ثلاثة مسارات محتملة لتحقيق أهداف الحرب، واحد منها هو الأفضل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • في هذه الأيام، تمارس إسرائيل، وبدعم أميركي، ضغطاً عسكرياً قياسياً على "حماس" وقطاع غزة، بهدف تمديد المرحلة الأولى من اتفاق تحرير المخطوفين والتوصل إلى إطلاق سراح مزيد من الأحياء منهم، وهو الهدف الذي يحتل المركز الأول في جدول أعمال المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن الرؤيا الاستراتيجية التي توجّه مسار هذه العملية غير واضحة. لا تزال "حماس" هي السيد في القطاع. وحتى لو جرى إطلاق مزيد من الرهائن، من المحتمل أن تواصل "حماس" الاحتفاظ بآخرين لضمان بقائها، أو بسبب عدم معرفتها مكان دفنهم. لذلك، فإن التركيز على القدرات الحكومية والعسكرية لـ"حماس" سيصبح الهدف الأول.
  • منذ بداية الحرب، وحتى انهيار وقف إطلاق النار، قالت الحكومة الإسرائيلية إنها لن تفرض حكماً عسكرياً في القطاع. كذلك، رفضت الحكومة فكرة محاصرة القطاع، سواء لأسباب قانونية، أو بسبب قيود أميركية فرضتها إدارة بايدن، أو بسبب الفهم أن بقاء السيادة لـ"حماس" في القطاع هو أمر مرفوض. لذلك، سعى التخطيط الاستراتيجي للحرب لإنشاء آلية سلطة مدنية بديلة. لكن إسرائيل لم تحدد هوية هذه السلطة البديلة التي تسعى لها. هناك مشكلة أُخرى هي تمسُّك "حماس" بفكرة "المقاومة" بروحية حركة الإخوان المسلمين، ومن غير الممكن إزالة وجودها من الأرض بعملية عسكرية. فحركة الإخوان المسلمين لا يمكن أن تزول من قطاع غزة، كما لم تزُل من الضفة الغربية بعملية عسكرية، ولا من مصر، أو سورية، أو الأردن، ومن إسرائيل نفسها. لذلك، كان واضحاً منذ البداية أنه إلى جانب حُكم مدني بديل من "حماس"، سيبقى في القطاع أطراف من حركة الإخوان المسلمين. والرد على هذا الوضع كان وسيبقى في احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية عن القطاع.
  • علاوةً على ذلك، ومع الاحتمال الضئيل لتحقيق "الهجرة الطوعية"، وفق خطة الرئيس ترامب، بحيث ينتقل نصف مليون من سكان القطاع إلى دولة أُخرى، والمقصود عدد بشري كبير، فإن المشكلة الديموغرافية في غزة ستتقلص، إلى حد ما، عدة أعوام. بيْد أن الهجرة لا تحلّ كلّ المشكلات الجوهرية. وفي نظرة بعيدة الأمد، ستُطرح مجدداً المسألة الأساسية: ما هي الخطة حيال قطاع غزة؟ لا يمكن تأجيل النقاش الحاسم في مستقبل القطاع، والدائر فعلياً منذ اليوم الأول للحرب، لقد أدى، مراراً وتكراراً، إلى ثلاثة بدائل فقط للوضع النهائي:
  • احتلال قطاع غزة برمته وإقامة حُكم عسكري إسرائيلي فيه؛
  • مواصلة الحصار المدني لغزة مع بقاء حُكم "حماس" ضعيفاً إلى أن ينهار من الداخل؛

ج- إقامة حُكم مدني فلسطيني بديل من "حماس"، مع احتفاظ إسرائيل بالمسؤولة الأمنية (والاستمرار في القضاء على "الإرهاب" ومنع "حماس" من إعادة بناء قوتها).

