذه القارة أيضاً.

 

 

المزيد ضمن العدد