بعد سقوط النظام في سورية هل سيعاد طرح نفي كبار المسؤولين في "حماس"؟
تاريخ المقال
المصدر
- إن النقاش بشأن السقوط السريع للنظام في سورية يشغل تقريباً كل الناس، والتركيز الأساسي هو على ما يجري داخل سورية، وما يمكن أن يحدث على أراضيها.
- لكن إذا وجّهنا الضوء قليلاً إلى خارج سورية، يظهر كل ما فعلته إسرائيل في الأشهر الأخيرة في غزة، وفي مواجهة حزب الله في لبنان، وحالياً في سلسلة العمليات التي قامت بها في الأراضي السورية، وتدمير بقايا قدرات الجيش السوري، وهذا له تأثير عميق جداً في ما يجري في الشرق الأوسط، وخصوصاً على المستوى النفسي، إذ هناك جماهير بأكملها في عدد من الدول تشاهد ما يحدث، وتطرح أسئلة، وبصورة أساسية تدرك حدود قوة زعاماتها.
- يمكن تقدير أن هذه الظاهرة في جميع الكيانات التي تنتمي إلى محور المقاومة بقيادة إيران هي أعمق كثيراً، وهناك شعور بالعجز في التعامل مع ما يحدث (سواء في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي، أو إزاء عمليات المتمردين السنّة في سورية، والتي تُنسب إلى تخطيط وتشجيع من إسرائيل)، وهو ما يطرح علامات سؤال بشأن الآتي.
- في غزة، الظاهرة أكثر حدة؛ فـ "حماس"، التي يعتمد جزء أساسي من استراتيجيتها في "الصمود القوي" على تفاقُم الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفي الموازاة على القدرة على جر إسرائيل إلى حرب إقليمية (وهذا ما كانت تريده منذ بداية الطريق)، اكتشفت أنه مع انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فإن نافذة الفرصة لنشوء تصدُع بين إسرائيل والولايات المتحدة قد أُغلقت، كما أن انهيار سورية أغلق نهائياً الباب أمام خيار تصعيد إقليمي واسع النطاق، وأصبحت تداعيات ذلك على "حماس" أكثر وضوحاً.
- بعد عام من الحرب، توسع إسرائيل نطاق المعركة ولا تتردد في القيام بتوغُل بري، وهي لا تنوي وقف الحرب في غزة، ولن تسمح لـ "حماس" بأن تكون جزءاً من اليوم التالي في القطاع. ولا يبدو الدعم الإيراني قوياً كما كنا نتخيل، وثمة شك في أنه قادر على المساعدة كما في الماضي في ترميم قوة "حماس"، من دون التحدث عن الدعم الإيراني والتأييد المباشر لاستمرار الحرب الحالية. وعلى الأرجح، ستتوجه إيران إلى معالجة جروحها بنفسها وحصر الخسائر.
- إن تولّي ترامب الرئاسة بعد أن هدد علناً "حماس" يمكن أن يجر على الحركة ضغطاً أميركياً لا يُحتمل، سواء أكان عن طريق إعطاء الحرّية إلى إسرائيل للعمل، أم عبر الضغط الكبير على مصر التي هي البوابة الوحيدة للقطاع مع العالم، والتي لا تمر بإسرائيل. "حماس" اليوم ليست "حماس" كما كانت قبل نصف سنة؛ فقد شهدت تغيراً تكتونياً، وانتقل مركز الثقل فيها إلى الخارج، وفي غزة نفسها، أصبح عدد زعماء "حماس" ضئيلاً جداً. وفي اللحظة التي ستُنتزع فيها منها القدرة على السيطرة على المساعدات الإنسانية، ستفقد مركز قوتها الأخير، ووسيلة تواصلها الأساسية مع السكان في القطاع.
- وانطلاقاً من هذا كله، فإن أمام "حماس" 3 خيارات أساسية: "الصمود القوي" وانتظار ما سيفعله ترامب قبل اتخاذ القرارات، وصفقة مخطوفين جزئية (إنسانية) وإعادة تنظيم صفوفها في الميدان ودرس الوضع وحجم الضرر وما تبقّى من قوتها وبعدها العودة إلى القتال، وصفقة مخطوفين شاملة في مقابل حزمة من التقديمات إلى المسؤولين الكبار في "حماس" وعائلاتهم وجواز سفر أجنبي ومال وانتقال آمن إلى خارج القطاع. وهكذا، فإن انهيار سورية وحزب الله، والفرار الإيراني من سورية، أثار للمرة الأولى علاقة مختلفة تماماً مع مجموعة المفاهيم التي نطلق عليها "صفقة مخطوفين".
- إذا كان المطروح حتى الآن صفقة مخطوفين جزئية بسبب أمل "حماس" في العودة إلى دورها في القطاع في اليوم التالي وإعادة تعافيها، فإن زعماء "حماس" الآن حين يتلفتون نحو اليمين واليسار سيكتشفون أنهم وحدهم في المعركة، وهناك إمكان كبير لأن يصبحوا أكثر استعداداً للبحث في صفقة مخطوفين شاملة في مقابل رزمة من التقديمات تضمن حياتهم خارج القطاع (النفي كما جرى مع منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت خلال حرب لبنان الأولى [1982]).
- بالنسبة إلى إسرائيل، فإن أمراً كهذا له حسنات غير قليلة، وفي طليعتها امتناع إسرائيل من تحمُل أي مسؤولية مدنية إزاء السكان في القطاع، انطلاقاً من الفهم أن "حماس" لم تعد القوة السياسية والاجتماعية، ولم يعد هناك ما يدعو إلى التخوف من القدرات الحكومية المتبقية لها، والتي كان من الممكن أن تساعدها في استعادة قوتها.
- يبدو أنه عبر إجراء مفاوضات بالطريقة الصحيحة، فإن هذا يمكن أن يحدث في التوقيت الحالي، ويجب علينا أن نستنفد هذا التوجه قبل المضِي نحو صفقة جزئية كخطة بديلة.