الشرق الأوسط الجديد يصنع فرصاً ممنوع إضاعتها
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إن سقوط سورية، إلى جانب وقف إطلاق النار الذي تمت المحافظة عليه أمام حزب الله المهزوم، إلى جانب الأحاديث عن صفقة - جزئية كما يبدو- لتحرير المخطوفين من غزة، كلها أمور تضع إسرائيل للمرة الأولى، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، في موقع تفوّق استراتيجي. وإن كان يبدو الوضع في بداية الحرب وكأن الحديث يدور بشأن حرب الأيام الستة العربية، حين فقدت إسرائيل جزءاً من قوّتها بعد أن تمت مهاجمتها من الشمال والجنوب والشرق، فإن الأمور الآن يبدو أنها انقلبت. والسؤال الآن هو: "ماذا يمكن أن نفعل في ظل هذا التفوّق الاستراتيجي؟"
- كانت إسرائيل سابقاً أمام تفوق كهذا، لكن لم يتم استغلاله كما يجب. في سنة 2011، بدأ الربيع العربي، الذي دفع إلى سقوط دول عربية، ووجدت إسرائيل نفسها كجزيرة من الاستقرار في منطقة مزعزعة، وحينها، غرق حزب الله في الحرب الأهلية السورية، وبدلاً من استغلال الوضع وضرْبه، فقد فضّلت إسرائيل الانتظار، إلى أن تمكّن من تعزيز قوته، وهاجمها في نهاية المطاف.
- كانت هناك أيضاً فرص كامنة سياسية في الربيع العربي، لكن بدلاً من الدفع قُدُماً بترتيبات مع الفلسطينيين عندما كنا في موقع قوة والعالم العربي ضعيف، فقد اختار نتنياهو أن يتفاخر حينها بما أطلق عليه اسم "الجيل الذهبي" لإسرائيل، واتهم معارضيه بأنهم "نكديون". صحيح أن القضية الفلسطينية تراجعت إلى الهامش حينها، لكنها انفجرت في وجهنا لاحقاً وبوحشية في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وبذلك، تكون إسرائيل لم تستغل الربيع العربي لمصلحة مستقبلها أبداً، باستثناء اتفاقيات أبراهام التي كانت إلى حد بعيد بفضل إدارة ترامب.
- علينا هذه المرة استغلال ضعف المحور الشيعي واستعادة قوة الردع والمبادرة من أجل ترجمة الإنجازات العسكرية إلى أرصدة سياسية. عملياً، أول ما يجب القيام به هو أن نطمح إلى صفقة شاملة في غزة تعيد المخطوفين في مقابل وقف الحرب، إلى جانب تبديل حُكم "حماس" المفكك أصلاً بالسلطة الفلسطينية الواعية إلى جانب وجود دول عربية هناك. وفي الوقت نفسه، يجب التوجه إلى الفلسطينيين باقتراح لتجديد محادثات "السلام". نعم، في هذا الوقت تحديداً، من الواضح أن "حماس" فشلت، وأعداء إسرائيل في حالة ضعف، ويجب تحريك المسار السياسي مرة أُخرى. هذا سيساعدنا أيضاً في تحسين صورتنا في العالم.
- يمكن أيضاً التفكير في مبادرة شجاعة في مقابل سورية الجديدة، فمن هذه اللحظة، بدأ الإيرانيون والروس والأتراك والأميركيون يحاولون الحصول على تأثير في النظام. ما المانع من مفاجأة الجولاني بدعوته إلى زيارة القدس، وضِمنها الصلاة في الأقصى، بصورة شبيهة بزيارة أنور السادات سنة 1977؟ يبدو هذا خيالياً، لكن هذا يمكن أن يكون مبادرة أهم من زيارة السادات. وإذا وافق الجولاني، فيمكن أن تكون هذه الزيارة إشارة مصالحة مع العالم الإسرائيلي أهم من زيارة السادات، وليس فقط مع دولة.
- أيضاً، يجب على إسرائيل ألاّ تكتفي بوقف إطلاق النار مع حزب الله، بل أيضاً عليها أن تعمل على تحقيق اتفاق سلام مع لبنان، في الوقت الذي يفقد فيه حزب الله من قوّته وتأثيره. وفي هذا السياق، يمكن التفكير في دعم حُكم ذاتي ثقافي للدروز في سورية، وتقوية التحالف مع الأكراد.
- هذا كله ممكن بسبب دخول ترامب البيت الأبيض. والتاريخ يشهد أن نهاية الحروب مربوطة دائماً بفرص لتغيير الواقع، ولا يوجد وقت أفضل من الآن للتفكير بتغيير وجه الشرق الأوسط. لذلك، فإن المطلوب هو قيادة لا تكتفي بالخطابات بشأن الإنجاز الاستراتيجي العسكري، وهو إنجاز لن يبقى منه شيء إذا لم نستغل الوقت التاريخي الملائم.