ترامب يدوس على رؤية ريغان ويقدم للعالم أميركا جديدة كلياً

فصول من كتاب دليل اسرائيل

المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • أثار إعلان ترامب البدء بحرب تجارية عالمية، تحت عنوان "يوم التحرير الأميركي"، فوضى على مستوى العالم. الأسواق المالية خائفة من الانهيار. والإعلان يذكّر، إلى حد ما، بكتاب "1984" لجورج أورويل. إنها الفكرة نفسها: "الحرب هي السلام"، وهذه الخطوة الدراماتيكية الفوضوية يعرضها الرئيس الأميركي كصيغة منظمة ستقود إلى الاستقرار وتصحيح الظلم التاريخي.
  • في الواقع، إن فرض الرسوم الجمركية على جميع دول العالم، سواء الخصوم، أو الحلفاء، من دون استثناء، لم يعد قصة تتحدث عن أميركا العظيمة والغنية، دولة الفرص اللامحدودة والمنافسة المثالية، بل بالعكس تماماً: ترامب يروي لمواطنيه وللعالم أن أميركا تتعرض لهجوم، وأنها في حالة دفاع، وتواجه خطر الانهيار، لأن العالم يستغلها، وأن قادتها فشلوا في حمايتها.
  • ترامب يهاجم جميع الرؤساء الذين سبقوه، ويدّعي أن السخاء الأميركي في حماية "العالم الحر" أضعفَ أميركا، واستنزف مواردها، وأن مشاركة الولايات المتحدة في التجارة الدولية "الحرة" هي بمثابة انتحار. وبحسب قوله، فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي تلعب بنزاهة وسخاء، في حين أن الآخرين جميعهم "كاذبون وانتهازيون"، ووفقاً له، فإن استعادة عظمة أميركا تتطلب أن تتوقف الولايات المتحدة فوراً عن خداع نفسها، وقبل كل شيء، أن تكف عن كونها "ساذجة".
  • الشعار الذي يرفعه ترامب في هذا السياق هو أن أميركا أصبحت دولة "مُستَغَلة"، ويجب أن تستفيق وتتمرّد على الواقع القاسي لعالم يسيء استخدام كرَمها. لكن الادعاء أن الولايات المتحدة دولة "ساذجة" هو ادعاء ينطوي على نبرة شكوى، ويعكس الضعف، ولا ينسجم مع الروح الأميركية العامة القائمة على القوة التي لا تُضاهى، ففي الوقت الذي يسعى ترامب داخل الولايات المتحدة للقضاء على جيوب "الشكوى" للأقليات والمحرومين، الذين يعتمدون على مبدأ "تصحيح المظالم" الذي يرفعه "التقدميون المهزومون"، فإنه يعرض أميركا في الساحة الدولية كدولة مظلومة.
  • بشكل مذهل إلى حد ما، يعلن ترامب أن أيام العمل الخيري الأميركي قد ولّت، ويستخدم مبدأ "فقراء مدينتك أوْلى"، بروح وبكلمات رجل اليسار بيرني ساندرز. إن تصوير الأميركيين كفقراء يموّلون الأغنياء بدمهم وعرَقهم، من دون أيّ امتنان، يغيّر المعادلة التقليدية والمتفائلة لـ"أميركا كمدينة متلألئة على التل"، تلك التي تشعّ قوة عسكرية ورحمة اقتصادية على العالم بأسره.

ما هي طروحات ترامب الجديدة؟

  • يروّج ترامب طروحات، مفادها أن العولمة وتصدير الروح الديمقراطية -الليبرالية إلى العالم بأسره ما هي إلّا "خدعة" انتهى زمانها، والآن، هناك قوى قوية في العالم تنافس الولايات المتحدة وتستغل الروح الأميركية التي تسعى لـ"فعل الخير". الرسالة هي أنه ليس فقط الصين، العدوة الكبرى التي تسعى للإضرار بالمكانة الأميركية، بل حتى الحلفاء "العديمي الخجل" يواصلون استغلالها من دون أيّ عرفان بالجميل.
  • إن تصوير أميركا كضحية يُشبه، إلى حد كبير، الخطاب الذي يتبناه التقدميون الأميركيون المتطرفون، أكثر مما يشبه بطل الجمهوريين رونالد ريغان الذي هزم الاتحاد السوفياتي. في الواقع، يعمل ترامب ضد روح الحرية التي جسّدها ريغان نفسه، لقد قال ذلك بشكل صريح: "ريغان لم يفهم في الاقتصاد"!
  • يُوضح الرئيس أنه لم تعد لدى أميركا مهمة عالمية هي الدفاع عن الحرية، مثلما كان يعتقد ريغان، وأن الحرية الأميركية تتطلب التحرر من الالتزامات. هذا "التحرر" يعني، فعلياً، الانفصال عن الحلفاء الانتهازيين، تماماً كما عن الأعداء. الجميع يعيش في عالم فوضوي، وعلينا أن نهتم بأنفسنا أولاً، وقبل كل شيء.
  • إن حرب "الحرية" الأميركية التي يشنّها ترامب تخلع القفازات في مواجهة الخصوم والحلفاء على حد سواء، من دون استثناء. الصين ستُفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 34%، لكن أيضاً ستُفرض رسوم على أوروبا بنسبة كبيرة تبلغ 20%، وحتى أستراليا، فستتلقى ضربة، وكذلك إسرائيل، الزبونة النهائية التي تربط مصيرها بالكامل بترامب، وأيضاً بريطانيا مشمولة في هذه القضية.
  • الطرح القائل إنه "لا توجد وجبات مجانية" يرتبط باسم ميلتون فريدمان، المدافع الأكبر عن السوق الحرة، الذي دعا إلى تدخّل حكومي محدود، وإزالة القيود التنظيمية، وعارض فرض رسوم جمركية شاملة على المستوى العالمي. أمّا لدى ترامب، فإن "الوجبات المجانية" تشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد "ساذجة". ربما يُعيد ترامب تشكيل مفهوم القيادة الأميركية للسوق الحرة، فهو يحب القوة، لكن ليس من أجل "فعل الخير للعالم"، مثلما قال الرئيس ويلسون قبل أكثر من مئة عام، بل من أجل مصلحة أميركا، التي تم استغلالها ضمن منظومة الدفاع الجيو - سياسية، من طرف أوكرانيا ودول الناتو على سبيل المثال، وأيضاً ضمن المنظومة الاقتصادية.
  • فهل حقيقة أن الأميركيين سيهتمون بأنفسهم أولاً تُشبه ما يُطلب من الأم في الطائرة: أن تضع قناع الأوكسيجين على وجهها، قبل أن تنقذ أطفالها؟ هل ستستمر أميركا في التنفس، بينما يختنق الآخرون؟ أم ربما سيختنق الجميع في غياب سوق حرة عالمية حقيقية؟

 

 

المزيد ضمن العدد