  • احتلال قطاع غزة وإنشاء حُكم عسكري

إن ميزة الحكم العسكري للقطاع هي بالقدرة على الدفع قدماً بواسطته بأهداف الحرب المتعلقة بـ"حماس". فإسرائيل هي التي ستحلّ محلّ سلطة "حماس". وأيّ توزيع للمساعدات الإنسانية سيجري بواسطة الجيش الإسرائيلي، وستُمنع "حماس" من بيعها، ومن استخدام التوزيع لمصلحة سيطرتها المدنية. كما أن الوجود الدائم في الميدان سيزيد في احتمالات جمع المعلومات الاستخباراتية، وفي تآكل قدرات "حماس"، وسيساعد على مراكمة إنجازات عملانية ضدها. وفي المقابل، سيفتقر الحكم العسكري إلى الشرعية وسط سكان القطاع، وفي الساحة الدولية، بالإضافة إلى تكلفته الاقتصادية الكبيرة، وتداعياته على الاقتصاد الإسرائيلي.

الاحتلال بحد ذاته سيكون معقداً جداً، لكنه ممكن على مراحل:

  1. احتلال المنطقة كلها فوق الأرض (سواء بعملية زاحفة، أو من خلال معركة شاملة).
  2. "تطهير" المنطقة فوق الأرض وتحتها.
  3. إعادة تقسيم القطاع إلى مناطق إقليمية.
  4. تعيين ممثل للحكم العسكري في كلّ مدينة وحيّ، يكون على تواصُل مع القيادة المحلية ويشغل الإدارة المحلية.
  5. ستجري إدارة شؤون السكان بواسطة إدارة تشمل كلّ السكان في مناطق القتال، وستُعنى بأمنهم وتأمين مأوى للنازحين، وتوزيع الغذاء وتأمين الخدمات الطبية.
  6. واستناداً إلى مدة الحكم العسكري، سيكون المطلوب الاستجابة لكلّ الحاجات المدنية، وسيتصرف مثلما تتصرف الإدارة المدنية.
  • تحديات "اليوم التالي":
  1. سيتطلب الدفاع عن المنطقة عدداً كبيراً من القوات، وسيكون هذا على حساب القوات في الضفة الغربية، وعلى الحدود الشمالية... والتقدير أننا سنكون بحاجة إلى خمسة ألوية في داخل قطاع غزة، ولواءين خارجه. والمقصود حجم كبير من القوات يشمل ما بين 15 و21 كتيبة، أي الحجم الموجود حالياً في الضفة الغربية، وهو أكبر من حجم القوات المخطط لها على الحدود الشمالية بأربعة أضعاف (هذا الحجم من القوات يتطلب تجنيد احتياطيين، إذا لم يتم تجنيد مكثف للحريديم).
  2. التكلفة المباشرة: إذا لم تتحمل دول، أو السلطة الفلسطينية، جزءاً من العبء الاقتصادي، فستضطر إسرائيل إلى تمويل كلّ حاجات المنطقة. وكمعيار على ذلك، في الفترة التي كانت السلطة الفلسطينية تمول القطاع بصورة كاملة، كانت الميزانية 120 مليون دولار شهرياً (5.3 مليار شيكل في السنة).
  3. تجنيد الاحتياط بحجم كبير سيضرّ بالاقتصاد الإسرائيلي بصورة غير مباشرة بسبب الغياب الطويل لعناصر الاحتياط عن العمل.
  4. يمكن أن يؤدي العبء على جنود الاحتياط، ولا سيما أن المقصود قيامهم بمهمات الشرطة، إلى تراجُع الحوافز بصورة تعرّض الاستجابة لدعوات التجنيد للخطر.
  5. سيؤثر عدم وجود شرعية دولية، سلباً، في علاقات إسرائيل التجارية، وفي اقتصادها. ويمكن أن تعتبر دول كثيرة، باستثناء الولايات المتحدة، أن إعادة احتلال القطاع عمل غير قانوني ويتعارض مع قيَمها. والتهديد الأخطر هو فرض حظر أوروبي على إسرائيل من دون إعلانه رسمياً.
  6. أخيراً، وما لا يقّل أهميةً، العداء للسامية. من المحتمل أن يزيد الصراع ضد إسرائيل في موجات العداء للسامية ضد الجاليات اليهودية في العالم.
  • فرض حصار على القطاع - "حماس" ضعيفة ومرتدعة
  • وفق هذا التوجه، تفرض إسرائيل على القطاع الواقع تحت سيطرة "حماس" حصاراً جزئياً. ولا تسمح بإعادة البناء والتجارة، وتعمل على تعميق الشرخ بين الحركة وبين السكان. هذه الفكرة التي لم تكن ممكنة في عهد بايدن، يبدو اليوم احتمال تنفيذها أكبر مما كان عليه في فترة إدارة ترامب...
