التحقيق في المعركة التي لم تجرِ في نير عوز أجاب لأول مرة عن السؤال أين كان الجيش؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • عندما عرض اللواء عيران نيف، رئيس طاقم التحقيق العسكري في قضية "المذبحة" التي ارتُكبت في نير عوز، خريطة تُظهر صور المنازل التي لحِق بها الضرر جرّاء هجوم "حماس" - المنازل كلها، باستثناء 6- قال إن هذا يذكّره بـ"مدينة القتل"، المصطلح الذي استعمله ناحمان بياليك لوصف "المذبحة المدبرة" (البوغروم) التي ارتُكبت في كيشينيف. وخلال الأيام الماضية، عندما عرض خلاصات التحقيقات أمام مجموعات مختلفة في الكيبوتس، كان يمكن ملاحظة الغضب المكبوت في صوته.
  • لم يكن نيف جزءاً من سلسلة القيادة المباشرة المسؤولة عن الدفاع عن غلاف غزة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه شعر بعدم الراحة بسبب وجوده في هيئة الأركان، وقرر الاستقالة من الخدمة الفعالة في الجيش قبل بضعة أشهر. وحينها أيضاً، تم تكليفه بمهمة التحقيق في المعركة التي لم تجرِ في هذا الكيبوتس الصغير، ببساطة، لأن الجيش لم يظهر هناك. إن ربع السكان في نير عوز، إمّا خطفوا، وإمّا قُتلوا. لقد قُتل في ذلك الصباح في الكيبوتس 47 شخصاً، وخُطف 76، 9 منهم ماتوا. وحتى اليوم، لا يزال في القطاع 14 شخصاً من سكان نير عوز، لم يبقَ منهم إلّا 5 في قيد الحياة.
  • وُلد نيف في الغلاف، وتحديداً في كيبوتس إيرز الموجود على الحدود الشمالية للقطاع. وهناك، حصل أعضاء لجنة التأهب على بضع دقائق لتنظيم أنفسهم، ونجحوا مع بعض القوات في كبح هجوم "المخربين" الذين هاجموا إيرز. لم يكن لنير عوز هذا الحظ، ولم يكن في الكيبوتس إلّا 7 من أعضاء لجنة التأهب في ذلك الصباح، وكان عليهم أن يتعاملوا في المرحلة الأولى مع نحو 150 "مخرباً" اقتحموا الكيبوتس. وعلى مدار ساعتين ونصف الساعة، نجح أعضاء لجنة التأهب، بمساعدة بعض السكان، في إدارة مقاومة منظمة نسبياً أمام الهجوم. وبعد أن قُتل 3 من أعضاء لجنة التأهب، وقاتلوا ببطولة، وقُتل آخرون وخُطفوا - كانت الطريق مفتوحة أمام "المخربين" للقيام بكل ما يريدونه في الكيبوتس.
  • هذا التحقيق، تحديداً، يتطرق لأول مرة، وبشكل واسع، إلى قضية لم تكن واضحة في التحقيقات الصحافية السابقة بشأن "المذبحة" في نير عوز. فعلى بُعد 3 كيلومترات تقريباً من الكيبوتس، تقع قاعدة نيريم، وهي قاعدة فرقة تابعة للواء غولاني، لكن لم يصل أحد من الجنود في القاعدة إلى نير عوز، ولا أيّ قوات أُخرى أيضاً. ويتضح أن الهجوم على القاعدة جرى مبكراً على يد قوة كبيرة من "حماس"، قتلت وأصابت الضباط الذين كانوا فيها، وفرضوا حصاراً على القوات التي بقيت في غرفة الطعام والغرف المحصّنة داخل القاعدة. أصيب نصف المقاتلين، وقُتل خمسة. التحقيق لا يتهم جنود غولاني الذين كانوا في القاعدة، لكنه يقول بوضوح في الخلاصة: إن الكيبوتس تُرك وحيداً. ومثلما اعترف رئيس هيئة الأركان السابق هرتسي هليفي، في حديث مع سكان الكيبوتس يوم الخميس الماضي، فإن "المخرب" الأخير خرج من الكيبوتس قبل 40 دقيقة تقريباً من وصول أول قوة للجيش.
  • بحسب التحقيق، إن مقتل وإصابة أغلبية الضباط الكبار في القيادة الجنوبية لفرقة غزة والمجموعات التابعة لها، إلى جانب قوة الهجوم على طول المنطقة، أمور كلها تسببت بتفكيك سلسلة القيادة والسيطرة كلياً في نير عوز ومحيطه. كانت إحدى النتائج عدم القدرة على بناء صورة عامة لوضع القتال، وبصورة خاصة في نير عوز. لم تفهم قيادة هيئة الأركان، ولا قيادة المنطقة الجنوبية، خطورة الوضع هناك. وفقط في الساعة التاسعة صباحاً تقريباً، كان من الممكن البدء باتخاذ قرارات فعالة بشأن إرسال قوات للمساعدة في الكيبوتس؛ عملياً، حدث هذا بعد 4 ساعات تقريباً. ما قاله نيف للسكان هو أن هناك بلدات أُخرى كانت تعاني جرّاء وضع خطِر جداً، ولم تصل إليها القوات في الوقت الملائم، لكن ما حدث في نير عوز هو مزيج من الظروف القاتلة في وقت لم يكن يوجد في الكيبوتس أيّ قوة عسكرية.
  • خلال الـ15 عاماً الماضية، انشغل نيف كثيراً بتحضير الجيش لسيناريو "البجعة السوداء" - أحداث متطرفة ومفصلية، يتم التعامل معها على أن احتمال حدوثها قليل. لقد أجرى مقابلة مع "هآرتس" في يوم عيد الغفران في سنة 2023، قبل "المذبحة" بعشرة أيام - وكان العنوان "المفاجأة ستحدث، والسؤال كيف تتجهز إسرائيل لها". والآن، باتت لها معانٍ أُخرى بعد السابع من أكتوبر. اليوم، يعترف بأنه لم يشارك قط في أيّ تدريب كان يتضمن حتى القليل مما قامت به "حماس" قبل عام ونصف العام تقريباً.

