سقوط نظام الأسد لا يعني أن سورية والشرق الأوسط أصبحا مكاناً آمناً
تاريخ المقال
المواضيع
- الانهيار السريع لنظام الأسد في سورية فاجأ الجميع. ولم يمنح انهيار الجيش السوري السريع حليفتَي سورية، إيران وروسيا، الوقت الكافي للتدخل بفعالية لدعمه. هذا التحوّل الدراماتيكي للأحداث في دمشق يوجّه ضربة قاسية إلى نفوذ إيران الإقليمي، بعد عقود من التحالف مع عائلة الأسد.
- لقد تسبب فقدان إيران لسورية بأضرار لها على عدة صعد. إذ فقدت طهران الجسر الجغرافي الذي يصلها بلبنان، الذي يسيطر عليه وكيلها الرئيسي حزب الله. الآن، بات الأمر يصعّب على إيران جهودها بشأن إعادة بناء القوات العسكرية لحزب الله، التي تعرضت لضربات من إسرائيل... ونظراً إلى أن روسيا وإيران، اللتين تنتميان إلى المعسكر المناهض للغرب، هما الخاسرتان المباشرتان في الوضع الناشئ، فإن التطورات في سورية تُعدّ نتيجة مُرحَّب بها من الولايات المتحدة.
- بذا، أثبتت إسرائيل مرة أُخرى أنها حليف مهم. فسلاحها الجوي ترك الأجواء الإيرانية مكشوفة من دون حماية. ودمّر معظم القدرات العسكرية لحركة "حماس"، وألحق ضرراً كبيراً بحزب الله، وكلاهما يُعتبر وكيلاً إيران. هذه الإجراءات تسببت، من دون قصد، بتغيير ثوري في سورية، وبتراجُع المعسكر الذي تقوده إيران. هذه الأخبار جيدة للغرب والدول المؤيدة له في الشرق الأوسط.
- يمكن لإسرائيل أن تقدّم خدمة إضافية للغرب من خلال استغلال التطورات وضرب البنية التحتية النووية الإيرانية. لقد أصبح منع إيران من امتلاك السلاح النووي أمراً أكثر إلحاحاً مما كان عليه قبل سقوط سورية، لأن طهران، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، "سرّعت تخصيب اليورانيوم بشكل دراماتيكي". من المحتمل أن تقرر إيران استكمال جهودها النووية والوصول إلى القنبلة لتعويض ضعفها الحالي وتعزيز قوتها الرادعة، وخصوصاً بعد أن أصبح وكلاؤها أقل فاعلية. وتتمثل نافذة الفرصة المثالية للتحرك في الفترة الانتقالية التي تفصلنا عن موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض. فإذا أصبحت إيران دولة نووية، فسيؤدي ذلك إلى سباق تسلّح نووي في دول أُخرى في الشرق الأوسط، وربما إلى انهيار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT).
- لقد توفرت ظروف قد تمكّن لبنان من التحرر من وطأة حزب الله. لكن من غير الواضح ما إذا كان القادة السياسيون في لبنان، الذين لم يُظهروا كثيراً من الشجاعة في الماضي، سيتمكنون من استغلال هذه الفرصة لتحقيق تغيير إيجابي. إذ يعاني النظام السياسي في البلد شللاً مستمراً أدى به إلى هاوية اقتصادية ودمار واسع النطاق.
- ومع ذلك، فإن انهيار نظام الأسد لن يجعل من سورية، ولا حتى من الشرق الأوسط بأكمله، مكاناً أفضل. إذ سيطرت جهات إسلامية متطرفة متنوعة على دمشق، وهي غير مهتمة بالديمقراطية، أو بحقوق الإنسان. ففي دمشق، جرى استبدال "الاستبداد" "بطغاة" يروّجون أجندة إسلامية، مع قدر ضئيل من التسامح تجاه أيّ خلاف من أيّ نوع. هؤلاء هم ورثة تنظيم "داعش" المتطرف. ولذلك، هناك مخاوف جدية بشأن مستقبل الأقليات في سورية، مثل الأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين. فالآمال بالتقدّم نحو نظام سياسي أكثر اعتدالاً، لا توجد لها أسس واقعية الآن.
