المرحلة (ب) من الصفقة ليست نهاية الحرب، إنما المفتاح لإخضاع "حماس"
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • هناك اعتقاد واسع وغير محصور بطرف واحد داخل الخريطة السياسية، وهو أن المرحلة (ب) من صفقة التبادل هي الخطوة التي ستقود إلى وقف الحرب. هذا هو السبب أيضاً الذي يدفع جهات في الحكومة إلى معارضة الانتقال إلى المرحلة (ب)، خوفاً من أن تنهي هذه المرحلة الحرب من دون إخضاع "حماس". لذلك، تطالب هذه الأصوات، إمّا بالعودة الفورية إلى الحرب، وإمّا بإطالة أمد المرحلة (أ)، في محاولة لإطلاق مزيد من المخطوفين. لكن هذه الرؤية خاطئة، والأدق: أنها تعبّر عن طريقة تفكير كانت سائدة حتى اليوم، ويجب تغييرها. التقدم إلى المرحلة (ب) يصب في المصلحة الإسرائيلية بشكل واضح، وليس فقط من أجل الواجب الأخلاقي إزاء كل ما يخص المخطوفين، بل أيضاً هو خطوة ضرورية للوصول إلى إخضاع "حماس"، عملياتياً واستراتيجياً.

المرحلتان(أ) و(ب) في استراتيجية "حماس"

  • بالنسبة إلى "حماس"، فإن الهدف من المرحلة (أ) هو تحقيق أهدافها الملحة جداً، وعلى رأسها تخفيف الضغط العسكري عن رقبتها. ليست تهديدات ترامب فقط هي التي دفعت "حماس" وإسرائيل إلى الصفقة، بل أيضاً التطورات التي تراكمت خلال أشهر الصيف والخريف. وشملت هذه التطورات اغتيال قيادة حزب الله واغتيال السنوار الذي كان لديه استراتيجيا متطرفة إزاء صفقة التبادل، وسقوط نظام الأسد في سورية، والعملية العسكرية الإسرائيلية لاحتلال شمال القطاع.
  • وبالإضافة إلى تخفيف الضغط العسكري، تسمح المرحلة (أ) لـ"حماس" بإدخال كثير من المساعدات، وهو ما يمنحها الأوكسيجين الاقتصادي واللوجستي. وأيضاً تعتبر الحركة أن فتح محور نتساريم لعبور الفلسطينيين إلى الشمال هو بمثابة خطوة ستجعل عودة إسرائيل إلى القتال أصعب. ويسمح وقف إطلاق النار لـ"حماس" أيضاً بتدريب مجندين جدد وإعادة ترميم هرم القيادة بمساعدة الأسرى المفرج عنهم في الصفقة. هذه التطورات ليست سهلة، على الرغم من أن "حماس" لا تزال بعيدة عن إعادة ترميم البنية التحتية والسلاح الذي خسرته.
  • وبعكس أهداف المرحلة (أ)، فإن أهداف المرحلة (ب) استراتيجية أكثر، وبعيدة المدى، وتقوم على حفظ مكانة الحركة المهيمنة في قطاع غزة وإنهاء الحرب، وهي الأهداف الأهم. تسعى "حماس" لتحقيق ذلك عبر الضمانات الدولية، وضمان وجود موارد لإعادة الإعمار، وأدوات ضغط تمنع إسرائيل من العودة إلى الحرب. للأسف، يجب على إسرائيل أن تقدّر أن جزءاً من أدوات الضغط هذه سيكون عدد الأسرى الذين سيشكلون "شهادة تأمين"، وستحاول الحركة الحفاظ عليهم سراً، لاستخدامهم في أيّ مفاوضات مستقبلية. لن تعترف الحركة بوجودهم، لكن سيكون على إسرائيل الافتراض أن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً في أيّ مخطط، لأنه سيساعد على اتخاذ القرار في إسرائيل لمصلحة التقدم نحو المرحلة (ب)، بهدف تقليل عدد المخطوفين إلى أدنى حد ممكن.