دعم مشكوك فيه

  • قام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قبل أكثر من شهر، بالتلاعب برؤساء أجهزة الأمن. فبعد أن اتهمهم بأنهم يديرون مفاوضات من نوع "أعطي وأعطي"، أزاحهم من جبهة المفاوضات بشأن صفقة التبادل، وعيّن مكانهم بعض المقربين منه، وعلى رأسهم الوزير رون ديرمر. وحتى الآن، من الصعب القول إن رهانه نجح، فإدارة ترامب تدفع قدماً ببضع خطوات من أجل الدفع بصفقة التبادل. ويبدو التنسيق مع إسرائيل جزئياً في هذه المرحلة، وتأثيره محدود.
  • آدم بوهلر، مبعوث ترامب الذي تم استبعاده من المفاوضات، تفاوضَ بشكل سري مع "حماس" من أجل الوصول إلى صفقة يتم من خلالها تحرير جندي مخطوف يحمل الجنسية الأميركية و4 جثث لمخطوفين يحملون الجنسية الأميركية. أمّا المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، فإنه يدفع بصفقة مختلفة، وبحسبها، يجري في المرحلة الأولى تحرير 5 مخطوفين و9 جثث، في مقابل تمديد وقف إطلاق النار مدة شهرين.
  • حالياً، قامت "حماس" بالتمويه، وأعلنت في يوم الجمعة قبولها مقترح بوهلر، ورفضته الولايات المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من سلسلة الإدانات، فإنه يجب التذكير بالحقيقة - كان من المفترض أن تبدأ المباحثات بشأن المرحلة (ب) قبل نحو أسبوعين، تلك المرحلة التي ترفض إسرائيل الالتزام بها، وتضمنت الانسحاب من محور فيلادلفيا.
  • لا توجد طريقة فعلية لتوقُّع ما سيقرره ترامب، الذي يغيّر مواقفه ويطرح أفكاراً جديدة ومفاجئة كل بضعة أيام. لكن من المهم الانتباه لويتكوف الذي وافق على نقاش "اليوم التالي" مع الدول العربية في قطاع غزة، قبل أن يسافر من قطر إلى روسيا وساحة وساطة أُخرى. صحيح أن ترامب يدعم التحضيرات العسكرية التي تُجريها إسرائيل، ويهدد "حماس" بفتح أبواب جهنم، لكن الرئيس لا يزال يصغي للخطوة العربية التي تهدف إلى ترتيب إعادة إعمار القطاع وإبعاد "حماس" عن مراكز القوة.
  • على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان إمكان أن يغيّر رأيه ويفرض على الطرفين ترتيبات، من دون أن يسمح بالعودة إلى القتال. هذا ما تطلبه السعودية، وترامب يصغي للرياض - وهي المنطقة التي يمكن أن تُعقد فيها الصفقات الكبيرة للأميركيين (وعائلة ترامب)، وأيضاً جائزة نوبل للسلام.

 

 

المزيد ضمن العدد