- بالنسبة إلى الشعب السوري، فإن الأسوأ هو الفوضى التي قد تحدث بعد رحيل الأسد. فقدرة المتمردين على بناء دولة مركزية، بدلاً من دولة ممزقة تسيطر عليها ميليشيات مختلفة، ليست أمراً مضموناً، والإرث السياسي للعرب في العراق واليمن والسودان وليبيا، يشير إلى مسار سياسي قاتم.
- تبشّر المستجدّات في سورية بصعود نجم تركيا في الإقليم . فتركيا بقيادة أردوغان دعمت الوجود السنّي المتطرف في سورية، واحتلت شريطاً طويلاً من الأراضي على طول الحدود التركية-السورية، وفي جنوبها. وتعمل في هذه المناطق بنوك ومكاتب بريد تركية، على غرار الوضع في شمال قبرص المحتلة. إن أردوغان، وهو إسلامي سنّي على النمط التركي، يحلم بإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية. وعلى الرغم من أن تركيا تُعتبر جزءاً من حلف الناتو الغربي، رسمياً، فإن سياستها الخارجية غالباً ما تتعارض مع سياسات الغرب. لقد سعت تركيا للانضمام إلى مجموعة البريكس، وهي عبارة عن تكتّل مناهض للغرب. أيضاً ساعد أردوغان إيران على تجاوز العقوبات الاقتصادية الغربية. وهو يدعم حركة "حماس"، التي صنّفها الغرب منظمة "إرهابية". وعبّر جنرالات أتراك مقربون من أردوغان عن رؤية تصف جيشاً إسلامياً يهاجم إسرائيل. إن احتمال إقامة دولة إسلامية مدعومة من تركيا على حدودها الشمالية ليست خياراً جذاباً بالنسبة إلى القدس.
- إضعاف إيران، الخصم التاريخي للعثمانيين، يُغذّي حتماً طموحات تركيا ومغامراتها. فالقوات التركية منتشرة فعلاً في كلٍّ من العراق، وسورية، وقطر، وجيبوتي، وليبيا. كما أن تركيا، بقيادة أردوغان، بخلاف معظم أعضاء حلف الناتو، لديها شهية متزايدة للنفوذ، وهي مستعدة للقتال من أجل تحقيقه.
- بعد 15 شهراً على 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبحت إسرائيل في وضع استراتيجي أفضل كثيراً. إذ باتت هزيمة أعدائها واضحة، والنتيجة غير المقصودة لتحركاتها – سقوط الأسد – تُغيّر موازين القوى الإقليمية. ها هي إسرائيل تبدو قوية مرة أُخرى، وهذه الصورة تعززها إدارة أميركية ودية على وشك الدخول إلى البيت الأبيض. وبناءً على ذلك، سيتعامل مع إسرائيل الأصدقاء والأعداء، على حد سواء.
- يجب أن تكون سياسة إسرائيل متّسقة، بقدر الإمكان، مع الإدارتين الأميركيتين، الحالية والمستقبلية. إن الفترة الانتقالية الممتدة إلى 21 كانون الثاني / يناير 2025، تمنح إسرائيل حرية حركة أكبر. لقد نجحت إسرائيل، في الواقع، في تدمير جزء كبير من الجيش السوري، وعززت جاهزيتها الدفاعية. ويجب أن تترافق التحركات العسكرية مع تعزيز العلاقات مع لاعبين محليين، مثل الأكراد والدروز في سورية. بل إن العلويين أنفسهم يمكن أن يصبحوا شركاء لإسرائيل في الإقليم. وبالمثل، فإن التوازنات الإثنية في لبنان توفر فرصة للتغيير. ومع ذلك، يجب توخي الحذر الشديد عند القيام بأيّ هندسة سياسية خارج حدود إسرائيل.
- توفّر التطورات الأخيرة أيضاً فرصة لتعزيز وتوسيع اتفاقيات أبراهام. وإدارة ترامب سترحب بهذه الخطوة؛ فإسرائيل القوية، والتخوف من إيران، والدعم الأميركي، عناصر كلها قادت إلى هذه الاتفاقيات. وأيضاً المخاوف من تركيا وصعود محور سنّي متطرف، سيدفعان بعدد من الدول العربية إلى الاقتراب من إسرائيل.
- للأسف، لم تصل إسرائيل إلى هذا الوضع إلّا بعد حرب مكلفة شنّها كلٌّ من "حماس" وحزب الله. هذا هو الثمن الذي تضطر الدولة اليهودية إلى دفعه، بين الحين والآخر، للبقاء في إقليم صعب.