لماذا يتوجب على إسرائيل التقدم إلى المرحلة (ب)؟

  • الافتراض أنه يجب على إسرائيل الامتناع من الانتقال إلى المرحلة (ب)، من أجل الحفاظ على هامش عمل عسكري، هو افتراض خاطئ. العكس هو الصحيح: إن تنفيذ المرحلة (ب) سيحرر إسرائيل من ثقل الالتزام الأخلاقي إزاء المخطوفين، ويسمح لها بتصحيح الخطأ العملياتي والاستراتيجي، عبر عملية فعالة أكثر مما كان عليه الوضع سابقاً.
  • أولاً، إن تحرير الرهائن سيحرر أيادي الجيش، ويسمح له بحُرية عمل عملياتية أكبر مما كانت عليه سابقاً. خلال 15 شهراً من الحرب، وخاصة بعد احتلال رفح في الربيع الماضي، ضمن الجيش لنفسه حرية عمل واسعة وضرورية، لكنها لم تكن كاملة، لقد امتنع، عملياً، من قصف 30% من مساحة القطاع بسبب وجود مخطوفين في هذه المناطق. وهذا يعني أن "حماس" نجحت في الحفاظ على مناطق محصّنة واسعة في وسط القطاع، ولم تجرِ فيها عمليات برية واسعة. سيسمح تحرير أكبر عدد ممكن من المخطوفين لإسرائيل بإزالة هذه القيود، وبعدها، تفكيك كافة القوى والبنى العسكرية التي تبقّت لـ"حماس".
  • ثانياً، سيتوجب على إسرائيل الانتقال إلى نموذج سيطرة فعال. حتى الآن، تبنّى الجيش نهج الاقتحامات المتتالية للمناطق نفسها، وألحق الضرر بـ"حماس" بالتدريج. هذه الطريقة كانت فعالة في وقتها، وضرورية بسبب الواقع وقيود الموارد البشرية، لكنها لا يمكن أن تقود إلى الإخضاع العسكري في نهاية المطاف، من دون سيطرة دائمة على الأرض.

يمكن الانتصار على "حماس"، لكن يجب

على إسرائيل أن تعمل بالشكل الصحيح

  • هناك ادّعاءات معروفة تقوم على أنه لا يمكن إخضاع "حماس"، إمّا لأنها فكرة، وإمّا لأنها تتبنى نموذج حرب العصابات. هذه الادّعاءات غير صحيحة من الناحية التاريخية. فالأيديولوجيات تنهار عندما يثبت أنها فاشلة، والميليشيات وجيوش "الإرهاب" تخضع أمام القوة العسكرية المتفوقة. في هذا السياق، "حماس" ليست قوة فوق الطبيعة، لكن لم تتوفر الظروف لإخضاعها بسبب وجود المخطوفين، وبسبب غياب التخطيط الاستراتيجي للسيطرة على القطاع. مَن يفترض أن الجيش يستطيع الحسم، عبر الهجوم من جديد، من دون تغيير طريقة العمل والظروف السابقة، يكون افتراضه غير منطقي، لأنه يعتبر أن في الإمكان تحقيق نتيجة مغايرة باستخدام الأسلوب نفسه.
  • لذلك، المطلوب هو التقدم إلى المرحلة (ب)، وتحرير أكبر عدد ممكن من المخطوفين، لكي تتصالح إسرائيل مع نفسها، وأيضاً كي لا تكون مقيدة. إدارة ترامب لا تدفع فقط إلى تنفيذ المرحلة (ب)، بل تشير إلى إسرائيل، بكل الطرق الممكنة، بأنها ستحصل على الدعم المطلق عندما تقرر العودة إلى الحرب، من دون أيّ اعتبار لأيّ ضمانات تحصل عليها "حماس". سيدّعي المشككون، طبعاً وبحق، أن قادة "حماس" ليسوا أغبياء، وسيحتفظون بعدد من المخطوفين. هذا صحيح، لكن "حماس" ستتصرف بهذه الطريقة في أيّ مخطط صفقة لضمان أمنها في المدى البعيد. لذلك، فإن الاحتمال الوحيد لتحرير المخطوفين سيكون عبر الضغط العسكري، على ما يبدو، لكن حتى ذلك الوقت، يجب على إسرائيل استنفاد جميع الإمكانات لتحرير المخطوفين في إطار الصفقة والمرحلة (ب).
  • المبادرة العربية التي تصاغ حالياً إيجابية، لأنها تطرح المساعدة على بناء سلطة أُخرى في "اليوم التالي"، من دون "حماس"، ونزع سلاح الحركة بالتدريج. قبل أشهر، وافقت "حماس" على التنازل عن الحكم، لكنها لم توافق بعد على نزع سلاحها، ولن توافق طوعاً، على ما يبدو. وعلى الرغم من ذلك، فإن المبادرة العربية يمكن أن تتحول إلى خيار واقعي، إذا جددت إسرائيل الضغط العسكري الذي سيُخضع "حماس"، إمّا عبر شروط نزع السلاح الواردة في المبادرة العربية، وإمّا عبر الضغط العسكري والانهيار الكامل. ومن أجل الوصول إلى هذه النقطة، يجب على إسرائيل تطبيق المرحلة (ب)، وتحرير أكبر عدد ممكن من المخطوفين، ثم العودة إلى المعركة، ويدها حرة للعمل من دون قيود.