  • لكن ثمة مشكلة استراتيجية ينطوي عليها خيار الحصار، وهي أن تعتبره "حماس" انتصاراً ودليلاً على نجاحها في مواجهة تحدّي الحرب ضد إسرائيل التي لم تتمكن من القضاء عليها وطردها من القطاع، والآن، هي تواجه الحصار، وهذا الوضع ليس جديداً عليها. وفي حالة الحصار، تبقى "حماس" هي التي تسيطر على المساعدات التي تصل إلى القطاع، وستواجه إسرائيل مشكلة في منع وصول المساعدات إلى سكان المنطقة، وستكون أمام معضلة: إمّا تجويع السكان الذي سيجعل إسرائيل تواجه تهمة ارتكاب جريمة حرب، وإمّا بقاء "حماس" في القطاع ضعيفة، لكن قادرة على البقاء. وتدل تجربة الماضي على أن "حماس" قادرة على توجيه غضب الناس ضد إسرائيل، متهمةً إياها بارتكاب جريمة حرب.
  • كما أن الحملة ضد إسرائيل في الساحة الدولية يمكن أن تضرّ بالاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من أنها ستكون أقلّ من الضغط الذي ستواجهه إذا احتلت القطاع، وفرضت حكماً عسكرياً...
  • المشكلة الأساسية التي تنطوي عليها حالة الحصار هي الهزيمة العسكرية. أولاً، لم تنجح دولة إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها، ولم يُطلق سراح المخطوفين، و"حماس" لا تزال موجودة. والدلالات الاستراتيجية للوضع أكثر اتساعاً، ولا تتعلق بالقطاع وحده. فقد ترى الولايات المتحدة في ذلك علامة ضعف.
  • بالنسبة إلى استنزاف "حماس" وإطاحتها من الداخل - ظهرت مؤشرات أولى إلى تمرّد شعبي ضد الحركة ودعوات إلى وقف الحرب وإبعاد قادة "حماس" عن المنطقة. لا يزال من المبكر تقدير حجم الاحتجاج، وما إذا كان سيكبر ويتوسع، وهل سيضطر قادة "حماس" إلى مغادرة القطاع، هرباً من غضب الجماهير. في غضون ذلك، أثبتت الحركة استعدادها لوقف مظاهر الاحتجاج ضدها بعنف واضح...
  • في الخلفية، من المحتمل أن يؤدي الواقع المدني الصعب والأزمة الإنسانية إلى تشجيع مَن لديهم القدرة على الوصول إلى دولة عربية على الهجرة. لكن الأغلبية الفقيرة والضعيفة من سكان غزة ستظهر كضحايا أبرياء لآلة الحرب الإسرائيلية، وستبدأ التبرعات بالتدفق، حتى إلى "حماس"...
  • حُكم مدني بديل مع بقاء "حماس" تحت الأرض
  • الميزة الكبيرة لهذا البديل هي اقتصادية. ففي ظلّ حكومة تكنوقراط وحُكم مدني بديل، لن تقوم "حماس" بتوزيع المساعدات الإنسانية، ولن تقوى اقتصادياً. وستضعف مكانتها المدنية، شيئاً فشيئاً. ويمكن أن تعتبر إسرائيل ذلك تحقيقاً لهدف الحرب. لكن العيب الأساسي في هذا البديل هو استمرار وجود "حماس" تحت الأرض. وهناك مَن سيقول إنها مسألة وقت قبل أن يتخلص عناصر "حماس" من ممثلي الحكم المدني البديل.
  • هذه السيئات كانت معروفة منذ بداية الحرب عندما قررت الحكومة أن فرض حُكم بديل في القطاع هو النموذج المطلوب. وكان الحل الذي جرى التوصل إليه هو احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية، ومواصلة سحق قدرات "حماس" من خلال سلسلة عمليات طوال أشهر عديدة، وصولاً إلى إضعافها بصورة كاملة. وقضت الخطة بتدريب نحو 5000 شخص في الأردن، بتمويل أميركي، وإعادتهم إلى القطاع للقيام بمهمات الشرطة، على أن تُدفع رواتبهم من مصدر غير "حماس"...
  • وفي الواقع، هذا النموذج كان خيار الحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب، لكنه لم يطبَّق بسبب عدم مناقشة الصلاحيات المدنية للسلطة البديلة من "حماس". ويُعتبر الاقتراحان المصري والإماراتي بشأن إعادة إعمار القطاع واستقراره، من دون أن تكون الحركة جزءاً من السلطة، هما الأقرب إلى المصلحة الإسرائيلية، لكن إسرائيل رفضتهما. ويتضمن هذان الاقتراحان إنشاء تكتل دولي من دول عربية وغربية ستكون مسؤولة عن إعمار القطاع ومراقبة عمل المجلس المدني فيه. والاقتراحان لا يتضمنان مشاركة السلطة الفلسطينية. والفارق بين الاقتراحين ما يتعلق بهوية الكيان الذي سيسيطر على غزة. فبحسب الاقتراح الإماراتي، ستكون السلطة المعينة بمثابة سلطة عليا، بينما يتحدث الاقتراح المصري عن لجنة مدنية من أهالي غزة الذين لا ينتمون إلى السلطة، ولا إلى "حماس".

خلاصة وتوصيات

  • قبل زيادة الضغط العسكري على قطاع غزة، يجب أن نحدد الوضع النهائي المرغوب فيه: إن البدائل الثلاثة إشكالية: من الناحية العسكرية، الحكم العسكري هو الأفضل، ومن زاوية الأمن الوطني، ومن خلال نظرة واسعة النطاق (اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية)، فإن نموذج حكومة التكنوقراط هو الأفضل؛ وفي جميع الأحوال، استمرار حُكم "حماس" هو الخيار الأسوأ، ويجب منعه، ومن هنا، فإن خيار محاصرة القطاع ليس خياراً جذاباً.
  • الحكم المدني البديل هو الخيار الأقل سوءاً، ويجب مواجهة المشكلات التي ينطوي عليها، ومنع قيام ظاهرة "نموذج حزب الله" في قطاع غزة. أي وجود ميليشيات مسلحة لها تأثير كبير في الإطار السياسي يؤدي إلى شلل الحياة السياسية، ويهدد الاستقرار الداخلي.
  1. يجب وضع نظام أمني يسمح لإسرائيل بمواصلة العمل ضد قدرات "حماس" ما دامت موجودة.
  2. يجب إعداد الوسائل التي تضمن بقاء الحكم البديل في القطاع ومنع بقايا "حماس" من السعي لإسقاطه.
  3. يجب تحديد المكونات الأمنـية، فضلاً عن السماح لإسرائيل بالعمل على التصدي للتهديدات وتقييد "حماس" واقتلاعها. وهذه المكونات يجب أن تشمل عقيدة حديثة للدفاع عن المستوطنات في النقب الغربي.
  4. إن الشعور بالأمن الشخصي هو المكون الأكثر أهميةً، ويجب بلورة قوة شرطة فلسطينية في القطاع تعمل بالتنسيق مع إسرائيل، وتسمح للجيش الإسرائيلي بالعمل في قطاع غزة، مثلما يعمل في أراضي الضفة الغربية.

 

 

المزيد ضمن العدد